اقتصاد دولي

وفاة مدير مدرسة أثناء عمله الإضافي بالبناء تعري نظام الأجور في مصر

تضطر الأجور المتدنية في مصر المدرسين ومدراء المدارس إلى العمل في مهن شاقة- عربي21
تضطر الأجور المتدنية في مصر المدرسين ومدراء المدارس إلى العمل في مهن شاقة- عربي21
أثارت واقعة وفاة مدير مدرسة مصري خلال عمله ثاني أيام عيد الأضحى كمساعد في مهنة البناء، التساؤلات حول أوضاع المعلمين في مصر ورواتبهم المتدنية ومعاشاتهم التقاعدية الضئيلة، وحجم ما يلاقونه من ضغوط اقتصادية في ظل السياسات الاقتصادية للنظام الحاكم.

والخميس، ثاني أيام عيد الأضحى، توفي مدير مدرسة صفط الشرقية بالمنيا سليمان عبدالحميد (50 عاما)، نتيجة لأزمة قلبية أثناء عمله الإضافي كعامل بناء.




مراقبون اعتبروا تلك الواقعة نتيجة طبيعية لسياسات رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، نحو تجاهل التعليم، مذكرين بقوله في كانون الأول/ ديسمبر 2016: "ويعمل إيه التعليم في وطن ضائع"، وهي الجملة التي أشارت إلى نظرته للتعليم في مصر.

وفي العام 2015، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خروج مصر من قائمة التصنيف عالميا في جودة التعليم، وذلك من خلال المسح الذي تجريه كل ثلاث سنوات، عن جودة التعليم العالمي.

ويواجه المصريون أزمات اقتصادية طاحنة وارتفاع قياسي في أسعار جميع السلع والخدمات، ما كشفت عنه تقارير البنك المركزي المصري التي أكدت وصول التضخم في البلاد نسبا تاريخية بنحو 40.3 بالمئة عن أيار/ مايو الماضي، ما زاد نسب الفقر في البلاد وفق خبراء اقتصاد مصريين.

"حامل القصعة"

ومع ما أثارته الواقعة من ضجة، فقد رصدت "عربي21" العديد من النماذج المماثلة لمديري مدارس مصرية ومدرسين اضطرتهم الظروف الاقتصادية الصعبة وضعف الرواتب والمعاشات للعمل بمهن غير مناسبة لسنهم، وبينها عمال "فواعيلة" يحملون الطوب والأسمنت بالقصعة، وكذلك العمل سائقي توكتوك.

وقال مدير مدرسة مصري يدعى "سعد" (55 عاما)، إن "العديد من المدرسين، يعملون في البناء مثل المدير الراحل"، مبينا أنها مهنة صعبة ولا يقدر عليها سوى الشباب.

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف أن "هناك معلمين يعملون في أصعب مهن البناء والنجارة والحدادة والدهان والأثاث والكهرباء".

وبين أن هناك من يعمل في سيارات النقل الكبيرة، وسيارات نقل الركاب مقابل أجر يومي، وبعضهم يعمل في الزراعة والجزارة وبيع البهائم.

وأوضح أن "راتب المدرس بين 4 و 6 آلاف جنيه، لكن المشكلة الأكبر هي راتب التقاعد (المعاش) لذي تبلغ قيمته نحو ثلث الراتب فقط، بجانب معاش نقابة المعلمين البالغ 100 جنيه فقط تُصرف كل ثلاثة أشهر".

"تركونا نتسول"

المعلم المتقاعد الذي يدعى "محمد هادي"، قال لـ"عربي21"، إن راتب المعلم بعد عمل 30 عاما في التعليم بالكاد يتعدى الخمسة آلاف جنيه، وعند خروجه للمعاش لا يصل إلى ألفي جنيه".

وأكد أن لديه مسؤولية كبيرة فهو مريض سكر وزوجته أيضا تتعرض لأزمات صحية من آن إلى آخر، موضحا أنه "في ظل الغلاء الفاحش فإن مبلغ المعاش لا يكفي لدفع الالتزامات وشراء الطعام".

