اقتصاد عربي

هل تستغل حكومة السيسي الحرب على غزة لتمرير أجندة زيادة الأسعار؟

رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود العام الحالي ثلاث مرات- جيتي
رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود العام الحالي ثلاث مرات- جيتي
في قرار يثير مخاوف المصريين من موجة ارتفاعات جديدة بأسعار السلع بسوق يعاني فيه 105 ملايين نسمة من معدلات تضخم تاريخية، قررت حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، رفع أسعار البنزين صباح الجمعة، ما بين جنيه إلى 125 قرشا للتر، وبنسبة 14.3 بالمئة، في زيادة هي الـ15 لسعر الوقود في 4 سنوات.

ووفق ما نشرته، الجريدة الرسمية، تم رفع أسعار "بنزين 80" و"بنزين 92" بواقع (1.25 جنيه)، و"بنزين 95" بقيمة جنيه واحد؛ إلى 10 جنيهات (0.3241 دولار) و11.50 و12.50 جنيه لكل لتر على التوالي، ارتفاعا من 8.75 جنيه، و10.25، و11.50 جنيه، في زيادة هي الثانية للبنزين هذا العام، بعد رفع جرى في آذار/ مارس الماضي.

اظهار أخبار متعلقة


"أجندة السيسي"
تلك الزيادة التي أبقت على سعر السولار البالغ ثمنه 8.25 جنيه للتر، تأتي في إطار سياسة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، التي انتهجها منذ حزيران/ يونيو 2014، وحتى اليوم برفع أسعار الوقود بكل أنواعه والتي بدأها حينها بزيادة قدرها 50 بالمئة على البنزين والسولار.

وشكلت حكومات القاهرة منذ العام 2018، ما يعرف بـ"لجنة التسعير التلقائي"، بهدف إعادة تسعير الوقود كل 3 أشهر، عبر مراجعة ربع سنوية وفقا لأسعار النفط العالمية وسعر صرف العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي يخضع خلال العامين الماضيين لرقابة صندوق النقد الدولي، في إطار حصول مصر على قرض بنحو 3 مليارات دولار.

وفي عهد السيسي، ومنذ العام 2013 وحتى اليوم، ارتفعت أسعار "بنزين 80" من 0.90 جنيه للتر، إلى 10 جنيهات، و"بنزين 92"، من 1.85 جنيه للتر إلى 11.50، وسعر "بنزين 95" من 5.85 جنيه للتر إلى 12.50 جنيه، فيما ارتفع سعر السولار من 1.10 جنيه للتر إلى 8.25 جنيه للتر، وسعر أنبوبة الغاز المنزلي من 5 جنيهات إلى نحو 85 جنيها.

ورفعت الحكومة المصرية سعر الوقود العام الحالي ثلاث مرات منها واحدة للسولار في أيار/ مايو الماضي، فيما سجل عام 2022 أربعة زيادات في كانون الثاني/ يناير، ونيسان/ أبريل، وتموز/ يوليو، وتشرين الأول/ أكتوبر، ما سبقه رفع ثلاث مرات في 2021 خلال نيسان/ أبريل، وتموز/ يوليو، وتشرين الأول/ أكتوبر، فيما شهدت أعوام 2019، و2018، و2017، و2016، و2014 زيادة لمرة واحدة.

"توقيت سيئ"
ومنذ آذار/ مارس 2022، يعاني السوق المصري من ارتفاعات تاريخية لجميع أسعار السلع والخدمات وبينها الوقود بأنواعه، وهو ما تزامن مع خفض لقيمة العملة المحلية 3 مرات، ما أثر على السوق المصرية وعلى أكثر من 60 بالمئة من المصريين الذين يعانون من الفقر، وفقا لتقرير للبنك الدولي عام 2019.

ووصل معدل التضخم لإجمالي البلاد إلى 40.3 بالمئة على أساس سنوي في أيلول/ سبتمبر الماضي، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).

ويتواكب ارتفاع أسعار الوقود هذه المرة مع أزمة تفاقم أسعار العملات الأجنبية في السوق الموازية، فبينما يبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار وفقا لـ"البنك المركزي المصري"، نحو 31 جنيها، يصل بالسوق السوداء نحو 46.75 جنيه.

