صحافة دولية

كيف تحولت أفكار طلبة الجامعات الأمريكية وماذا يحدث داخل مخيمات دعم غزة؟

المخيم أصبح له تاريخه الخاص وأبطاله- إكس
المخيم أصبح له تاريخه الخاص وأبطاله- إكس
تتواصل الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية التي بدأت من جامعة كولومبيا يوم 17 نيسان/ أبريل 2024، والتي طالب فيها الطلبة بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ووقف تعاون إدارة جامعاتهم وسحب استثماراتهما من الشركات الداعمة للاحتلال، والسماح لهم بحرية التعبير.

ومع تدخل قوات الشرطة واعتقال عشرات الطلاب، اتسعت رقعة المظاهرات ووصلت إلى أكثر من 70 جامعة أمريكية، ما يعد تحولا كبيرا في قناعة وأفكار شريحة يعول عليها المجتمع في المستقبل.  

ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك، قالت فيه إن الأرصفة خارج جامعة كولومبيا كانت تعج بالحركة في يوم حار من أيام الأسبوع الماضي، حيث تجمع نحو 200 متظاهر، وأحدثوا ضجة أكبر من أعدادهم، رافعين هتافات ولافتات مؤيدة لفلسطين، فكان حشدا متباينا، متنوعا من مختلف الأعراق والأجيال. "لقد عشت في هذا الحي طوال حياتي"، قال أحدهم لدى سؤاله عن سبب وجوده هناك، وكذلك سارت سيدة مسنة مبتسمة وسط الحشد وقدمت زجاجات صغيرة من الماء، وكان رجال الشرطة الذين حاصروا الحشد متوترين، وكانوا يصرخون على المارة ليواصلوا التحرك، ما أدى إلى إلهاب مشاعر الحشد الصاخب ولكن المنظمين كانوا وديين تماما.

وقالت كاتبة المقال إنه بمجرد دخولها الحرم الجامعي، توجهت إلى سبب وجود المتظاهرين والشرطة والأمن المشدد عند بوابات الجامعة، حيث مخيم للطلاب على قطعة من العشب في قلب الحرم الجامعي، مضى على ذلك حوالي أسبوعين حتى هذه المرحلة، بعد عدم تلبية سلسلة من المطالب قدمت لمديري الجامعات، بما في ذلك سحب الاستثمارات من "الشركات والمؤسسات التي تستفيد من الفصل العنصري الإسرائيلي".

وأشارت إلى أن وسائل الإعلام احتشدت وتحدث مراسلون من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بلهفة أمام الكاميرات، وقام آخرون بالبث المباشر على هواتفهم، وبالقرب من المخيم، تجمعت مجموعة من المراسلين حول طالب يهودي يقف على منصة مرتفعة، ويلوح بعلم إسرائيلي كبير وهو يكرر للمحاورين أن اليهود في الحرم الجامعي لن يتعرضوا للترهيب وأنهم "لن يذهبوا إلى أي مكان"، وفي العشب المجاور للمخيم، كانت هناك حديقة بها أعلام إسرائيلية صغيرة مزروعة في صفوف مرتبة.

اظهار أخبار متعلقة


وأضافت أن المخيم نفسه كان صغيرا وهادئا إلى حد مثير للقلق، وشبه احتفالي، ومجموعة من الخيام يتجول فيها عدد قليل من الطلاب، ويطلقون أحيانا الأغاني أو الهتافات، بينما ينضم إليهم الطلاب خارج السياج القصير المحيط بالعشب، ومن أحد جوانب المخيم، حث أحد الطلاب الآخرين على شرب الماء كي لا يصابوا بالجفاف، كان ذلك الطالب يقف في ما يشبه المركز الإداري للاحتجاج، حيث يضم خيمة إمدادات وما قيل لي إنه مكتب الاتصال الإعلامي، بقلم أسود كُتب على قطعة من الورق المقوى الممزقة كلمة "إلكتروليتات".

