قضايا وآراء

الصهيونية وأيديولوجية الدم

محمود النجار
مزيد من القتل للمدنيين في غزة- الأناضول
مزيد من القتل للمدنيين في غزة- الأناضول
يعرف الصهاينة جيدا أن فرط القوة العسكرية القادرة على القتل وإراقة الدماء، هي السبيل الوحيدة للبقاء على قيد الزمان والمكان أطول مدة ممكنة، ويعرفون جيدا أن الفلسطينيين شعب شجاع صبور عنيد لا يستسلم، وأن الشعب العربي برمته شعب يمتلك من الشجاعة والحميّة ما يجعل التعامل معه مرهونا بكثير من الخوف والقلق؛ ولذلك فقد عملوا على تركيز حكام متواطئين مستعدين لقمع شعوبهم بكل وسيلة ممكنة إذا هم فكروا بأي عمل من شأنه أن يؤلم الكيان المحتل، والشواهد حاضرة حضور الهواء؛ وإلا فماذا يعني أن يتم قمع بعض التظاهرات في بعض الدول العربية أو تجريمها في دول أخرى؟!

فمنذ العام 1948 والصهاينة يمارسون القتل الجماعي والفردي على الفلسطينيين، فهم لا يقيمون وزنا للإنسان ما دام غير يهودي (الأغيار)، وخصوصا إذا كان فلسطينيا، أو عربيا أو مسلما؛ بل إنهم ينظرون للعرب والمسلمين، وبدرجة أقل غيرهم من البشر، على أنهم دونهم مستوى حضاريا وإنسانيا، ويتعاملون مع الآخرين على أساس التفوق العرقي ومزاعم شعب الله المختار؛ فهو مغرورون بقوتهم ويفخرون بإراقة الدماء، وقتل الأطفال والنساء، ولا يقيمون للشرائع الدولية وزنا؛ لأنهم يعرفون أن دول غرب أوروبا والولايات المتحدة قادرة على الالتفاف على كل قرار دولي أو حكم قضائي يدينهم في المحافل والمحاكم الدولية.

الغريب في الأمر أن كثيرا منا كان يظن أن الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ستعمل على وقف الحرب سريعا بسبب عدد القتلى وحجم الدمار، وكان موقف هذه الدول وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يبعث على الدهشة، إذ شجعت هذه الدول قوات الاحتلال على مزيد من القتل للمدنيين، وبررت لها وحشيتها وإجرامها، وأمدتها بالعتاد اللازم لقتل الأطفال والنساء، وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم

لقد بدأ الصهاينة مشروعهم الاستيطاني في فلسطين بالقتل الجماعي، من خلال مجازر بدأت ولم تنته حتى يومنا هذا، فمن مجزرة دير ياسين وكفر قاسم واللد 1948، وخانيونس 1956، إلى صبرا وشاتيلا 1982، وقانا في جنوب لبنان 1996 ، ومذبحة الأقصى 1990، والحرم الإبراهيمي 1994، وجنين 2002، إلى محرقة غزة في 2008 و 2014 حتى المذبحة الحالية التي استشهد فيها وجرح وفقد ما يزيد عن 50 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، أمام سمع العالم المتآمر المنافق وبصره، وفي الضفة الغربية استشهد نحو 200 مواطن فلسطيني منذ بداية طوفان الأقصى، ناهيك عن الجرحى، وتم اعتقال أكثر من 2500 بينهم أطفال.

لقد قامت دولة الاحتلال على سفك الدم، وهي تعلم أنها لن تستمر إلا باستمرار سفك الدماء، وهي عقيدة توارثتها، ولا تتوانى عن إنفاذها والاستعانة بها للوصول إلى أهدافها، وقد تفاقم العمل بهذه العقيدة بعد مجيء حكومة اليمين المتطرف التي تعلن بصوت مرتفع رغبتها في قتل الفلسطينيين وتشريدهم، بل تجاوزتها لتهديد العرب والبوح بدفائن نفوسهم المريضة التي لا تشفى إلا بالدم، ولا تشبع من القتل المجاني.

