مقالات مختارة

عواصف اليمين المحافظ المتجهة نحونا

1300x600

في الولايات المتحدة الأمريكية يتكون بصورة متنامية تيار محافظ أصولي يميني متطرف. في السياسة يتبنى كل الشعارات العنصرية المعادية للمسلمين والمهاجرين، وكل الأطروحات الرافضة لوجود دولة الرعاية الاجتماعية.


في الاقتصاد يتبنى التيار الأسس التي تقوم عليها النيوليبرالية الرأسمالية العولمية، وفي مقدمتها الحرية التامة للسوق، وعدم تدخل الدولة لتنظيمه، والحد من مخاطر مغامراته المؤدية إلى نشر مزيد من الفقر ومن تهميش الطبقة الوسطى. وفي الاجتماع معاداة سافرة لكثير من حقوق المرأة، بل إرجاعها إلى البيت كتابعة للزوج تحت مسمى العائلة الطبيعية.


وكانت الضحية لكل ذلك المشهد العبثي الديمقراطية الليبرالية التي عُرفت بها أمريكا منذ تأسيسها كدولة، خصوصا بعد إقحام هلوسات وخرافات بعض الجماعات الدينية الرجعية في تبرير شعارات ذلك التيار.


قابل ذلك المشهد الأمريكي مشهد أوروبي مقلق تمثل في صعود حركات شعبوية غوغائية، منغلقة على ذاتها ومتعصبة ضد الآخر الأجنبي، ومعادية لأوروبا الموحدة، ومتراجعة عن فكرة دولة الرعاية الاجتماعية بخدماتها الإنسانية. وفي كثير من أطروحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتماثل مع أطروحات التيار الأمريكي المحافظ الجديد. كمثال صارخ على الاتجاه الذي تسير نحوه أوروبا يكفي أن يستمع الإنسان لما قاله سلفيني الإيطالي، زعيم الحراك الشعبوي في إيطاليا، بعد نجاحات الحركات اليمينية الأوروبية في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. يقول «نجاحاتنا تعني أن أوروبا قد تغيرت، ويضيف وهو يمسك مسبحه ويقبل الصليب». آن الأوان أن نحافظ على جذور أوروبا اليهودية-المسيحية».


هل هناك شك في أن أوروبا الأنوار والعلمانية والحداثة يراد لها أن تنقلب على تاريخها وديمقراطيتها وتعددها وتعددها الثقافي؟ ما يقلق الكثيرين من المفكرين والمثفقين في أمريكا وأوروبا هو ظهور دلائل كثيرة على التوجه نحو بناء تحالف يميني محافظ، يدور في فلك النيوليبرالية الرأسمالية ويدافع عن جنونها، في ما بين قوى التيار الأمريكي اليميني والقوى الشعبوية اليمينية الأوروبية. ويتحدث البعض عن ملايين الدولارات التي صرفها أغنياء اليمين الأمريكي على دعم انتخاب مرشحي الأحزاب الشعبوية الأوروبية، وعلى تمويل سخي لمؤتمرات مشتركة كثيرة ولتلميع صور زعماء اليمين، وإسنادهم في الحصول على مراكز قيادية في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية الأوروبية.


نحن إذن أمام بداية تكون مرعب خطر لتحالف يضمُ اليمين المحافظ الرجعي الأمريكي وحليفه اليمين الصهيوني العنصري الاستعماري من جهة، واليمين الشعبوي الأوروبي من جهة أخرى. والسؤال: هل سيقف الأمر عند هذا الحد؟ أم إن العالم سيواجه تمدُدا متناميا لذلك التحالف عبر العالم كله؟ منطق التاريخ وطبائع الاجتماع يقولان بأن الجواب هو «نعم» وشبه مؤكدُ. هذا يقود إلى سؤال ثان، يتعلق بنا نحن العرب. السؤال: هل سيسعى ذلك التحالف لضم ودعم اليمين المحافظ الرجعي العربي، بكل تجلياته السياسية والدينية والاقتصادية، وولاءاته القبلية والعرقية والطائفية، وفي الوقت نفسه لمحاربة كل القوى والتيارات التقدمية التحررية العربية؟ وهل سيعيد التاريخ نفسه عندما وقف الغرب الاستعماري، وبالتناغم التام مع حليفته الصهيونية، في خمسينيات القرن الماضي، وقف في وجه القوى القومية التقدمية التحررية بكل ثقله وعنفه حتى أنهكها ومزق صفوها، ومكن الرجعية العربية من تنظيم صفوفها والهيمنة على سائر المجتمعات العربية؟


هذا سؤال مفصلي تحتاج القوى التقدمية التحررية النهضوية العربية أن تطرحه على نفسها الآن وتستعد لمواجهة أهواله في المستقبل القريب، علينا أن نستعد لمواجهة عواصف ستهب علينا من بعض أنظمة الحكم الحكم الغربية، وفي مقدمتها نظام الحكم الأمريكي الجديد، ومن التحالف اليميني الشعبوي الأمريكي-الأوروبي-الصهيوني، ومن بعض العرب الذين تخلُوا عن التزاماتهم القومية العروبية، وعن كثير من القيم الديمقراطية العادلة الإنسانية، عواصف ستجتاح الوطن العربي كلُه، ولن توقفها إلاّ قوى تقدمية عربية تاريخية جديدة، في شكل تحالف تاريخي كبير مع قوى تقدمية عبر العالم كله.

 

عن جريدة القدس العربي اللندنية