وأوضح، أن لديه التزامات نحو تعليم من تبقى من أبنائه وتزويج بناته، مؤكدا: "تركونا نتسول في شيبتنا".

ومن قطاع المحليات، قال الموظف بمجلس مدينة بمحافظة الشرقية "أحمد" (35 عاما)، لـ"عربي21": "ليست رواتب المعلمين فقط فكل رواتب الحكومة لا تكفي طبعا (...) البديل هو عمل إضافي".

اظهار أخبار متعلقة


وفي السياق، لا تنتهي شكاوى الصحفيين المصريين من تدني الرواتب، التي تتراوح بين 3 و5 آلاف جنيه لأغلب من يعملون في صحف حكومية وخاصة وتلك التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.

وأكد الصحفي، "م. ر"، أنه عجز لسنوات عن إقناع المسؤولين بزيادة راتبه، فاضطر للعمل كسائق في إحدى شركات النقل الخاصة (أوبر)، لتحسين دخله، موضحا أن الكثير من الصحفيين بدأوا في امتهان مهن أخرى كالسمسرة في العقارات، أو التجارة عبر الإنترنت أو عمل مشروع صغير.

"أرقام ضئيلة"

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبدالمطلب، إن "نظام الأجور باعتراف القيادة السياسية أقل من نصف وحتى ربع ما يحتاج إليه الموظف المصري للحصول على حياة كريمة له ولأسرته".

وأضاف: "الحد الأدنى للأجور في حدود 3 آلاف جنيه، وحد الكفاف المطلوب لأن يعيش المواطن بالحد الأدنى لا يجب أن يقل عن 15 ألف جنيه".

وأشار إلى أن "نظام الأجور في مصر لا يحقق الحد الأدنى للمواطن المصري".

وقال: "أما الرواتب التقاعدية (المعاشات) فحدث ولا حرج، فربما ما يحصل عليه الموظف من خدمة لمدة 30 و40 سنة في الحكومة مبلغ لا يكفيه 3 أو 4 أيام في الشهر، خاصة إذا وضعنا المشاكل الصحية لصاحب المعاش".

"أزمة الدولة والمعلم"

وفي إجابته عن سؤال "عربي21"، "كيف عرت واقعة وفاة مدير المدرسة نظام الأجور في مصر؟" قال السياسي المصري مجدي حمدان موسى إن "الواقعة تؤكد أن الدولة لا تهتم بالمعلم".

وأوضح أن "الارتقاء بالتعليم ليس مجرد منح المعلم أجرا جيدا؛ لكنه ارتقاء بالمنظومة كاملة بداية من مقعد التلاميذ وحتى الأنشطة المدرسية، والمعلم في مقدمة هذا الاهتمام لأنه اللبنة الأساسية في خروج جيل متعلم مثقف قادر على النهوض بالوطن".

"نظام أجور عادل"

وعن نظام أجور عادل، قال عبدالمطلب، المسؤول الحكومي السابق، إنه "للأسف على مدار السنوات يبدو أنه مستحيل الوصول لهذا النوع من العدالة".

وأوضح أن "العمل الحكومي في أغلبه غير منتج وغير منظم، وفي الإدارات المحلية ينقصه الكثير من التنظيم حتى يكون فاعلا".

وفي المقابل، بين أن "بعض الجهات تتحدث عن تحقيقها أرباحا مثل هيئات البترول وقناة السويس والضرائب والجمارك، ويعتقدون أن هذا مجهودهم ويستحقون الراتب الأكبر من زملائهم".

ويرى عبدالمطلب، أنه "من المفترض أن يعمل القطاع الحكومي كوحدة واحدة وكنظام واحد كونه متكاملا، فبدون المختصين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لن يكون هناك تنظيم للعاملين في قطاع البترول".

وخلص إلى القول إن "الوصول لنظام أجور عادل شبه مستحيل، خاصة مع خطط الحكومة لتقليل عدد الموظفين لأدنى مستوى، وربما ترى أن التضييق على الموظفين الحاليين قد يدفعهم للاستقالة وتنفيذ خطة الحكومة، أما أن تجعل العمل الحكومي عملا جاذبا فهذا ليس بخططها حتى الآن على الأقل".

