مقالات مختارة

إلى متى استهداف المسلمين دون غيرهم في بريطانيا؟!

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600
إذا كنت عازماً على مهاجمة المسلمين بسبب معتقداتهم الدينية، فينبغي عليك أن تكون منصفا وتتناول الأديان الأخرى بالنقد أيضا.
 
قبل ما يقرب من عشرة أعوام شاركت في إنتاج فيلم حول التعصب ضد المسلمين عرضته القناة الرابعة المستقلة في التلفزيون البريطاني. وقد أثبت الفيلم أنه من المسموح به في القرن الحادي والعشرين في بريطانيا أن تتحدث عن المسلمين بطريقة لا يمكن بحال قبولها في حالة أي من الأقليات الأخرى في البلاد.
 
بعض النماذج التي قدمناها كانت صادمة فعلا. فقد كان بإمكان الصحف أن تتصدر صفحاتها بأي عنوان رئيسي يشتمل على فرية أو تضليل ترغب قذف المسلمين به، ولم يكن مثل هذا التعصب مقتصرا على الصحافة الشعبية (التابلويد).
 
ولم يكن العاملون في الإذاعة والتلفزيون أكثر نزاهة أو أقل خطيئة. فقد أجرينا تحريات حول العديد من التقارير التي كانت تدعي على سبيل المثال أن المسلمين منعوا الاحتفال بعيد الميلاد، أو بأنهم يفشون الأمراض، أو أنهم يرفضون علاج مرضى المستشفيات، وغير ذلك من الترهات.
 
وثبت لدينا بالدليل القطعي أن كل واحد من هذه التقارير كان كاذبا. وبينما كنا نعمل على دحضها وكشف أباطيلها بدأنا نشعر أن قواعد مختلفة كانت تطبق على المسلمين مقارنة بغيرهم.
 
لقد أدركنا أن المسلمين باتوا يحتلون موقع كبش الفداء نفسه كأقلية مثل ذلك الذي كان يطبق من قبلهم على الإيرلنديين ومن قبل الإيرلنديين على اليهود. كان المثليون يلقون المعاملة نفسها، ولكن لم يعد ذلك واردا الآن.
 
واقترحنا وجود علاقة مباشرة بين الخطاب المعلن الكاره للمسلمين ومعدلات العنف الممارس ضدهم (مع أن إثبات وجود مثل هذه العلاقة ليس بالأمر اليسير).
 
فتحت جهاز التلفزيون مساء أمس على القناة الرابعة حيث استرعى انتباهي بحكم عملي برنامج من إعداد تريفر فيليبس يقدم من خلاله مسحا للإسلام البريطاني. أعرف عن فيليبس أنه رجل كيس، كان من قبل يشغل منصب رئيس مفوضية المساواة وحقوق الإنسان. (لكن تظل معرفتي به محدودة).
 
أصابني الذهول وأنا أشاهد هذا البرنامج بما اشتمل عليه من عناصر مقلقة تشبه المواقف العنصرية نفسها التي كانت القناة الرابعة قد كشفت عن وجودها قبل عشرة أعوام.
 
كانت جدلية فيليبس أقل عدوانية من بعض العناوين المتعفنة التي كشفنا عنها. إلا أن فيليبس يبدي الميل نفسه نحو تطبيق معايير مختلفة في التعامل مع المسلمين مقارنة بغيرهم.
 
جل ما يقوله فيليبس يمكن تلخيصه في أن المسلمين البريطانيين يختلفون عن بقيتنا في المجتمع البريطاني بسبب أنهم محافظون اجتماعياً. يعتبر فيليبس، الليبرالي ذو الحس الحضري المرهف، هذه المحافظة الاجتماعية خطيئة مريعة.
 
