مقالات مختارة

سيتحدى كوربين سياسة خارجية مفلسة .. ولذلك ينبغي مساندته

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600
كتب بيتر أوبورن: ينحدر النائب العمالي الذي يتصدر قائمة المتنافسين على زعامة الحزب من تقليد بريطاني عريق في الثورة والتمرد، من تيارات اليسار واليمين، ومن ويليام كوبيت إلى توماس بين.

ما إن بقي بالكاد أسبوعان على موعد انتخاب زعيم جديد لحزب العمال، حتى أطلقت المؤسسة البريطانية مشروعا لقطع الطريق على جيريمي كوربين مهما كانت التكلفة.

تقضي الخطة (أ) بإيقاف جيريمي كوربين قبل أن يصل إلى موقع الريادة، وقد استنفر لهذه المهمة طوني بلير وبيتر ماندلسون ودافيد بلانكيت وأليستر كامبل ومعظم قيادات حزب العمال الموالية لطوني بلير.

إلا أن مهمتهم فيما يبدو لم توفق. وهنا يأتي دور الخطة (ب) والمعدة للتنفيذ فيما لو فاز كوربين برئاسة الحزب، والنية هي عمل كل ما هو ممكن للحيلولة دون أن يتمكن النائب العمالي عن دائرة إزلينغتون من قيادة حزب العمال وتسيير أموره.

يشارك في هذه المؤامرة التي تستهدف النيل من جيريمي وإخراجه من السباق وسائل الإعلام الرئيسية ومعظم أعضاء البرلمان عن حزب العمال ومعظم المتبرعين له.

مع أنني لا أشترك مع جريمي في كثير من آرائه، إلا أنني أكتب هذه المقالة انتصارا لقضيته ودفاعا عنه، وستكون حجتي مألوفة لدى أولئك الذين يتابعون الأحداث السياسية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.

تصر القوى الغربية دائما على أنها تدعم الديمقراطية، إلا أن الحقيقة تختلف عن ذلك تماما، فالغرب يرغب في الديمقراطية فقط حينما تنتج الديمقراطية النتائج التي تناسبه، أما عندما ينجم عنها ما لا يسره، فإن الديمقراطية تصبح بالفعل مكروهة جدا لديه.

في إيران عام 1953 وفي الجزائر في عام 1992 وفي مصر في عام 2011 وصل قادة مسلمون إلى السلطة بتفويض شعبي كاسح عبر الانتخابات.

إلا أن الزعيم الوطني الإيراني رئيس الوزراء محمد مصدق في عام 1953 تماما كالرئيس محمد مرسي في مصر في عام 2011 أخفقا في أن يكونا ملائمين للأجندات الغربية، فلم يطل بهما المقام حتى جرفا من السلطة بواسطة انقلابات عسكرية.

(والشيء نفسه يحدث في أوروبا. ففي عام 1992 صوت الناخبون الفنلنديون ضد معاهدة ماستريخت وضد الاتحاد النقدي الأوروبي، فأجبروا على أن يصوتوا مرة ثانية. وحصل الشيء نفسه مع الإيرلنديين حينما صوتوا لصالح إسقاط اتفاقية لشبونة في عام 2008 وأجبروا على التصويت ثانية لضمان النتيجة الصحيحة.)

يتصور بعض الاستراتيجيين داخل حزب العمال أنه يتوجب على جيريمي كوربن أن يلقى به من النافذة إذا أصبح زعيما لحزب العمال خلال أقل من خمسة عشر يوما من فوزه في التنافس على الزعامة – وذلك حتى يتسنى لأنصار حزب العمال أن يصوتوا من جديد. أنا شخصيا لست من ناخبي حزب العمال، ناهيك عن أن أكون عضوا في الحزب يملك حق الاقتراع في الانتخابات القادمة لاختيار زعيم الحزب. ولكنني على يقين من أن ما يحاك ضد جيريمي كوربين، سيكون كارثة على الحياة العامة في بريطانيا.

يكاد السيد كوربين يكون أكثر الشخصيات إثارة للاهتمام من بين كل من برزوا على مستوى قيادة الأحزاب السياسية البريطانية منذ سنوات طويلة.

ومرجع ذلك أنه يقف مدافعا عن مجموعة متميزة من الأفكار والمعتقدات التي تؤسس لأجندة جديدة في الحياة السياسية البريطانية، ولو كتب له النجاح في اقتراع الثاني عشر من سبتمبر، فإنه سيكون أول رئيس حزب بريطاني يأتي تماما من خارج المؤسسة السياسية البريطانية السائدة منذ مارغريت ثاتشر في عام 1975، التي تحدت المنظومة الاقتصادية والسياسية في بريطانيا وأثارت حنق المصالح النافذة داخل حزبها وداخل البلاد بشكل عام، من خلال إصرارها على المضي قدما في ذلك التحدي.

لو أصبح جيريمي كوربين زعيما لحزب العمال، فإنه سيقف كالطود الأشم في وجه المنظومة التي تحتكر صياغة السياسة الخارجية لبريطانيا.

