مقالات مختارة

سوريا بين كيماوي الأسد و«توماهوك» الأمريكية

1300x600
1300x600
لم تنفق واشنطن 90 مليون دولار تمثل قيمة صواريخ الـتوماهوك الـ59 في 35 دقيقة من أجل صفع الأسد المشاكس ومنعه من استخدام الكيماوي، بل لتحقيق أهداف أبعد تمتد إلى كوريا الشمالية وروسيا والصين، بشكل يطمئن اليابان وعددا من الدول الحليفة بأنها ما زالت فاعلا؛ فأمريكا تحررت من الحرج المتولد عن تحدي الأسد الكيماوي، والذي كاد يحرجها أثناء زيارة الرئيس الصيني لأمريكا، والمترافق مع استعدادات للقاء ترامب- بوتين.

فالحرج الأمريكي سرعان ما انتقل إلى أروقة الكرملين في موسكو؛ مسألة اتضح تأثيرها بعد دقائق وساعات قليلة من خلال عمليات التقييم الأولية للضربة الصاروخية الأمريكية ومفاعيلها الدولية.

فالرئيس الصيني شي جين بينغ أبلغ بالغارات أثناء تناوله العشاء مع ترامب في منتجع بفلوريدا، في حين أن خسائر النظام العسكرية كانت محدودة جدا بانسحاب النظام والقوات الروسية والطائرات العاملة، بعد تحذير أرسله البنتاغون إلى وزارة الدفاع الروسية قبل عشر ساعات من الهجوم؛ ليخرج مطار الشعيرات جنوب حمص مؤقتا عن الخدمة وسرعان ما استعاد نشاطه وعافيته.

فالقاعدة الجوية تمكنت بعد ساعات من الهجوم الأمريكي بـ 59 صاروخ توماهوك وبكلفة 90 مليون دولار من العودة للخدمة، وشن هجمات جوية على البلدات والقرى السورية التي لم تتوقف عمليا حتى أثناء الغارات الأمريكية وبعدها، ولكن هل ستستعيد العلاقة بين بكين وموسكو وأمريكا عافيتها بذات السرعة بعد الضربات الأمريكية.

حَسَّنت الضربة التكتيكية الأمريكية مكانة واشنطن كقوة دولية، وعززت حضورها في سوريا، وفتحت الباب لغارات مماثلة للضغط على الأسد وحلفائه؛ فالهجمات الأمريكية كانت ذات مفاعيل دولية اكبر وأهم من المفاعيل الميدانية المحلية في سوريا، وتداعياتها على الساحة الدولية بل الساحة الأمريكية اهم بكثير من الساحة السورية أو الموقف الميداني والسياسي في سوريا؛ إذ إنها لا تمثل نقطة تحول كبيرة في الصراع الدائر في سوريا إنما نقطة تحول في العلاقة مع بكين وموسكو وطهران وأنقرة والرياض وطوكيو وسيؤول.

فالهجمات كانت ذات مفاعيل دولية وإقليمية تمكن الولايات المتحدة من استعادة ثقة الحلفاء العرب في الخليج العربي وتركيا، إلى جانب حلفائها في جنوب شرق آسيا وأوروبا، وكانت ضربة مناسبة تترافق مع لقاءات الرئيس الأمريكي ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ، ومهدت للقاء ترامب الرئيس الروسي بوتين، وسمحت بإعطاء التهديدات الأمريكية لكوريا الشمالية مستوى عاليا من الجدية، ودفعت طهران إلى مراجعة حساباتها، والتضيق عليها بوضع الاتفاق النووي على المحك.

بالنسبة للأسد فقد أبقته في حالة قلق وترقب، علما بأن الهجمات الأمريكية رغم نوعية الأسلحة، إلا أنها لا تختلف عن هجمات الكيان الإسرائيلي التي لم تحدث خللًا في ميزان القوى؛ ما جعله الناجي الحقيقي من هذه الهجمات، في حين أن الرد بات منوطا بروسيا والصين وليس النظام.

لم تحدث الهجمات اختلالًا في موازين القوى؛ فالأهداف السياسية للضربة الأمريكية اهم من الأهداف العسكرية، ولها مفاعيل دولية اكثر من المحلية والميدانية السورية، وتترك الباب مفتوحا للضغط على الأسد، بل التفاوض معه من منطلق جديد وتعيده إلى المربع الروسي بعيدا عن أمريكا؛ فخسارة النظام لم تكن كاملة ومطلقة، ففي كل الأحوال كانت اختبارا ناجحا لتحالفاته، ولجدية الإدارة الأمريكية في التعامل معه.

القوى الإقليمية بدورها تعيد حساباتها وكذلك المحلية، كيف يمكن الاستفادة من الضربة الأمريكية، وكيف يمكن استيعاب تداعياتها السلبية بالنسبة للمتضررين، فأمريكا ألقت الكرة في ملعب الخصوم والأصدقاء بضربة استعراضية ناجحة، إلا أنها سرعان ما بدأت تتعامل مع تداعياته من خلال إلغاء روسيا البروتكول الجوي لتنظيم حركة الطائرات الحربية في سوريا ليتحرك الكونغرس الأمريكي في المقابل بتفويض الرئيس ترامب مباشرة وخلال ساعات بتوريد أسلحة «مان باد» صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف للمعارضة السورية..

