قضايا وآراء

بدعة "منع نقد الحاكم"

أحمد الشيبة النعيمي
1300x600
1300x600
يكتسب النقد أهميته من طبيعة الكائن البشري المجبول على النقص والتعرض للخطأ، فقد انفرد الخالق عز وجل بالكمال، ولهذا كان من تمام توحيد الله إفراده بالتنزيه والاعتقاد بكماله وحده، وأنه لا معقب لحكمه ولا يٌسأل عما يفعل وهم يسألون، وأن جميع البشر عرضة للخطأ، يستحقون النقد  والتعقيب على أحكامهم والمساءلة على أفعالهم، ومن اعتقد أن هناك من البشر من هو معصوم أو فوق مستوى النقد ولا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل، فقد أشرك بالله وأحبط عمله.

ولأن المخلوق البشري مفطور على القصور والحاجة إلى النقد والتصويب والتعلم والاستفادة من الأخطاء، فإن إغلاق باب النقد والتصويب والتسديد، يفضي إلى الجمود والتخلف والدوران في حلقة مفرغة من الأخطاء، التي تتكرر ولا تجد من يصوبها وينقدها ويوضح عوارها ويحدد العلاج والبديل، حتى يستفيد الإنسان من أخطائه ويتطور، وتستفيد المؤسسات من فشلها وإخفاقاتها، وتهتدي للتخطيط السليم لتجاوز الأخطاء وإصلاح الانحرافات والاعوجاج. والذين يسعون إلى إغلاق أبواب النقد؛ هم الذين يكرهون الإصلاح والتغيير والتطوير ويبغونها عوجا. 

ولهذا كان من سمات الحكومات الفاشلة والتي في طريقها إلى الفشل، إغلاق أبواب النقد وتضييق الخناق أمام أي دعوة إلى الإصلاح والتطوير والتغيير، وتحويل جميع حملة الأقلام وأصحاب الرأي إلى جوقة من المطبلين والمنافقين، الذين يسبِّحون بحمد الحكومات ويبررون جميع الأخطاء، ويدافعون عن جميع الانحرافات حتى يقع الفأس على الرأس، وينهار العمران ويتآكل من الداخل، بعد أن تتكالب عليه الأمراض.

ربما لا تشعر بعض الحكومات بهذه الأمراض بسبب طفرة اقتصادية أو وفرة مالية، ولكن تقلبات الدهر غير المأمونة قد تجلب معها أحياناً أزمات مالية عابرة للقارات، وحينها تترنح الأنظمة الفاسدة من الداخل وتضعف المقاومة وتتكالب جميع الأمراض على الجسم، حتى تهلكه من الداخل أو تنفجر خلافات داخلية قوية تكشف البنية الهشة للحكومة الفاسدة وتدمر كل شئ.

 ونظرا لأهمية النقد في التطوير والتصويب، فقد جعله الإسلام ضمن الفرائض الشرعية التي تجسد خيرية الأمة وتميزها الحضاري على بقية الأمم، فاعتبر ممارسة النقد من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من علامات خيرية الأمم وقوتها ورشدها. 

،وتميز الجيل الأول من المسلمين بالتطبيق الصارم لهذه القيم، والترحيب بالنقد والتصويب للأخطاء وكان الخلفاء الراشدون يطلبون النقد والتقويم للأخطاء بأنفسهم، وقد روي عن عمر رضي الله عنه باسناد جيد أنه قال " إذا أحسنت فأعينوني وإذا أخطأت فقوموني" فأجابه أحد الحاضرين: "لو رأينا فيك اعوجاجا، لقومناه بسيوفنا!" فأثنى عليه عمر خيرا ولم ينكر  أحد من المهاجرين والأنصار على الرجل..

كان هذا حال الجيل الأول من المسلمين، جيل عصر التنزيل، قبل أن تظهر بدعة رفض النقد لولي الأمر في عصور التبديل، عندما ظهر بعض حكام الجور كالحجاج بن أبي يوسف وغيره.

لقد كان القبول بالنقد قبل ظهور بدعة منعه، علامة على خيرية الأمة في الخلافة الراشدة، وأكد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن علامة خيرية الأمة وجود كلمة النقد، وأن الأمة تفقد خيريتها إذا غابت كلمة النقد، وأنه لا خير في الشعب الذي لا يمارس النقد، ولا في الحاكم الذي لا يستمع إليه"لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم".

ويكفي لكي ندرك مخاطر بدعة منع النقد لولي الأمر، أن ندرك ما يترتب على هذه البدعة من تعطيل لشرائع الله ومصالح الناس. فمنع النقد تعطيل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعطيل للشورى، لأن أمر المسلمين بنص القرآن شورى بينهم، يخضع لدراسة وجهات النظر ونقدها واختيار الصحيح. وفي تعطيل النقد تعطيل لفريضة العدل، فإذا مارس الحاكم الظلم، ولم يجد من ينقده على ظلمه إستمرأ الظلم وكرره دون رادع من الأمة، وبغياب النقد تظهر الكثير من المفاسد وتنمو وتزدهر دون رقيب من الأمة...

وخلاصة الأمر أن إعادة الاعتبار للنقد يترتب عليه الكثير من المصالح الدينية والدنيوية، وأن الشعوب التي تطورت وتقدمت ما كان لها أن تتقدم، لولا أنها فتحت مناخات لإستبقال النقد والاستفادة منه في الإصلاح والتطوير، وما أحوجنا إلى تفعيل ثقافة النقد في مجتمعاتنا لنعود إلى استئناف مرحلة الخيرية والتميز الحضاري، ونلحق بركب الدول المتقدمة...
التعليقات (0)