فعلى مر عقدين من الزمن اشترك الحزبان الرئيسيان فيما بينهما بالحقائق نفسها، المتعلقة بالسياسة الخارجية البريطانية، وتصرفا بشكل تلقائي كما لو كانت بريطانيا محكوم عليها أن تكون تابعة ذليلة للولايات المتحدة الأمريكية وخانعة لها، وهذا يعني أننا فسرنا الشراكة مع الأنظمة الدكتاتورية في الخليج – مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة – على أنها شيء مركزي بالنسبة لسياسة بريطانيا في الشرق الأوسط، بينما ننحاز إلى جانب الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

أيا كان الحزب الحاكم، من الناحية الفنية، بقيت السياسة الخارجية البريطانية بلا تغيير أو تبديل. وفعلا، لا يمكنك أن تميز بين دافيد كاميرون وطوني بلير حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. (ولا أدل على ذلك من أن رئيس الوزراء السابق طوني بلير، أصبح بكل بساطة أهم مستشاري رئيس الوزراء الحالي دافيد كاميرون على الإطلاق في قضايا السياسة الخارجية.)

لو أصبح جيريمي كوربين رئيسا لحزب العمال فإنه سيحطم هذا الإجماع.

ومن أجل فهم خلفية ذلك، قد يساعد المرء أن يقرأ الكتاب الذي ألفه أعظم مؤرخ بريطاني في القرن العشرين إيه جي بيه تيلور بعنوان "ذي ترابل ميكرز" (المشاغبون)، الذي صدر له في عام 1957، يحكي فيه قصة تقليد الممانعة أو المخالفة في السياسة البريطانية.كتب تيلور يقول: “يمكن للإنسان أن يختلف مع نهج معين في السياسة الخارجية البريطانية، بينما يظل متفقا مع عموم فرضياتها. أما الممانع فإنه يتبرأ من أهدافها ومن وسائلها ومن مبادئها وينقضها جميعا.”

وكوربين في عصرنا هو أبرز من يمثل هذا التقليد البريطاني للمانعة والمخالفة كما وصفه إيه جي بيه تيلور وعبر عنه، وهذا يعني أنه خير خلف لأسلاف سبقوه على هذا الدرب من أمثال توماس بين، مؤلف كتاب "ذي رايتس أوف مان" (حقوق الإنسان)، الذي كان مؤيدا للثوار الأمريكان ضد ذوي المعاطف الحمراء (الجنود) البريطانيين في زمن الاستقلال الأمريكي.

ومن هؤلاء أيضا وليام كوبيت، الذي اضطر إلى الفرار من بريطانيا واللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية يوم كانت ماتزال على العهد منسجمة مع مبادئ مؤسسيها داعمة بحق لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية. ومنهم أيضا جون برايت، السياسي الليبرالي الذي وقف أكثر من أي شخص آخر في وجه التدخل البريطاني في الحرب الأهلية الأمريكية لصالح الولايات الجنوبية الأحد عشر التي انشقت عن الاتحاد، (سعيا منها للإبقاء على الرق وضمان تميز البيض على غيرهم في الحقوق والمسؤوليات).

لم يكن الممانعون الذين كتب عنهم إيه جي بيه تيلور دائما على حق، فقد عارض معظمهم الحرب التي دارت رحاها مع هتلر، إلا أنهم أيضا عارضوا الحرب البويرية (في جنوب إفريقيا)، والحرب العالمية الأولى (حيث استقال رامزي مكدونالد من رئاسة مؤتمر حزب العمال واستقال اللورد مورلي من الوزارة احتجاجا على الحرب مع ألمانيا في عام 1914)، وعارضوا كذلك الاستيلاء على قناة السويس في عام 1956. لقد كانوا بشكل عام يؤثرون أن تنأى إنجلترا بنفسها عن كل الحروب وعارضوا التدخل الخارجي بأشكاله كافة.

في العادة يكون هؤلاء غير محبوبين ويعيشون معزولين، إلا أن تيلور يلاحظ الآتي: “إذا ما أردت أن تعرف ما الذي ستكون عليه السياسة الخارجية لهذا البلد بعد عشرين أو ثلاثين عاما، فما عليك إلا أن تتعرف على ما تقوله الأقلية الممانعة الآن.”

دعونا الآن ندقق في سجل جيريمي كوربين نفسه، لقد عارض هذا الرجل الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، وطالب بفتح حوار مع الجيش الجمهوري الإيرلندي (الآي آر إيه) قبل سنوات طويلة من تحول ذلك إلى سياسة رسمية، وتعرض للسخرية والانتقاص بسبب تحدثه إلى كل من حماس وحزب الله، أوليس من المفارقات العجيبة والبليغة في التاريخ الحديث أن يكون طوني بلير الآن (كما كشف النقاب عن ذلك مؤخرا موقع ميدل إيست آي) منهمكا في محادثات مع خالد مشعل رئيس حركة حماس، وبدعم كامل من رئيس الوزراء دافيد كاميرون؟

سوف يجمع معظم الناس على أنه فيما يتعلق بأعوص وأعسر قضايا السياسة الخارجية في زمننا هذا، كان جيريمي كوربين على صواب وكانت المؤسسة البريطانية على خطأ. ولا شك في أن كل ما يفعله أو يفكر به جيريمي كوربين اليوم قابل لأن تثبت صحته فيما بعد، وخلال سنوات معدودة. يصعب على المؤسسة البريطانية ويعز عليها أن تعترف بأن ما يطرحه جيريمي كوربين بشأن السياسة الخارجية لهو أكثر توازنا وأبعد نظرا، بشكل عام، مما يطرحه معارضوه ومنافسوه.

(عن صحيفة ميدل إيست آي، ترجم خصيصا لـ"عربي21"، 28 آب/ أغسطس 2015)
التعليقات (0)