 في خضم هذه الخطوات وردود الفعل المعدة مسبقا يجب عدم إغفال الرسائل الداخلية للمجتمع الأمريكي التي أرسلها ترامب، والاهم رسائل مراكز القوى الأمريكية الأساسية وخصوصا الأمنية بعد الإطاحة بمستشار ترامب «ستيف بانون» اليميني المتطرف؛ إحداها تحاول تقديم ترامب كرجل قوي قادر على تجاوز ازمته الداخلية، والأخرى تحاول أن تؤكد أن أجهزة الدولة الأمنية والجيش بات فاعلا ومؤثرا في صناعة القرار ومهيمنا عليها بعد أن فقد ترامب كافة مستشاريه المقترحين، وبات ملتزما بأجندة أجهزة الدولة السيادية CIA وFBI والبنتاغون.

إذ أصبحت CIA والبنتاغون لاعبا أساسيا، خصوصا بوجود مستشارين من أمثال «مكامستر» الجنرال الذي فرضه البنتاغون على ترامب كمستشار للأمن القومي ليصبح الأقدر على تحديد أولويات الإدارة الأمريكية؛ فالإرهاب يعد هدفا ثانويا اذا ما قيس بالخطر الذي تمثله روسيا والصين من وجهة نظر أمريكية واقعية، بعيدا عن الروح اليمينية الهوجاء، وهي مسألة سبقها الإطاحة بـ»مايكل فلين» الذي اعلن قبل أيام عن استعداده للإدلاء بشهادته حول علاقة حملة ترامب والرئيس بروسيا في حال أعطي الحصانة؛ ما زاد من حراجة موقف الرئيس، وشدد الضغوط على إدارته المتعثرة.

البنتاغون وCIA تمكنا من استثمار اللحظة، واصبحا الأكثر قدرة على إدارة المرحلة، وترامب اصبح اكثر اعتمادا عليهم في تقرير السياسات العامة، مقتصرا دوره على تسويق هذه السياسات والأجندة، مذكرا بحالة عند إشهار إفلاسه في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي؛ ما اضطره للقبول بشروط البنوك المقرضة مقابل تجنب إشهار إفلاسه، وهو القبول بدور مدير التسويق مقابل إدارة البنوك لأملاكه.

ترامب الآن بحاجة إلى المؤسسات السيادية اكثر من أي وقت مضى، وسيزداد اعتماده عليهم كلما تعمقت الصراعات في سوريا والعراق وجنوب شرق آسيا مع كوريا الشمالية والصين في بحر الصين الجنوبي وروسيا في ليبيا والقرم؛ امر اتضح من خلال التزامه بالنص الذي اعلن فيه توجيه الضربات على غير العادة مستعينا بشاشة العرض أمامه على غير العادة.

كلاهما (البنتاغون وCIA) حذرا من اختراقات روسية للساحة الأمريكية، ويريدون إيصال رسالة قوية لموسكو بقدرتهم على خلط الأوراق ورفع الكلف، بل نقل المعركة إلى روسيا ذاتها؛ فالتلميحات بتورط روسيا في هجوم السارين والأسلحة الكيميائية في خان شيخون صدرت من مسؤول كبير في CIA بحسب ما نقلته فضائية الحرة، تلميحات امتدت إلى طهران؛ ما يعني إمكانية تشديد العقوبات والحصار على الدولتين.

فالمؤسسات السيادية الأمريكية حسمت أمرها؛ فروسيا تمادت إلى حد التدخل في الشؤون الأمريكية، بل الانتخابات في محاولتها العبث في الساحة الداخلية واختراق النخب الأمريكية، والتوسع في مناطق نفوذها؛ ما جعل من اضعفا روسيا وإحراجها هدفا حتى لو تطلب توريطها بشكل اكبر في صراعات المنطقة.

الإجراء الأكثر إيذاء لروسيا والنظام السوري سيكون تزويد المعارضة السورية بأسلحة مضادة للطائرات بما يسمح برفع الكلف، إلا أن الأذى الحقيقي ستتضح آثاره من خلال تشديد العقوبات على طهران وموسكو، وتمزيق الاتفاق النووي.

تطور دفع ميدفيدف رئيس الوزراء الروسي المعين من بوتين إلى القول أن ما حدث في سوريا يضع روسيا وأمريكا على حافة الاشتباك، في حين ذهب مسؤولون روس إلى القول بأن أمريكا تحاول توريطها في صراع مع العالم العربي، والراجح أن ذلك يتعلق بإمكانية تزويد المعارضة السورية بأسلحة اكثر تطورا؛ ما يترك الباب مفتوحا لمزيد من التطورات مستقبلا في تحديد معالم الصراع في سوريا على وقع التنافس الروسي الأمريكي، وليس على وقع الحرب على الإرهاب أو الصراع على الأسد؛ إذ إنها بيادق تراجعت أهميتها وقيمتها في سويعات قليلة.

حقائق متسارعة دفعت الصليب الأحمر إلى تصنيف الصراع في سوريا بأنه صراع دولي بعد الضربات الأمريكية؛ فأجندة البنتاغون و CIA ما سيقرر مستقبل الصراع في سوريا للجم روسيا ومحاصرتها وتحسين شروط التفاوض مع الصين، في حين أن الأسد مجرد صورة في المشهد العام. 

السبيل الأردنية

1
التعليقات (1)
تعليق
الأحد، 09-04-2017 10:49 ص
يا خيبة أمتي حين تستبشر خيرا بالقصف الأمريكي لقوات نظام آل الأسد ‏https://afkar-araa.blogspot.co.uk/2017/04/blog-post_9.html .... مجزرة خان شيخون: الغازات السامة والطرق العملية لمواجهتها بعيدا عن اللطميات ‏https://afkar-araa.blogspot.co.uk/2017/04/blog-post_6.html ‏https://ommahpost.com/khan-sheikhan-massacre-toxic-gases-and-practical-ways-to-deal-with/