وفي الوقت الذي يبلغ فيه سعر صرف اليورو رسميا 33.08 جنيه، يلامس سعره بالسوق الموازية معدل 48.75 جنيه، وسجل بتلك السوق الريال السعودي 12 جنيها من 8.25 رسميا، وفق ما أكد أحد تجار العملة بالسوق السوداء، لـ"عربي21".

التاجر الذي يعمل بتجارة الأجهزة المنزلية وتحفظ على ذكر اسمه ومنطقة عمله، أكد أن "الحرب على غزة بالتأكيد إحدى أسباب اضطراب السوق المصري وانخفاض قيمة الجنيه مجددا"، متوقعا أن "تستمر تلك الزيادات بما يؤثر على سوق المعاملات المصرية في العملات والأسواق والبضائع".

وفي الوقت الذي توجه فيه السلطات المحلية، والمحافظين وإدارات المدن والمجالس المحلية بمتابعة تعرفة النقل لمنع زيادة التعريفة عن المقررة رسميا، إلا أن مواطنين أكدوا لـ"عربي21"، أن "هذه تصريحات للاستهلاك الإعلامي"، مشيرين إلى "غياب الرقابة"، مقابل انتهاز السائقين تلك الزيادة لرفع أسعار النقل والركوب.

"غسل يد السيسي"
القرار المنشور في الجريدة الرسمية المصرية صدر باسم وزير البترول طارق الملا، ولكنه في المقابل لم يحمل أية إشارة إلى رأس النظام فيه، بل إن فضائية "إكسترا نيوز" أذاعت خبرا عن دور السيسي في رفع الغلاء عن المصريين.

القناة المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لجهات سيادية، قالت إن السيسي رفض طلبا للحكومة بزيادة سعر السولار، مكتفيا برفع سعر البنزين حرصا على محدودي الدخل، ووجه بترشيد استهلاك الحكومة من الوقود 50 بالمئة، وهو الخبر الذي أثار غضب متابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.


‌وأعرب البعض عن مخاوفه من استغلال حكومة السيسي الحرب القائمة في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لتمرير قرارات برفع أسعار البنزين وبالتالي رفع باقي الأسعار، وهو ما حدث لمواد البناء وخاصة الأسمنت والحديد اللذين وصلا إلى أرقام تاريخية غير مسبوقة بأسواق البلاد.

وشهدت أسعار الحديد الأيام الماضية، ارتفاعا يصل 8500 جنيه، ليسجل سعر الطن 42 ألف جنيه، مقارنة بـ33 ألف جنيه قبل أيام.

وكان المصريون يترقبون تعويما للعملة المحلية، وزيادات في أسعار جميع السلع، ورفع أسعار البنزين والسولار والغاز والكهرباء، والأجهزة الكهربائية بأنواعها، مع انتهاء الانتخابات الرئاسية المقبلة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.

ولكن ووفق مراقبين، فيبدو أن حكومة السيسي، التي قررت تثبيت سعر الفائدة على الإيداع والاقتراض ليل الخميس، اتخذت من الحرب في غزة فرصة لتنفيذ سياساتها والتبكير بها.

اظهار أخبار متعلقة


"استغلال حالة التعاطف"
الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي، في حديثه لـ"عربي21"، قال إن "حالة التعاطف الموجودة الآن من المجتمع المصري تجاه غزة، والتفاعل مع دعوات المقاطعة -للبضائع الداعمة للاحتلال- يمكن أن تكون إحدى الأسباب التي استعجل لأجلها النظام رفع أسعار الوقود".

الكاتب والباحث الاقتصادي، أضاف: "ومع ذلك لنقرأ الحدث في إطار الممارسات السابقة"، موضحا أن "النظام ومنذ العام 2014، يأخذ قرارات رفع سعر الوقود بشكل شبه منتظم مع بداية العام المالي، ومع كل مرة في الدخول مع صندوق النقد الدولي باتفاقيات".

ويتوقع أن يكون "ما تم هو نوع من التمهيد لاعتماد صندوق النقد الدولي في نهاية كانون الأول/ ديسمبر المقبل، المراجعة الأولى والثانية للتسهيل المالي المقدر بـ3 مليارات دولار، والذي اعتمد خلال الشهور الماضية مع بداية العام الجاري".