وعن مدى عدالة نظام الأجور المصري وانحيازه إلى فئات بعينها وخذلان فئات أخرى، قال السياسي المصري: "في دستور 2014، محددات اتجهت للبحث العلمي والتعليم والصحة بنسب معينة لم تتم حتى الآن، ويقابلها صرف على أمور وأولوياتها بعيدة تماما عن الارتقاء بالمعلم المصري".

ودعا موسى، إلى "توفير الدرجات الوظيفية، وتوفير سياسة مالية مختلفة، وتكوين لجان تنبثق من الحكومة في أقرب وقت لتحديد كيف يمكن الارتقاء بهؤلاء ووضع محددات في السن من 50 عاما فيما فوق في ظل ارتفاع مستوى المعيشة وانخفاض الأجور".

"أزمة النقابات"

أما أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، الدكتورة علياء المهدي، وفي تعليقها على واقعة وفاة مدير المدرسة قالت لـ"عربي21": "لو أن النقابات المهنية قوية فإنه من الممكن أن يكون لها دور في التفاوض على مستوى أجور أعلى كثيرا من الحالية".

الأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي، رأى من جانبه أن سبب أزمة تدني الرواتب في مصر "يعود إلى سيطرة رأس المال على الاقتصاد بكافة ألوانه، منذ أعلن الرئيس الراحل أنور السادات، سياسة الانفتاح الاقتصادي والحرية الاقتصادية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إن "رأس المال يهمه أن يكسب ولا يخسر أو يكسب كثيرا ويخسر قليلا فتكون النتيجة تخفيض عدد العاملين لديه ولا يستطيع العاملون الدفاع عن مصالحهم".

وأكد أن "العمل النقابي لدينا ليس له معنى فالنقابات في البلاد الرأسمالية تفرض مطالبها على أصحاب العمل عن طريق التهديد بالإضراب فيضطر أصحاب العمل للاستجابة لمطالبهم فتنتهي المشكلة".

واستدرك: "ولكن في مصر النقابات تهتم بالدستور والأحزاب وانتخاب الرئيس، ولا تهتم بإجبار أصحاب العمل على الاستجابة لمطالبهم كلما زادت الأسعار وتكاليف المعيشة".

غضب مواقع التواصل

وأثار الخبر الكثير من الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تناوله البعض من زوايا عديدة، أهمها تجاهل النظام لضعف الرواتب وسط حالة الغلاء، وما يقابله من رواتب كبيرة للجيش والشرطة والقضاء، وكوادر خاصة بهم مع زيادات دورية بمعاشاتهم.

وطرحت الواقعة التساؤلات، حول أحوال معلمي ومديري المدارس، ومدى عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم المالية لو اكتفوا برواتبهم الشهرية من الوظيفة، وحول حجم دخلهم من الوظيفة.



وهنا أشار الكاتب والأكاديمي المصري محمد عبدالباسط عيد، إلى أزمة خروج التعليم في مصر من المعادلة تماما، مبينا أن بعض أساتذة الجامعة يضطرون إلى العمل في النقل بسياراتهم الخاصة، مشيرا إلى أنه ركب توكتوكا في مدينة قليوب، كان سائقه معلما متقاعدا.