وقالت مالك إن ما لفت انتباهها كان حقيقة واضحة ولكنها مذهلة، بالنظر إلى مدى تنظيم قوانين المخيمات وما مر به الطلاب فعلا من تجارب الاعتقال والإيقاف والاهتمام العالمي، وعندما عبرت عن إعجابها بمجموعة القوانين التي تنظم المخيم وبيئته لأحد الطلاب رد عليها: "أنا في التاسعة عشرة من عمري. لقد تم تنظيم كل ذلك من قبل أشخاص يبلغون من العمر 19 عاما".

وذكرت أن نوعا من الترقب غير المؤكد ساد الجو، وكانت رئيسة الجامعة قد أعطت الطلاب مهلة حتى الساعة الثانية بعد الظهر لفض الاعتصام، ما دفع العديد من الطلاب للتجول في دوائر شملت الحرم الجامعي بأكمله تقريبا، وهم يهتفون تضامنا مع المعتصمين. ورفض جميع الطلاب الذين اقتربت الصحفية منهم تقريبا التحدث. وبأدب وبقليل من التوتر، قالوا إنهم لم يتلقوا تدريبا إعلاميا، أو أنهم يفضلون عدم التحدث. ولكن تم توجيهها إلى شاب يدعى إيدان، الذي انحنى فوق سياج المعسكر وبدأ في الدردشة. كان أحد الطلاب الذين يقودون ترديد الهتافات في الداخل. كان صوته أجشا عندما بدأ يتحدث عن أسباب تحديهم.

اظهار أخبار متعلقة


وأشارت كاتبه المقال إلى أن المخيم أصبح بالفعل له تاريخه الخاص وأبطاله، لقد كان المكان قد ازداد عزيمة بعد أن استدعى مديرو الجامعة قسم شرطة نيويورك في 18 نيسان/ أبريل، ما أدى إلى اعتقال أكثر من 100 طالب بتهمة التعدي على ممتلكات الغير، ثم أعاد المخيم تنظيم صفوفه، ولكن مع شعور متجدد بعدم الثقة والغضب، قال لي إيدان: "لقد توقفت المفاوضات" بسبب "سوء نوايا" مديري الجامعة، وقد أشارت رئيسة جامعة كولومبيا، مينوش شفيق، مرارا وتكرارا إلى المخاوف بشأن معاداة السامية وسلامة الطلاب اليهود في الحرم الجامعي كسبب لتفكيك المخيم، وتم عرضها هي ورؤساء جامعات آخرين أمام المشرعين الفيدراليين للإجابة عن أسئلة حول معاداة السامية خلال احتجاجات الحرم الجامعي.

وتقول مالك إنها عندما سألته عن هتاف لفت انتباهها، حيث قال بعض طلاب المخيم: "لا نريد دولتين، بل نريد كل شيء"، فكانت هذه هي المرة الأولى التي يتعثر فيها إيدان، وقال: "نحن نريد فقط فلسطين حرة"، ولدى سؤاله كيف يبدو ذلك؟ أجاب بأنه ليس من حقهم أن "يعملوا على حل ذلك".

وأشارت الكاتبة إلى أن تلك لم تكن هي القصة الكاملة للمخيم، الذي انضمت إليه الجماعات اليهودية والذي استضاف عشاء عيد الفصح بين المتظاهرين المؤيدين لفلسطين ودعما لهم، لكنها تستطيع أن ترى لماذا يشعر بعض الطلاب اليهود والإسرائيليين بعدم الارتياح.

وترى الكاتبة أنه سواء كان ذلك يرفع المستوى بما يكفي لحظر مواقع الاحتجاج أو تفكيكها بالقوة، فإن هذا يذهب إلى قلب المخاوف الأكبر: المخاوف ذات التاريخ الأطول حول من يحق له تحديد حدود حرية التعبير في الجامعات الأمريكية، وكيف يمكن إعادة رسم هذه الحدود على أسس حزبية لتبرير القمع.

