مقالات مختارة

في التصويت الخاص بسوريا فائز واحد ولم يكن ذلك لا دافيد كاميرون ولا هيلاري بين

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600
يفترض أن يكون التصويت الذي جرى في البرلمان الأسبوع الماضي حول الضربات الجوية في سوريا قد تمخض عن فائزين سياسيين كبيرين.

أولهما هو دافيد كاميرون. ومن باب الإنصاف بحق رئيس الوزراء، لقد حقق انتصارا برلمانيا أكبر من المتوقع في التصويت الذي أقر خطته لمهاجمة تنظيم الدولة في سوريا بالإضافة إلى العراق.

وأما الفائز الثاني، كما يقول بعض الناس، فمن المفروض أن يكون وزير الخارجية في حكومة الظل العمالية هيلاري بين، وهو ابن اليساري طوني بين الذي طالما كان أستاذا وموجها لجيريمي كوربين. يتحدث الكثيرون بإعجاب وإطراء عن الخطاب الذي ألقاه هلاري بين في البرلمان لتبرير وقوفه مع قرار الذهاب إلى الحرب.

وهكذا، وبعد أن أمضى سنوات في الظل لا يأبه به الكثيرون، بات هيلاري بين موضع حديث المعلقين الذين انبهروا بأدائه وذهبوا يرشحونه لخلافة كوربين في رئاسة حزب العمال.

إلا أنني أعتقد بأن سياسيا واحدا يستحق الخروج من تصويت الأسبوع الماضي وقد تعززت مكانته وتحسنت سمعته، وذلك الشخص هو جيريمي كوربين.

سواء أحببت كوربين أم كرهته (وأنا شخصيا أختلف جذريا معه في كثير من سياساته) لا يمكن إنكار أنه خرج من الجدل حول سوريا وقد أثبت أنه رجل يتمتع بالشجاعة الأخلاقية وبالنزاهة وبالالتزام بالمبادئ.

وبالفعل، كم هو مثير للاهتمام أنه بعد شهور من محاولات النيل من كوربين وتشويه سمعته، أجبر أتباع تيار بلير – ومعهم أولئك الذين يسكنون داخل فقاعة ويستمنستر ويعيشون على الإثارة – على أن يظهروا بمظهر الحمقى بعد أن تنبؤوا بحتمية خسارة حزب العمال للانتخابات التكميلية في أولدهام.

في عالم الواقع، يبدو أن الناخبين لديهم من الوقت الذي يمنحونه لزعيم حزب العمال أكثر مما لدى طبقة المحللين والمعلقين في وسائل الإعلام.

رغم ما واجهه من عداوة شديدة داخل معسكره هو يوم الأربعاء، إلا أن السيد كوربين ظل صامدا على موقفه، لم يتزحزح قيد أنملة، بل انبرى بكل حكمة ووقار يعرض ما لديه من مبررات تجعله يشك في جدوى المشاركة في الهجمات الجوية على سوريا.

لو أردنا أن نعبر عن إنجازه بطريقة أخرى، بإمكاننا القول إن السيد كوربين أدى الدور الذي يتوقع أن يقوم به أي زعيم للمعارضة، وذلك بموجب المدونات الدستورية البريطانية التي تنص على أن دوره يتمثل في مساءلة الحكومة ومحاسبتها.

ولكن للأسف، أضحت هذه المقاربة بعيدة جدا عما هو مألوف في السياسة المعاصرة، وخاصة حيث نكون في أمس الحاجة إليها – عندما تكون بلادنا قاب قوسين أو أدنى من خوض غمار الحرب. لم تحقق بلادنا أي مكاسب من أي من المغامرات التي قامت بها حكوماتنا في العراق وفي أفغانستان وفي ليبيا خلال السنوات الأخيرة يمكن أن تستحقها التضحيات التي قدمها جنودنا وعائلاتهم في هذه الصراعات.

بعد التصويت يوم الأربعاء لصالح قصف سوريا، لم يطل المقام بوزير الخارجية فيليب هاموند، بل سارع إلى الظهور في التلفزيون ليعلن للجمهور أن "بريطانيا باتت الليلة أكثر أمانا".

