مقالات مختارة

موقفنا من الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا

1300x600

قامت أمس طائرات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بقصف مواقع الاحتلال الإيراني في سوريا، هي ليست الغارة الأولى، ولكن يبدو أنها كانت الأوسع؛ لأن عدد المواقع الإيرانية التي تم تدميرها كبير، حسب ما أوضحت الخرائط والتصريحات الرسمية، وقد قتل هذه المرة حوالي ثلاثين عسكريا من قوات الاحتلال الإيراني في سوريا، الإسرائيليون قالوا إنهم شنوا هجومهم بعد أن قام الإيرانيون بقصف مواقع لهم في الجولان، الاحتلال الإيراني يتهم الإسرائيليين بالكذب، ويقول إن القصف قامت به القوات السورية وليس الإيرانية، وهذا نوع من "النبل" الإيراني المعتاد، يهرب من المواجهة ليحملها لشريكه العربي، والحقيقة أن المحتل الإسرائيلي مثله مثل المحتل الإيراني، لا يحتاج إلى قصة مقنعة ليبرر عدوانه هنا أو هناك، فالإيراني الذي احتل سوريا وقتل الآلاف من شعبها ودمر مدنا بكاملها قال إنه أتى ليدافع عن مراقد آل البيت في دمشق وليس الدفاع عن حليفه الطائفي الطاغية المجرم بشار الأسد، وأنهم يساندون بشار بشكل عرضي، وقد اكتشفوا هناك أكثر من ألف مرقد من مراقد آل البيت لم يكتشفها أحد قبلهم على مدار التاريخ منذ بعثة النبي !.

الضربة الإسرائيلية ضد إيران جددت التشنج لدى بعض الأصوات العربية، هل يعقل أن ننحاز إلى الكيان الصهيوني في تلك المواجهة، والحقيقة أن المسألة لا تتصل بأي انحياز، فنحن ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قطعا، ولكنا أيضا ضد الاحتلال الإيراني لسوريا أو بعض سوريا، ونحن نعادي ونفضح الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ضد أهلنا في غزة والقدس، ولكنا أيضا نعادي ونفضح الجرائم التي يرتكبها الإيراني في دمشق وحلب وحماة، ونحن نسعد لكل انكسار أو هزيمة للعدو الإسرائيلي، ولكنا نسعد لكل انكسار أو هزيمة للعدو الإيراني، وعندما يتعارك الذئاب المجرمة فوق الأرض العربية في سوريا فإن مبلغ سعادتنا أن  ينكل بعضهم ببعض، وأن ينهش الذئاب أجساد بعضهم البعض ويستنزف بعضهم بعضا، هي معركة لا تخصنا في شيء إلا بقدر ما تمثل خصما من قوة ووطأة العدوان أيا كانت نسخته، إيرانية أو صهيونية.

المواجهة المحدودة بين الاحتلالين الإيراني والصهيوني كشفت مفارقات مدهشة، مثل أن يصرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأنهم لن يسمحوا لإيران بتحويل سوريا إلى خط مواجهة مع "إسرائيل"، وهو ما يكشف أن سوريا الأسد لم تكن أبدا خط مواجهة، وأن إسرائيل كانت مطمئنة وواثقة من أن أي خطر أو سوء لن يأتيها من جانب سوريا، وهو ما يكشف أن خطب المقاومة والممانعة كانت محض دجل يسوقه الطاغية حافظ الأسد وابنه، في صفحات الصحف والاحتفالات الرسمية ومواسم زيارات المرتزقة من كل صنف إلى دمشق لنيل البركة، كان حديث الممانعة والمقاومة مجرد استثمار انتهازي لمشاعر العرب تجاه فلسطين ومحنة أهلها، لكن الحقيقة على الأرض أن بشار وأباه كانوا خفر حدود للكيان الصهيوني، يحمون عرشه مقابل أن يحمي هو الحدود ويؤمنها.

من جديد أؤكد، لا حرب بين الاحتلالين الإيراني والإسرائيلي، وإنما فقط معارك صغيرة محدودة بين أصحاب مشاريع توسعية لفرض معادلات نفوذ في المنطقة، وإيران لا تخسر كثيرا هنا، لأنها تلاعب الإسرائيلي على أرض عربية، والضحايا غالبا سيكونون العرب، سواء في سوريا أو في لبنان إذا حركت بيدقها هناك حسن نصر الله ليخفف الضغط عنها، أو لتلاعب به الكيان الصهيوني في موقعة استعراضية جديدة لإحياء شعار المقاومة وشحن بطاريته بما يمكن تجديد استعماله لابتزاز عواطف العرب فترة أطول، لكن المواجهة الشاملة لن تكون، فالاحتلال الصهيوني يحتاج إلى جهود الاحتلال الإيراني في سوريا ولبنان لضبط الأمور وحفظ معادلات تمنع نجاح الثورة السورية وتعزز مسارات التمزق الطائفي والقومي في الشام.

المواجهات العسكرية والسياسية التي تدور في سوريا هذه الأيام، عنوانها الأبرز إيران وإسرائيل، والإعلام العالمي ينتظر يوميا تصريحات طهران وتل أبيب ، ويترقب ردود فعل واشنطن وموسكو، لا أحد ينتظر تصريحات من دمشق، لا أحد يتذكر أن هناك رئيسا في سوريا صاحب قرار وسيادة اسمه بشار الأسد، الكل يتعامل باعتباره غير موجود، أو غير مؤثر، أو غير ذي قيمة، أو أنه مجرد موظف عند موسكو وطهران اللذين يمسكان به حتى لا يسقط، وتلك عاقبة الطغاة عندما يتجبرون على شعوبهم، ويوغلون في دماء المدنيين والأبرياء، يأبى الله إلا أن ينهي مشوارهم بالمذلة في العالمين.

قالت "إسرائيل" أمس إنها دمرت كل البنية الأساسية للعسكرية الإيرانية في سوريا، وأعتقد أنه كلام مبالغ فيه، والمؤكد أن المنطقة ستشهد المزيد من تلك "المعارك الصغيرة" في الأسابيع المقبلة.

المصريون المصرية