وتراه يزعم بأن كثيرا من المسلمين البريطانيين يشذون عن بقية المجتمع البريطاني حين يتعلق الأمر بقضايا مثل اللواط، ومعاملة المرأة والالتزام الديني. وفي سبيل إثبات ما ذهب إليه استدل مقدم البرنامج التلفزيوني بنتائج استطلاعات رأي تم إجراؤها لهذا الغرض، وأنا هنا لست بصدد دحض أي من إحصاءاته.
 
ولكن لا يجوز بحال أن يستنتج من هذه البيانات أن المسلمين يشذون عن بقية الناس في بريطانيا كما يظن فيليبس. كان بإمكان فيليبس إجراء استطلاعات مشابهة في أوساط نشطاء حزب المحافظين أو في أوساط الروم الكاثوليك أو اليهود الأرثوذكس أو في أوساط أي من الأقليات الدينية الأخرى، ليخلص إلى نتائج لا تختلف كثيرا عما وصل إليه.
 
هل قام فيليبس على سبيل المثال من قبل بزيارة إلى ريف نورفوك؟ أنصحه بكل إخلاص ألا يقوم أبدا بمثل هذه الزيارة، فلن يتمكن بما أوتي من حس ليبرالي رقيق من تحمل ما سيراه وسيسمعه من الناس هناك.
 
ومع ذلك أشك في أن فيليبس أو مدراء القناة الرابعة الذين أجازوا البرنامج الذي قدمه عن المسلمين يجرؤون على تخصيص برنامج يهاجم الروم الكاثوليك (أو سكان الريف البريطاني) بالأسلوب الصارخ نفسه الذي استخدموه مع المسلمين في برنامج مساء أمس.
 
ولو فعلوا، فإنهم سيلجؤون إلى إبراز عدد من النقاط القوية بحجة الحاجة إلى تحقيق التوازن في تقريرهم، مثل أن يؤكدوا على الجانب الروحي العميق، وعلى الترابط المجتمعي، وعلى جمال ورقي الشعائر، وعلى روعة الجهد الإغاثي والتعليمي الذي يبذل من قبل كنيسة الروم الكاثوليك.
 
إلا أن فيليبس لم يبذل أي محاولة جادة لتقبل فكرة وجود قيم عائلية قوية، واستقامة، وحس مجتمعي راق، ومشاعر وطنية لدى القسم الأكبر من مسلمي بريطانيا.
 
لقد تخلل الكيل بمكيالين كافة فقرات البرنامج. فعلى سبيل المثال انتقد فيليبس الفصل الموجود داخل بعض الجاليات المسلمة، وهو محق في ذلك، وسلط الضوء على الطريقة التي تنغلق من خلالها بعض الجاليات المسلمة على نفسها، حيث أن لها مدارسها وثقافاتها الخاصة بها. وهو محق أيضاً هذه المرة، ولا مشكلة فيما قاله. ولكن تكمن المشكلة في أن مثل هذا الفصل ليس حكرا على المسلمين.
 
فالعديد من وزراء الحكومة البريطانية كانوا قد تلقوا تعليمهم في مدارس لا يرتادها سوى الذكور، ولا يتعلم فيها سوى أبناء البيض من الطبقة الوسطى (يسمح للأجانب من أفريقيا ومن الشرق الأوسط بالتعلم في هذه المدارس فقط إذا كانوا من الأثرياء ومن أصحاب الحظوات). وهؤلاء ينتمون في العادة إلى أندية الخواص وهذه تكون محظورة على غير البيض وهي فقط للرجال. في عالم فيليبس تعتبر مثل هذه الانعزالية خطيئة كبرى – ولكن فقط إذا ارتكبها المسلمون.
 
وفيما يتعلق بموضوع الإرهاب والعنف، فقد كانت معالجته مرتبكة ومضللة لدرجة أنه كان من الأولى تجنب الخوض في هذا الموضوع من الأساس. فقد بدر منه ما يفيد الزعم بوجود صلة بين الالتزام الديني والتعاطف مع العنف. وهذه هي الفرضية نفسها التي قامت بناء عليها استراتيجية الحكومة البريطانية المسماه "امنع" (وأعتقد جازما أن فيليبس وهو رجل ذكي نسبيا على علم بذلك). إلا أن مثل هذه النظرة محل خلاف وقد بادر إلى دحضها عدد من العلماء الجادين. على الأقل كان يتوجب عليه أن يشير إلى ذلك بوضوح.
 