كان تصريحه سخيفا وبلا معنى. فقصف سوريا لن يكون له تأثير مباشر على قدرة تنظيم الدولة على شن هجمات إرهابية ضد بريطانيا أو ضد المواطنين البريطانيين المتواجدين في الخارج. بل على العكس من ذلك، من شأن قصف سوريا أن يزيد من احتمال تعرضنا لمثل هذه الهجمات.

ما كان هاموند ليتمكن من تمرير سخافاته على المواطنين لولا جون داي، موظف الدولة الذي لا يكاد يعرفه أحد والذي سيتقاعد قريبا من منصبه رئيسا للجنة الاستخبارات المشتركة.

ما عمله السيد داي هو أنه خول دافيد كاميرون بأن يخبر نواب البرلمان بأن المملكة المتحدة "باتت في مقدمة الدول التي يستهدفها تنظيم الدولة"، الأمر الذي سمح لرئيس الوزراء بالإيحاء إلى نواب البرلمان بأن مستوى التهديد الإرهابي المحيق بالبلاد وصل إلى أقصى مدى.

ولكن حتى لو كانت تلك العبارة صادقة فإنها لا تدعم من قريب أو بعيد ادعاء السيد هاموند بأن قصف سوريا سيجعلنا أكثر أمانا. كل ما هنالك أنها ببساطة يمكن أن تعني أن مستوى الخطر المحدق بنا لن يزداد عما هو عليه بسبب توجهنا لقصف سوريا. والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن تصريح السيد كاميرون بأن الهجوم على عدونا في سوريا لن يزيد من الخطر المحدق بهذه السواحل كان غاية في التضليل والخداع، وهذا أمر يظهر بجلاء من خلال التأمل في البيان الصادر عن تنظيم الدولة مدعيا فيه المسؤولية عن الفظاعات التي ارتكبت في باريس، حيث جاء في البيان أن الفرنسيين سيظلون هدفا للإرهاب طالما استمروا في "قصف المسلمين في أرض الخلافة بطائراتهم". بالمختصر المفيد، ثمة علاقة مباشرة بين التهديد الإرهابي والهجمات التي تشن على تنظيم الدولة.

غني عن القول إن أي حكومة تسعى لتحقيق أهداف نبيلة ومبدئية يجدر بها ألا تتراجع عن فعل ذلك بسبب ما قد يوجه إليها من تهديدات إرهابية بالانتقام.

ولكن، كان من الأفضل لو أن دافيد كاميرون ووزراؤه توجهوا بكل صدق وأمانة وصراحة إلى الشعب البريطاني شارحين للناس المخاطر التي يواجهونها بسبب السياسة التي اختارت حكومتهم تبنيها.

كان ينبغي عليهم أن يظهروا بعض الثقة بالشعب البريطاني وبأنه سيلبي معايير الجلد والتحمل كما كان يفعل باستمرار في الماضي.

لكن العكس تماما هو الذي حصل – كل المغامرات الثلاث السابقة تحولت إلى كوارث، وبالفعل، لم يظهر تنظيم الدولة إلى الوجود إلا نتيجة لغزو العراق، كما اضطر طوني بلير نفسه، أخيرا، إلى الإقرار بذلك رغما عنه.

المهم في الموضوع أن كل هذه الكوارث الثلاث كانت قد حظيت بدعم قوي من زعماء المعارضة في البرلمان البريطاني. ففي عام 2003 لم يفلح إيان دانكن سميث في توجيه الأسئلة الصحيحة قبيل غزو العراق. كما فشل دافيد كاميرون، بوصفه زعيم المحافظين، في القيام بالمهمة نفسها عندما أرسل طوني بلير القوات إلى جنوب أفغانستان في عام 2006. ولم يكن إد ميليباند أفضل حالا منهما حينما حصل التدخل في ليبيا.

وأخيرا، أصبح لدينا زعيم معارضة يقوم بمهمة معارضة الحكومة على أحسن وجه وتوجيه الأسئلة الصحيحة. طوال النقاش احتفظ كوربين بهدوئه ووقاره، وظل حاسما ودقيقا، واستحق أداؤه الثناء بشكل خاص نظرا لما تعرض له من حملات مغرضة من داخل مجموعة النواب العماليين التابعين له استهدفت شيطنته وتشويه سمعته.

