كتاب عربي 21

حزب الله بين تعاظم الدور الإقليمي ومحدودية المحلي: إلى أين؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
بين حزيران/يونيو 1982 (بدء تأسيس حزب الله) إلى شباط/فبراير 2016، تحول حزب الله من مجموعات صغيرة تعمل لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للبنان إلى قوة عسكرية منظمة وحزب سياسي يمتلك قوة شعبية كبيرة وناشطة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وأصبح حزب الله قوة إقليمية يقف أمينه العام السيد حسن نصر الله ليعلن مواجهة عدة مشاريع دولية وإقليمية في المنطقة.

لكن رغم تعاظم دور الحزب الإقليمي وانتشار دوره في أكثر من ساحة عربية وإسلامية ودولية، فإن الحزب لا يزال محدود الدور على المستوى اللبناني والداخلي، فهو غير قادر على إقامة نظام سياسي عادل ومعبر عن طموحات اللبنانيين، ولا يستطيع الحزب أن يدير البلاد لوحده لأنه بحاجة إلى شركاء آخرين مسلمين ومسيحيين.

وفي الوقت الذي حقق الحزب إنجازات مهمة في مواجهة العدو الصهيوني وفرض عليه الانسحاب من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة وأقام معه توازن رعب يمنعه من القيام باجتياح جديد للبنان، فإن الحزب غرق في الصراع السوري وفي صراعات عربية وإسلامية أخرى، مما انعكس على دوره وموقعه العربي والإسلامي، وأثار حوله الكثير من الإشكالات والأسئلة، رغم أن قادته يحاولون دائما تبرير هذه التدخلات بأنها لحماية مشروع المقاومة ولمواجهة المشروع الصهيوني – الأميركي في المنطقة، مع أن أمينها العام السيد حسن نصر الله أضاف لمشروع المواجهة مشاريع أخرى كالمشروع السعودي والمشروع الإمبراطوري العثماني.

فإلى أين يتجه حزب الله في المرحلة المقبلة؟ وهل يستطيع الاستمرار بهذا الدور الإقليمي المتعاظم في ظل الصراعات التي تزداد في المنطقة والتي تأخذ طابعا مذهبيا وتنعكس سلبا على مشروع مواجهة الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية ودور قوى المقاومة، مع أن الحزب يبرر دائما بأن ما يقوم به هو من أجل مشروع المقاومة ولمواجهة العدو الصهيوني؟

قد يكون صحيحا أن الحزب نجح في امتلاك قوة عسكرية كبيرة وفرض نوعا من التوازن مع العدو الصهيوني على الصعيد اللبناني، لكن المشكلة الكبرى التي قد لا ينتبه لها قادة الحزب أن الأوضاع في المنطقة كلها تتجه لخدمة المشروع الصهيوني من خلال انتشار الأجواء الطائفية والمذهبية ومن خلال تراجع أولوية القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والإسلامي، وكذلك تفكك الدول العربية المحيطة بهذا الكيان ومواجهتها مخاطر كيانية ووجودية كبرى، وانتشار أجواء معادية لقوى المقاومة في المنطقة والعالم بعكس ما كانت عليه في العديد من المحطات في الصراع العربي – الصهيوني منذ نشوء الكيان الصهيوني وحتى اليوم.

وإذا كان قادة حزب الله يعبرون عن سعادتهم وارتياحهم لما حققوه من إنجازات طيلة العقود الماضية على مستوى امتلاك قوة عسكرية كبيرة والانخراط في الصراعات الإقليمية، فإن ذلك يجب أن لا يؤدي إلى إغفال الإشكالات التي يواجهها الحزب لبنانيا وعربيا وإسلاميا، فالحزب فشل في تقديم نموذج لبناني داخلي في إقامة حكم عادل قادر على تحقيق أمنيات المواطنين اللبنانيين واضطر للتحالف مع قوة وشخصيات تشارك في عملية الفساد الداخلي ولا تريد العمل من أجل إصلاح النظام اللبناني، وقد كانت حجة حزب الله دوما بأن الأولوية لديه لحماية دور المقاومة، ولكن المشكلة اليوم أن دور المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني لم يعد ذا أولوية، بل أصبح الصراع على السلطة اللبنانية هو الأساس.

أما على الصعيدين العربي والإسلامي فإن انخراط حزب الله في الصراعات الإقليمية التي تأخذ أحيانا بعدا مذهبيا، أدى إلى تراجع حضور الحزب في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي وأضعف جاذبيته كقوة مقاومة وحوله إلى أحد قوى الصراع في المنطقة وأوجد العديد من الحواجز بينه وبين الجمهورين العربي والإسلامي.

وعلى ضوء كل هذه الملاحظات، فإن حزب الله يجب ألا يطمئن إلى تعاظم قوته العسكرية والإقليمية، بل المطلوب إعادة النظر بما تحقق منذ انطلاقته في العام 1982 وحتى اليوم، وهناك حاجة كبرى لإجراء مراجعة شاملة لهذه المسيرة من أجل تحديد الأرباح والخسائر ووضع رؤية مستقبلية للمرحلة المقبلة تعيد الاعتبار والأولوية للصراع مع العدو الصهيوني وتقديم تجربة سياسية ناجحة.
التعليقات (0)