أخشى أن زعم فيليبس بأن المسلمين يتعاطفون مع "الإرهابيين السوريين" يصدر عن جهل مزعج. فنظام الأسد يصم جل أطياف المعارضة السورية بأنهم "إرهابيون"، إلا أن الحكومة البريطانية في مراحل مختلفة من الصراع دعمت كثيراً من هؤلاء "الإرهابيين".
 
هل يقصد فيليبس القول بأنه لا غضاضة في أن تدعم الحكومة البريطانية المعارضة السورية ولكن ليس من حق مسلمي بريطانيا أن يفعلوا ذلك؟ وإن لم يكن هذا مراده، فما الذي قصد قوله بالضبط؟ لم يوضح موقفه بشكل جيد.
 
لكن من باب الإنصاف لفيليبس لابد من التأكيد أن كثيرا من الأصوات النافذة تدعمه، وواحد من هذه الأصوات على سبيل المثال زميلي في الديلي ميل الكاتب ريتشارد ليتلجون، الذي كتب عمودا هذا الأسبوع يمتدح فيه فيليبس ويقول فيه لقرائه "إن لدي أصدقاء وجيرانا مسلمين في شمال لندن".
 
هذا أمر مطمئن. إلا أن ليتلجون يضيف بعد ذلك قائلا: "أولئك الذين يرفضون قيمنا البريطانية لهم كامل الحرية في أن يرحلوا عنا. سنذهب جميعاً إلى الجحيم في حجاب".
 
رئيس الوزراء دافيد كاميرون هو أيضا أحد الذين يشاطرون فيليبس في تحليله والذي ينطلق أساسا من اعتبار أن ثمة صداما ما بين أن يكون المرء مسلماً ملتزماً ويكون في الوقت نفسه بريطانياً. وهذا أمر أعارضه بشدة. فأنا مسيحي ملتزم وممارس لشعائر ديني ولا يمكنني على الإطلاق أن أقبل بفرضية وجود تناقض بين العقيدة الدينية القوية والهوية البريطانية.
 
وإذا كنت عازما على مهاجمة المسلمين بسبب تمسكهم بقوة بمعتقداتهم الدينية، فينبغي عليك أن تكون منصفاً وتتناول المسيحية (والأديان الأخرى) بالنقد أيضاً.
 
لقد أخفق فيليبس في تبيان لماذا لا يجد غضاضة في أن يكون لدى الروم الكاثوليك واليهود الأرثوذكس والقرويين في نورفوك رؤى اجتماعية محافظة بينما يدان المسلم دون غيره فيما لو تشكلت لديه مثل هذه الرؤى. أخشى أن مثل هذا التهافت يعني أن محتوى برنامج ليلة الأمس قد تحول إلى نموذج غير مريح للإسلاموفوبيا التي سعيت لفضحها في برنامج عرضته القناة الرابعة قبل عشرة أعوام.
 
كما كان مثالا لظاهرة جديدة مفارقة تتطلب المزيد من التحري – إنها ظاهرة التعصب الليبرالي. لا يمكن اعتبار مدراء القناة الرابعة القابعين في مكاتبهم الفاخرة في وسط مدينة لندن أو الشخصيات العامة من أمثال تريفر فيليبس ممثلين للناس في كل البلاد. لقد آن لهم أن يتذكروا بأن الكثير من البريطانيين، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، باتوا يشعرون بعدم الارتياح وبالريبة تجاه قيمهم الليبرالية الحضرية.

(نقلا عن ميدل ايست أي) 
0
التعليقات (0)