كتاب عربي 21

"حمدين صباحي" ضحية "الحب العذري"!

1300x600
من لسعته "الشوربة" لا يلام إذا نفخ في "الزبادي"، ومن تابع أداء "حمدين صباحي" منذ سقوطه في الانتخابات الرئاسية بعد الثورة لا بد أن يلتمس العذر لمن يعتبره في سكناته وحركاته، إنما يتحرك في إطار مؤامرة!

فمنذ أن أعلن "صباحي" عن مبادرة المرشح التوافقي، والحملة ضده على أشدها، لدرجة أن الناس نسيت عبد الفتاح السيسي وانشغلت بالهجوم عليه، وهو هجوم وحد بين من يرفضون الانقلاب وبين أنصار السيسي، ولا غرابة في ذلك فحمدين هو من طلب من أنصاره ألا ينشغلوا في يوم 30 يونيو 2013، بسؤال من يخرج معهم ضد الحكم المنتخب، إن كان من "الفلول" أو منتمياً للحزب الوطني المنحل؟، باعتبار أن هذا من الأمور الثانوية.. "دقة بدقة.. ولو زدت لزاد السقا"!

"حمدين"، هو ضحية "الحب العذري"، فقد حلم أن يكون رئيساً، وعندما سقط في الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية، ذهب مع اثنين من الذين لم يحالفهم الحظ، ليحتفلوا بهذا السقوط، هما "خالد علي" و"عبد المنعم أبو الفتوح"، وليحدثوا بلبلة على المشهد الانتخابي في جولة الإعادة، وهو ما استفاد منه مرشح الثورة المضادة، الفريق "أحمد شفيق"، وقد انطلق شذاذ الآفاق يطالبون الدكتور محمد مرسي بالتنازل في جولة الإعادة لحمدين، إن أراد أن يثبت بالفعل انحيازه لوحدة العمل الثوري، وهى دعوة إن لم ننظر إليها على أنها جزء من مؤامرة، فلن نستطيع أن نتجاوز كونها من ألاعيب الصغار، فتنازل مرسي بعد إغلاق باب التنازلات يمرر فوز "أحمد شفيق" بسهولة!

كان مشهدا صبيانيا، ولم يكن هناك رجلاً رشيداً يوقف هذا المطلب العبثي، ولم تكن لدى "حمدين صباحي" أزمة مع الإخوان، الذين كانوا سبباً في نجاحه لدورتين بمجلس الشعب، الأولى كانت في سنة (2000) عندما تحالفوا معه في جولة الإعادة، والثانية في (2005) عندما أخلوا له الدائرة، واحتشدوا معه لمواجهة مرشح الحزب الوطني. وفي الانتخابات التي أجريت بعد الثورة، لم يصدق الإخوان، إلا مع اثنين الأول: "حمدين صباحي" وحزب الكرامة. والثاني "أيمن نور" وحزب غد الثورة، فقد تلاعبوا بالأحزاب وبكثير من الشخصيات العامة، لكن كل رغبات "حمدين" و"أيمن" قاموا بتحقيقها من حيث عدد المرشحين، وترتيبهم في قائمة حزب "الحرية والعدالة"!

بيد أن العلاقة انتهت بسبب "الحب العذري" وتطلع "حمدين صباحي" أن يكون رئيساً، فانضم إلى الذين يبغونها عوجاً من قادة الأحزاب صنيعة "صفوت الشريف" وعرائس "الأجهزة الأمنية"، الذين شكلوا ما سمي بجبهة الإنقاذ، والذين خانوا الثورة، وأدخلوا كل زناة الليل إلى حجرتها!

لقد كان المطلب الذي طرحه "عبده مشتاق" ومن معه هو انتخابات رئاسية مبكرة، وما الذي يمنع من أن يكمل الرئيس دورته؟..لتكون الإجابة أن "حمدين على نار"، وقد سبق هذا محاولة تحالفه السري مع "أحمد شفيق"، الذي كان يريده شفيق زواجاً معلناً، لكن "حمدين" أراده زواجا عرفيا، وقال شفيق في شهر مايو 2013 قبل الانقلاب مباشرة أن موفد "حمدين" كان المخرج "خالد يوسف" ويومئذ قيل أن المذكور بالخارج وعندما يعود بسلامة الله إلى أرض الوطن سيرد على شفيق، وبعد هذا كان الانقلاب ولم يتم الرد حتى ساعته وتاريخه!

وكان يمكن نزع فتيل الأزمة، بقليل من الرشادة السياسية، لاسيما وأن القوم عندما دعاهم الرئيس إلى لقائه، ذهبوا إليه واحداً تلو الآخر، وبدا مطلبهم بسيطاً وهو إعادة تشكيل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، لكن الرئيس عرض الدستور للاستفتاء بعد هذه اللقاءات، ولا أدري ما هى حساباته وقتها، فيبدو أن وزير الدفاع كان قد دخل على الخط، ومشى بين كافة الأطراف بالنميمة، لتكون الدعوة سيئة السمعة إلى 30 يونيو!