لكن الغريب في الأمر أن كثيرا منا كان يظن أن الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ستعمل على وقف الحرب سريعا بسبب عدد القتلى وحجم الدمار، وكان موقف هذه الدول وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا يبعث على الدهشة، إذ شجعت هذه الدول قوات الاحتلال على مزيد من القتل للمدنيين، وبررت لها وحشيتها وإجرامها، وأمدتها بالعتاد اللازم لقتل الأطفال والنساء، وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم. والحقيقة أن هذا الاستغراب وتلك الدهشة في غير مكانهما؛ وكان علينا أن نتذكر الماضي القريب في العراق على سبيل المثال، لا الحصر، كيف أمعن الأمريكان وحلفاؤهم قتلا في العراقيين بطريقة وحشية، لا أخلاق فيها ولا إنسانية؛ فالغرب متوحش ناقم علينا وعلى حضارتنا البائدة، ولا يريد أن تقوم لنا قائمة من جديد، تماما كالكيان الصهيوني.

ربما الهزيمة النفسية للغالبية العظمى من حكامنا مرتبطة بالتهديدات السرية والعلنية بإزالتهم والقضاء على ممالكهم، لذلك نرى مواقفهم المذلة والجبانة مما يحدث في قطاع غزة من إبادة جماعية إجرامية، بل إن بعضهم لم يكتف بالصمت، فزاد الطين بلة بالاصطفاف مع العدو، وإطلاق التصريحات المخجلة في حق المقاومة، والدفاع عن قوات الاحتلال

لكن موقف الغرب سينقلب عليه داخليا، بعد ثورة الشعوب الغربية ضد حكامها وساستها بسبب انحيازهم الأعمى للكيان الصهيوني، ودفعه لمزيد من القتل والتدمير، وتزويده بالسلاح اللازم لذلك؛ فقد خسر بايدن أعدادا كبيرة من مؤيديه في الانتخابات القادمة، بما يعطي مؤشرا شبه مؤكد بأنه لن يتم انتخابه لو ترشح لولاية رئاسية ثانية، وكذلك الأمر مع رئيس الحكومة البريطانية، وربما يلحق بهما الثعلب ماكرون الذي قام بأسوأ الأدوار على مسرح الجريمة التاريخية التي تشبه الهولوكوست في غطرستها وجبروتها وهمجيتها..

لقد كان طوفان الأقصى حتميا ليصحو النائمون ويتنبهوا للخطر الذي يحيق بهم، وليعلموا بأن الغرب لا يقل وحشية عن الكيان المحتل، فكلاهما استعماري النزعة، تلمودي القناعة، يكره العرب والمسلمين، ويتمنى زوالهم والقضاء عليهم.. وربما الهزيمة النفسية للغالبية العظمى من حكامنا مرتبطة بالتهديدات السرية والعلنية بإزالتهم والقضاء على ممالكهم، لذلك نرى مواقفهم المذلة والجبانة مما يحدث في قطاع غزة من إبادة جماعية إجرامية، بل إن بعضهم لم يكتف بالصمت، فزاد الطين بلة بالاصطفاف مع العدو، وإطلاق التصريحات المخجلة في حق المقاومة، والدفاع عن قوات الاحتلال، كالإمارات والبحرين، وقمع التظاهرات كما حدث في مصر والمغرب..!!

لكنْ عزاؤنا فيما كان أننا بتنا نشتم رائحة القدس والمسجد الأقصى، وبتنا على قناعة بأن هذا الكيان الغاصب كيان ورقي، سرعان ما ينهار ويولي الأدبار، وأن ساعة الحقيقة قادمة لا محالة، وما طوفان الأقصى إلا نبوءة بما سيكون من بعد؛ فحين يتم التطهير في دول الطوق، ستتغير المعادلات، وسينهار جدار الخوف والترقب والقلق، وستكون المعركة الفاصلة التي ننتظرها، ونرقب يومها.
التعليقات (0)