ويرى الصاوي، أن "النظام هنا يواصل الضرر بالنواحي الاجتماعية من حيث رفع الأسعار، وارتفاع معدلات التضخم، ومن حيث مشكلة النقد الأجنبي، إلا أنه يعتمد على عصا الأمن الغليظة ليس أكثر ولا أقل".

وأعرب عن أسفه من أن "الأزمة الاقتصادية مازالت خانقة، ولا يزال النظام لا يمتلك رؤية ولا استراتيجية لا للحل ولا للخروج من الأزمة، وبالتالي فلن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتم فيها رفع أسعار الوقود، ولا ارتفاع معدلات التضخم، ولا تفاقم أزمة النقد الأجنبي".

وعن احتمالات استباق حكومة السيسي، الانتخابات الرئاسية بقرارات مجحفة بالمصريين ورفع للأسعار، يعتقد الصاوي، أنه "في مسألة انتخابات الرئاسية ليس لدى النظام ما يعكر صفوه ويجعله يضع أية حسابات لهذه العملية الصورية الفارغة من مضمونها والمحسومة، والمرشحين الهزليين أمام السيسي".

"اللحظة المناسبة"
وفي رؤيته، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد، إن "نية الحكومة برفع الأسعار، وتخفيض قيمة الجنيه، وفقا لإملاءات صندوق النقد الدولي، تسبق أحداث غزة بشهور، وكل ما في الأمر أن النظام كان ينتظر اللحظة المناسبة للتنفيذ دون استياء شعبي لا يمكن احتواؤه أو التحكم فيه".

الحداد، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أنه "يمكن تتبع نية النظام حول رفع الأسعار، ومن ثم تخفيض قيمة الجنيه، أو سعر الصرف منذ إعلان السيسي، نيته رفع قيمة المرتبات والمعاشات في أيلول/ سبتمبر الماضي".

وقرر السيسي، حينها تم زيادة علاوة (غلاء المعيشة الاستثنائية) لتصبح 600 جنيه بدلا من 300 جنيه، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25 بالمئة، من 36 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، ومضاعفة (المنحة الاستثنائية) لأصحاب المعاشات والمستفيدين منها لتصبح 600 جنيه بدلا من 300 جنيه.

وأوضح المحلل المصري، أن "تلك القرارات جاءت بزعم التخفيف عن المواطنين من ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وفقا لما نشرته الصحف الحكومية، لكن يجب أن ننتبه للمثل القائل: (الحدأة لا ترمي كتاكيت)".

ويرى أن النظام "كان يُخفي ويبيت نيته تلك التي داهمنا بها من خلال رفع أسعار المحروقات، وللمرة الثانية على التوالي في هذا العام، حيث تم رفع سعر البنزين في آذار/ مارس"، لافتا إلى أن "ارتفاع أسعار المحروقات يتبعه ارتفاع لأسعار كافة السلع والخدمات".

اظهار أخبار متعلقة


ويعتقد الحداد، أن "أحداث غزة، ومن وجهة نظر حكومة السيسي، كانت فقط بمثابة اللحظة المناسبة لتطبيق إملاءات صندوق النقد، المبيتة، والمعدة سلفا".

وأكد أن "هذا يعني أن ما يعطيه السيسي للشعب باليد اليمنى، يأخذه أضعافا مضاعفه باليسرى عبر رفع الأسعار وبمعدلات أكبر من معدلات زيادة الرواتب والمعاشات، ما دعا الناس لتمني عدم زيادة الرواتب، وذلك مقابل الحفاظ على ثبات الأسعار والإبقاء عليها دون زيادة".

وتساءل: "إلى متى تعول الحكومة على تحمل الشعب المصري وصبره على سياستها العبثية الظالمة القاسمة المراوغة؟ خاصة ونحن ليس فقط على أبواب انتخابات رئاسية قادمة يتمنى جل الشعب ألا تتم أصلا إذا كان المقصود من ورائها تمرير سياسات أخرى أخطر من رفع الأسعار، وما يمس حياة المواطن العادية اليومية".

وألمح إلى أن "توهمه (السيسي) من نجاحه المحتوم بها بمثابة تفويض جديد لتنفيذ أو التسبب في كوارث أخرى قد تنال من الوجود المصري ذاته، ولكننا أيضا على أبواب كانون الثاني/ يناير 2024، والتي ما فتئ السيسي، يذكرنا بأخطارها ومخاطرها في كل مناسبة، وكأن على رأسه بطحة".
التعليقات (1)