ومن أكثرهم خيانة وغدرا له هيلاري بين، والذي لم يكن خطابه الذي ألقاه مساء الأربعاء بتلك الجودة التي أضفتها عليه وسائل الإعلام، حيث أظهر السيد بين عدم فهم لتعقيدات الحرب الأهلية في سوريا.

لم يقدم أفكارا من إبداعاته من شأنها أن تسهم في تحقيق نتيجة جيدة. بل هو في السياسة شخص متواضع، أصبح مجرد ذريعة مواتية يستغلها فصيل بلير داخل حزب العمال، وهو الفصيل الذي عقد العزم على تدمير جيريمي كوربين منذ اليوم الأول لانتخابه.

هناك ما يثبت أن الشعب البريطاني ليس بغافل عن ممارسات السياسيين الذين يحاولون استغلال الحرب لتحقيق منافع شخصية، وتشير استطلاعات الرأي إلى تنامي المعارضة في أوساط الشعب البريطاني ضد قرار دافيد كاميرون المشاركة في الهجمات الجوية على سوريا.

وبالفعل، تسود حالة من الارتباك الحجة التي تقدم بها رئيس الوزراء للذهاب إلى الحرب، وبشكل خاص زعمه بأن 70 ألف مقاتل سوري "معتدل" هم الآن على أهبة الاستعداد لقتال تنظيم الدولة، وهو الزعم الذي تهاوى.

بل والأدهى من ذلك أن السيد كاميرون وجه بنفسه إهانة لملايين البريطانيين (بما في ذلك الكثير من قراء الديلي ميل) الذين تساورهم الشكوك بشأن عمليات القصف، وذلك حينما صدر عنه ما يفهم منه اتهامهم بدعم الإرهاب.

أنا أول من يوافق على أن جيريمي كوربين ارتكب أخطاء جسيمة خلال الشهور الثلاثة الأولى من زعامته لحزب العمال. فسياساته الاقتصادية بكل صراحة لا مصداقية لها، كما أنه أحاط نفسه بعدد كبير من الشخصيات غير المستساغة من منتسبي التيار اليساري الذي أوشك خلال الثمانينيات على تحطيم حزبه.

بالإضافة إلى ذلك، كان سلوك بعض نشطاء السيد كوربين يبعث على الازدراء، وخاصة ما صدر عنهم من تهديد وتخويف لأعضاء البرلمان من حزب العمال مثل ستيلا كريسي والتي اختارت لأسباب محترمة جدا دعم قرار التوجه إلى الحرب.

ما من شك إطلاقا في أن شكوكا عميقة تدور حول قيادة كوربين لحزب العمال، ومن الصعب رؤية حزب العمال في وضع يمكنه من خوض المعركة الانتخابية القادمة إذا ما كان زعيم الحزب في عراك دائم وحرب مستمرة مع نواب حزبه في البرلمان.

إلا أن هذه المشاكل قد تقع في المستقبل. وأعتقد أن علينا أن نحيي جيريمي كوربين على أسبوع كان أداؤه فيه بلا منازع من أرقى ما شهدته الزعامة السياسية حتى ذلك التاريخ.

وبعد النتيجة التي تمخضت عنها الانتخابات التكميلية في أولدهام بالأمس، بات في وضع أكثر أمنا، على الأقل على المدى القصير. وبإمكانه أن يزداد طمأنينة بفضل نتائج استطلاع أخير للرأي يظهر تقدما جيدا لمرشحه لمنصب عمدة لندن صادق خان – والذي صوت أيضا ضد الحرب.

ولكن أيا كان مصيره في نهاية المطاف، لقد قدم جيريمي كوربين خدمة جليلة لقضية الديمقراطية في بريطانيا من خلال فرض حوار وطني حقيقي بشأن قرار توسيع نطاق المشاركة البريطانية في الحرب.

من أجل هذا وحده أثبت جيريمي كوربين، كما عبر عن ذلك الناخبون في أولدهام أخيرا، أنه يستحق أن ينسب الفضل إليه.


عن (الديلي ميل)
0
التعليقات (0)