التعليقات (4)
جبريل محمد
الأحد، 06-08-2023 01:55 ص
في سنة 1978 تم تصوير وعرض فيلم انتبهوا ايها السادة ، حيث كان دور الزبال و يمثله محمود ياسين اكثر من راتب الاستاذ الجامعي مصطفى فهمي، وكان يناقش الفيلم تأثير الانفتاح الاقتصادي على رواتب القطاع التعليمي الذي صار منهارا. وفي العام 1981 اغتيل السادات. والان يعيد التاريخ نفسه في مصر ومنذ العام 2022، ولكن دورة التاريخ الان أسرع من الماضي. صلوا على رسول الله وقولوا يا رب، والكريم قادر على كل شيء.
صلاح الدين قادم
الإثنين، 03-07-2023 04:01 ص
رحمه الله، لكن يا منافقي شعب مصر، ألم تأتكم ثورة اقتلعت الظلمة وأتت بحاكم من أنفسكم يهتم لأمركم ويخاف الله؟ ألم تنقسموا حينئذ لثلاث فرق: فرقة كبيرة مفسدة كرست كل ما تملك لإزاحته بالمال والجهد والتأييد والدعاء لمن يزيحه، وأخرى أكثر عددا سادتها السلبية بفسادها وجهلها ولا مبالاتها بما جرى ويجري وما سيجري، وفرقة قليلة مجاهدة لم تحسن تقدير الأمور ناصرته وناصرت الثورة بالأدوات الخطأ بالوقت الخطأ؟ المعلمين كغيرهم من فئات مصر الفاسدة الأخرى، نهبت التريليونات وليس المليارات فقط من المصريين مقابل تعويض فساد الحكومة وتخريبها للمدارس والتعليم، ورضيت بأن تبتز الأسر بالدروس الخصوصية عبر عقود، والآن يعملون كعمال بناء وكسائقين وكمتسولين وغدا يعملون ربما كعاهرات، لأن جيوب المصريين لم يعد بها ما ينهبونه، والحكومة ليس لديها ما تعوضهم به، اذهبوا للجحيم يا من صمتم عقود عن فساد التعليم ومهزلة ابتزاز ملايين المصريين بدروس خصوصية أفلست الجميع لأنكم أنتم من استفاد من هذه المهزلة والآن تولولون كالنساء؟ ولولوا وتسولوا وبيعوا حتى شرفكم وموتوا في الطريق، فهذا ليس إلا جزاءا وفاقا عن جريمتكم في حق فئات شعب مصر المطحونة من قبل. ما يعانيه الآن المعلمون ليس أكثر من أي فئة أخرى باستثناء عاهري الجيش والشرطة والقضاء والإعلام ورجال الأعمال الفسدة، هم وقود الفساد، إما أن يفيقوا ويتوبوا إلى الله عن جرائم سابقة، ويموتوا في سبيل تحرير وطنهم كالرجال الشرفاء الأحرار، أو يظلوا كما هم يموتون أيضًا لكن كالعاهرات التي تفقد حياتها بلا ثمن في بيوت دعارة البحث عن وتسول لقمة العيش. كلام قاسي لكن مع الأسف هذه هي الحقيقة العارية.
اسامة
الأحد، 02-07-2023 02:35 م
مصر تشعر بالاهانة في محيطها .. مصر شايفة انها هي الاقوى والاذكى والاقدر واللي تحمي واللي تغير وتثبت .. وانطلاقا من هذه العقدة لخبطت فركزت على اقتناء اسلحة من اجل ان تستثمر في قوات مسلحة وتكسب ثروات من دول المنطقة بذريعة الحماية متناسية ان الزمن تجاوزها وان هذه الدول التي تعول على حمايتها دخلت في احلاف ومعاهدات واقتنت اسلحة متطورة وحققت بعض من التقدم .. كان يجب على مصر عدم اهدار اموال على عسكرة .. هذي ليست طريقك .. لكن تبقى عقدتها الاساسية في ادارة شؤونها .. الميري والنياشين والنظارة السودا تبهر المصريين .. يعني بعيدين عن واقع الحياة ويميلون للنرجسية ..
درجات اهل العلم ودركات اهل الجهل والفساد
السبت، 01-07-2023 08:45 م
لا أجد ما اعلق به على هذا الظلم الذي فاق الوصف إلا أن أقول حسبنا الله ونعم الوكيل. ادعوا الله لهذا الرجل الصالح الذي حمل العلم وعلمه برضا نفس أن يرفعه به الدرجات العليا في الجنة وان يكتبه مع الشهداء والصالحين فقد ضرب القدوة والمثل في العفة والكرامة وأبى أن يطعم نفسه ومن يعولهم من الحرام رغم الظلم البين الذي وقع عليه وعلى أمثاله من حملة العلم ومشاعل النور التي تضئ للناس حياتهم وتخرجهم من ظلمات الجهل والتخلف التي ينموا ويترعرع فيها أهل الضلال و المفسدين في الأرض.