ملفات وتقارير

هل انتصرت مصر في استطلاع "روسيا اليوم"؟.. خبراء يجيبون

استطلاع "روسيا اليوم" طلب رأي زوار الموقع بشأن تبعية مثلث "حلايب وأبو رماد وشلاتين" لمصر أم للسودان

جدد استطلاع للرأي نشره موقع "روسيا اليوم" ثم قام بحذفه بعد ساعات من نشره، عن أزمة مثلث حلايب وشلاتين بين مصر والسودان، جدد الحديث عن تراجع الدور الإقليمي والدولي لمصر، وهل يعبر الاستطلاع عن شكل العلاقات الثنائية بين مصر ودول بعينها مثل روسيا.

من جانبه، وصف وكيل لجنة الإعلام في مجلس النواب المصري، تامر عبد القادر، حذف الموقع للاستطلاع الذي أثار الأزمة، بأنه ترجمة لمتانة العلاقات المصرية الروسية، مشيرا إلى أن الاستطلاع كان سقطة إعلامية، في ظل قوة العلاقات المصرية الروسية.

وأشاد عبد القادر، في تصريحات صحفية نشرها موقع "المصريون"، بموقف وزير الخارجية سامح شكري، الذي ألغى لقاء تلفزيونيا مع قناة روسيا اليوم كرد فعل على ما وصفه بالتجاوز المهني والإعلامي من قبل القناة الروسية بحق مصر.

بينما أكد رئيس الهيئة للاستعلامات، ضياء رشوان، في تصريحات تلفزيونية، أن الجانب الروسي تفهم الرفض المصري، وأن مسؤولين في الخارجية الروسية تدخلوا لحذف الاستطلاع بعد رفض بعض المسؤولين الروس بالموقع حذفه في البداية، مشيرا إلى أن الاستطلاع كان يهدف لإشعال الفتنة بين مصر والسودان، في قضية محسومة مصريا، على حد تعبيره.

 

اقرأ أيضافضائية روسية تعتذر لمصر.. وصحيفة مصرية تعتبره انتصارا

ورغم الترحيب المصري بالتراجع الروسي، إلا أن خبراء ومختصين أكدوا لـ"عربي21" أن القضية ليست في الاستطلاع، وإنما في مستوى قوة مصر الإقليمية والدولية بعد الانقلاب العسكري.

من جانبه، أكد نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق في البرلمان المصري، محمد جمال حشمت، لـ"عربي21"، أن أزمة الاستطلاع التي استمرت 24 ساعة بين مصر وروسيا، عكست عدة أمور، بعضها دولي والآخر إقليمي، فعلى المستوى الدولي عكس الاستطلاع قناعة المجتمع الدولي بعدم أحقية مصر بمثلث حلايب وشلاتين، وهي القناعة التي أوجدها السيسي نفسه عندما تخلى عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية.

وأوضح حشمت أن نظام السيسي "لم يكتف بالتنازل الفج عن الجزيرتين، وإنما امتد في تجاوزاته باعتقال المعارضين للتنازل عنهما، وضرب بالأحكام القضائية التي أكدت مصرية الجزيرتين عرض الحائط، ووجه المحكمة الدستورية لتحكم لصالحه، كما وجه البرلمان لتمرير التنازل، وهي الحالة التي أنتجت في النهاية قناعة دولية وإقليمية بأن نظام الانقلاب ليس لديه مانع من التنازل عن المزيد من الأراضي المصرية لخدمة أهدافه".

ويشير نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق أن المشهد الثاني هو نشر موقع رسمي روسي الاستطلاع وطرح الموضوع للنقاش بين رواده، وهو ما يشير إلى أن روسيا لم تفكر في تبعات نشر الاستطلاع الشائك فيما يتعلق بالموقف المصري، وحتى رغم حذف الاستطلاع لتهدئة الغضب المصري، إلا أن النشر في حد ذاته كشف أن ما يردده نظام الانقلاب عن متانة علاقته بروسيا فيه مغالاة شديدة".