اظهار أخبار متعلقة


وأشارت إلى وجود تقارير عن اعتداءات في الحرم الجامعي، وأن من الضروري معالجتها، مع إعطاء جلسة استماع كاملة لأولئك الذين تعرضوا للاعتداء، وأن من المهم أيضا، ويتطلب التزاما متساويا بالحقيقة، أن هذه العملية لا تبطل أو تحدد حركة بأكملها، حركة انتشرت في أكثر من 100 حرم جامعي في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، والتي لا يمكن اختزالها في أسوأ المظاهر أو الشعارات السيئة.

وقالت إنه في الليلة التالية، دخلت شرطة نيويورك الحرم الجامعي، وكان بعض الطلاب قد استولوا على أحد المباني في تصعيد بعد فشل المفاوضات مع المسؤولين. وكانت المشاهد خارج الحرم الجامعي تبدو وكأنها في منطقة حرب، واصطف المئات من رجال الشرطة الذين يرتدون معدات مكافحة الشغب، ثم نصبوا سلما ودخلوا، وقد تم سحب الأسلحة، وفقا لما ذكره من كانوا بالداخل، واعتقلوا الطلاب بعنف وألقوا بهم إلى أسفل الدرج. وفي غضون ساعات، تم القبض على أكثر من 100 شخص وتم إخلاء الحرم الجامعي.

ونوهت الكاتبة إلى أن الانطباع الساحق هو أن ردود الفعل كانت مفرطة وغير متناسبة. وكان التناقض بين لغة مديري الجامعة وأجزاء من الصحافة والواقع شاسعا للغاية، لدرجة أنها حتى بعد قضاء ساعات في الحرم الجامعي في اليوم الذي بلغت فيه التوترات ذروتها، لم تتمكن من التوفيق بين الاثنين. وأشارت إلى أنه في ذلك الصباح بالذات، أرسلت مينوش بريدا إلكترونيا تشير فيه إلى "المضايقات والتمييز" والحاجة الملحة للحفاظ على الجميع "آمنين جسديا في الحرم الجامعي" كأسباب للمطالبة بإنهاء الاحتجاج. وفي صباح اليوم التالي لمداهمة الشرطة، أشار برنامج على شبكة "سي إن إن" إلى "العنف والدمار والكراهية" في حرم الجامعات الأمريكية، "مما يعيدنا إلى أوروبا في الثلاثينيات".

وفي جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات التي زارتها الكاتبة في نيويورك وواشنطن، حيث نُظمت احتجاجات أصغر، تقول إن ما رأته وسمعته كان عبارة عن شباب مثقلين بعبء أخلاقي مستحيل؛ الشعور بأنهم، كطلاب في جامعات أقوى حليف لإسرائيل، يقع على عاتقهم المسؤولية عن فرض إعادة تقييم لموقف الأمة بشأن غزة. ومع ذلك فقد حملوا الخوف من كل ما يمكن أن يصيبهم نتيجة الانحياز ضد المصالح التجارية والإعلامية والسياسية القوية.

وقالت إنه عندما أوضحت المخاطر التي قد يواجهها: تعليق دراسته، وفقدان السكن والرعاية الطبية، والإضرار بالسمعة، والإضرار بآفاق التوظيف.. رد عليها إيدان بأن "الطلاب في غزة ليس لديهم مدارس للاحتجاج فيها.. ليس لديهم رعاية طبية يمكن أخذها منهم. هذا لا شيء مقارنة بما يعيشونه".

وأضافت أن هذا الشعور كان شعورا مألوفا لدى الطلاب الذين التقت بهم وهو ما أعادها إلى غزة كنوع من البوصلة للحفاظ على الاتجاه وتذكر المخاطر. وقد جاء ذلك مع الإدراك المفجع والمرعب بأنه لا يستطيع سوى الشباب القيام بهذا، حيث لم يكسرهم بعد الاضطرار للتنازل ولا يفكرون بتقليص الخسائر عند وصولها. فلديهم بوصلة أيضا.
التعليقات (0)