وعندئذ، وجد "حمدين" نفسه، على موعد مع "الحب العذري". فقد سأل عبد الفتاح السيسي غلمان حركة تمرد: من يريدون رئيساً؟ فقالوا: "حمدين". فأوب معهم، ثم تبين أن نيته كانت تتجه لتصفية جميع من شاركوا في المؤامرة على الحكم المنتخب، وعندما خاض الانتخابات الرئاسية كان واضحاً أن "صباحي" مسلوب الإرادة فقد جاء ليمثل دوراً في فيلم هابط، ولا ريب فقد قام في أحد أفلام "يوسف شاهين" بدور الكومبارس!

لقد مكن "حمدين صباحي" منافسه "عبد الفتاح السيسي" من أن يزور الانتخابات بشكل صريح، عندما وافق على اقتراح مد التصويت ليوم ثالث، مع أن العزوف الجماهيري لا يسمح للمد، ثم سحب مندوبيه من اللجان، في تصرف يفقد صاحبه الثقة والاعتبار وإلى الأبد، ليزور السيسي الانتخابات في غيبة شهود قد يقوموا برواية ما جرى للتاريخ، ولم يحفظ له السيسي الجميل فقد كان واضحاً أن "حمدين" يفعل هذا من باب مجبر آخاك لا بطل، فجاء ترتيبه مهيناً من حيث عدد الأصوات التي حصل عليها، فقد كان الثالث بعد الأصوات الباطلة!
وعندما يراجع المصري هذا السجل الحافل بالمخازي لابد وأن يتشكك في كل دعوة يطلقها "حمدين"، حتى لو أذن للصلاة، فمن المؤكد أنه الفجر الكاذب!

لقد انتصب "حمدين صباحي" خطيباً في احتفالية دمج حزبي "الكرامة" و"التيار الشعبي"، ودعا إلى مرشح توافقي لمواجهة مرشح السلطة التي كان صباحي عنيفاً في الهجوم عليها وفي سابقة هى الأولى من نوعها، وبدا للرأي العام أن المرشح التوافقي هو المستشار "هشام جنينة"، والذي كان حاضراً الاحتفالية وأطلق تصريحا ملتبساً؛ فهو لم يفكر بعد في خوض الانتخابات، ومع هذا فجنسية زوجته لن تمنعه من ممارسة هذا الحق الدستوري!

"جنينة"، لم يكن على مستوى المسؤولية الوطنية بهذا التصريح، لأن المادة (141) من الدستور تمنعه من الترشح، فمن بين الشروط الواجب توافرها في المرشح "ألا يكون قد حمل أو أي من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى"، اللهم إلا إذا كان قد انتوى أن يرتكب أبغض الحلال!

هذا التصريح الذي يحمل وضوحا في غموضه، هو الذي جعل الذين يرتابون في "حمدين صباحي" يندفعوا إلى القول إنها مؤامرة، لأنها تستهدف الوقوف وراء المرشح التوافقي "هشام جنينة" وعندما يتم إبعاده، يكون "مرشح الضرورة" هو "حمدين"، ومن باب المضطر، ليوجه إليه الاتهام مبكراً بأنه "المحلل" كما كان "محللاً" في الانتخابات الماضية. البعض قال إن هذه المؤامرة يقف وراءها السيسي نفسه الذي يريد "محللاً" مضموناً، يكتفي بالزواج على الورق، والاستجابة لطلب التطليق، فلن يطلب أن يدخل بها، وهى العبارة التي رددها "عادل إمام" نقلاً عن المأذون، في مسرحية: "الواد سيد الشغال".. "لابد أن يدخل بها"!

لا يلام من يرتاب في "حمدين صباحي"، مع التسليم بأن هناك من تجاهلوا عمداً أنه قال بأنه لن يترشح وأن دعوته لمرشح توافقي ليس هو، وإذا كان أنصار السيسي بحملتهم على "صباحي" استهدفوا الإجهاز عليه فيدخل الانتخابات دون أي أمل في أن يكون منافساً جاداً، فإن هناك من يعتبرون أي صيحة عليهم، وأي دعوة لبديل توافقي إنما يقضي على خيار الشرعية، دون أن يكون لديهم أي مخطط لإسقاط الانقلاب وإعادة الرئيس الشرعي، الذي تحول إلى سجين يطلب لقاء دفاعه ويطلب بأدنى الحقوق، دون أن تهتز لدعاة الشرعية شعرة، فالشرعية عندهم هى موضوع لتكميم الأفواه التي تفكر في حلحلت المشهد المعقد، بعد الأمر الذي صدر للجماهير بالانصراف من الميادين في يناير 2014، وإلى الآن!

وكما سعدت الثورة المضادة، بهجوم "حمدين" ومع معه على الحكم المنتخب، فمن المؤكد أنها سعيدة الآن للهجوم على حمدين، لاسيما والدعوة إلى مرشح توافقي، والانقلاب العسكري لا يريدوا لمن شاركوا في ثورة يناير أن يعودوا إلى وحدتهم من جديد!

إن هناك من يؤمنون بأن الثورة إما أن تنتصر بهم أو لا ثورة، وبعد أن كانوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.. يتصرفون الآن على قاعدة من أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه.

يبدو أن السيسي سيبقى معنا طويلاً!