وأضاف حشمت أن السيسي عقد مع روسيا العديد من الصفقات الهامة، أبرزها إنشاء محطتين نوويتين، والسماح بمشاركة الروس في إجراءات الأمن بمطار شرم الشيخ بعد حادث تفجير الطائرة الروسية نهاية 2015، ثم شراء القوات المسلحة المصرية لأسلحة روسية بعدة مليارات دولار، واستقبال بوتين بشكل أسطوري خلال زيارته لمصر. وفي المقابل، ما زالت السياحة الروسية لمصر متوقفة".

ويرى حشمت أن مصر في ظل الانقلاب العسكري فقدت مكانتها الإقليمية والدولية، مستدلا بأزمة سد النهضة والتراشق الإعلامي بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأزمة استطلاع روسيا اليوم، وعدم إدراج مصر على جدول أعمال أول زيارة وزير الخارجية الأمريكي الجديد للمنطقة، وغياب التأثير المصري في الملفين اليمني والسوري، وحتى الملف الفلسطيني بات الدور المصري فيه مشلولا.

ويضيف السفير السابق بالخارجية المصرية، الدكتور باهر الدويني، لـ"عربي21"، أن مصر فقدت مكانتها الإقليمية والدولية، نتيجة ربط مصالحها وقراراتها بدول أخرى لم يكن لها نفوذ إقليمي ودولي، محملا وزارة الخارجية المسؤولية الأولى عن هذا التراجع.

ويشير الدويني إلى أنه يجب على مصر ألّا تشعر بالانتصار لأنها حذفت استطلاع للرأي على موقع إخباري؛ لأن القضية أكثر تعقيدا من ذلك، فلو كان لمصر المكانة ذاتها الدولية والإقليمية لما تم طرح الاستطلاع من الأساس، خاصة على موقع رسمي لدولة من المفترض أن لديها مصالح قوية بمصر.

ويوضح السفير السابق أن مصر فقدت تأثيرها الإقليمي لصالح عواصم خليجية مثل الرياض وأبو ظبي والدوحة، وأخرى إقليمية مثل أنقرة، وأصبحت مواقفها في القضايا الدولية مرتبطة بآراء دول أخرى، كما جرى مؤخرا في الضربة العسكرية التي نفذتها إسرائيل داخل سوريا، وكذلك إعلان الرئيس الأمريكي انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، ثم أزمة جزيرة سقطرى اليمنية، موضحا أن الوضع الاقتصادي لمصر واعتمادها على المنح والمعونات والقروض الخليجية جعل القرار المصري مرتبطا بمن يتكفل بالدفع، وبالتالي فالدول الكبرى بدلا من أن تلجأ للقاهرة، تذهب مباشرة للدول التي تمتلك المفاتيح مباشرة.


ويشير الدويني إلى أن رأس السلطة عندما يعلن أن دولته ليست دولة وإنما شبه دولة، فهو يعلن انسحابه من قوى التأثير الإقليمية والدولية، بالإضافة لقناعة المجتمع الدولي بأن مصر لم تعد لديها القدرة على المغامرة الخارجية، ما جعل هذا المجتمع مطمئنا لعدم وجود رد فعل مصري مقلق في القضايا التي تكون طرفا فيها.


وعن العلاقات المصرية الروسية، أكد الدويني أن روسيا تتعامل مع مصر بطبقية مفرطة، رغم ما قدمته الأخيرة من امتيازات لصالح الرئيس الروسي نفسه، وحتى الاعتذار الذي قدمه موقع روسيا اليوم حول الاستطلاع لم يكن اعتذارا عن خطأ، وإنما لحرص النظام الروسي على عدم الدخول في قضايا فرعية بالمنطقة تشغله عن أزمتي سوريا وإيران الملتهبتين.