حقوق وحريات

العودة: الحامد استطاع إزعاج منظومة الفساد في السعودية

أسس الحامد مع آخرين جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية - أرشيفية

حمّل عبدالله العودة، نجل الدكتور سلمان العودة المحتجز لدى السلطات السعودية، المملكة مسؤولية وفاة الناشط الحقوقي السعودي، عبدالله الحامد، داخل سجنه.


وفي مقاله بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قال العودة إن الحامد انهار داخل سجنه، وكان قبل ذلك محروما من عملية قسطرة كان يجب أن تجرى له منذ زمن طويل، بحسب ما نقل عن عائلته.


ولفت إلى أن الحامد ترك ملقى على الأرض لساعات قبل أن ينقل إلى المستشفى، ليقضي في يوم الجمعة، محملا السلطات مسؤولية موته البطيء.

 

اقرأ أيضا: من هو "الإصلاحي" السعودي عبد الله الحامد (فيديو)

وتابع بأن الحامد كان من أبرز إصلاحيي المملكة، وكان أول من طالب بالتحول الديمقراطي في بلاده، ليعتقل عدة مرات، ويفصل من عمله، ليقضي آخر سنوات عمره حبيسا.


وأشار إلى أنه "كان صاحب نفوذ وقدرة على إزعاج منظومة الفساد في الحكم الملكي السعودي"..

 

و"عمل في العديد من كتبه على إعادة تفسير النصوص التي تبنى عليها النظرية السياسية الإسلامية المعاصرة وقلب رأساً على عقب الأساس الأيديولوجي الذي يأوي إليه رجال الدين المتشددون الموالون للنظام السعودي من أجل تبرير الملك العضوض والنظام السلطوي".


وتاليا المقال كاملا:

لقد رحل عبد الله الحامد، أبرز مفكر وناشط سياسي وحقوقي في المملكة العربية السعودية.

قبل أسبوعين، انهار الحامد ودخل في غيبوبة داخل السجن. وكان قبل ذلك محروماً لأسابيع من عملية قسطرة كان من المفروض أن تجرى له قبل وقت طويل، كما تقول عائلته. ترك الحامد بعد سقوطه لساعات وهو ملقى على أرض السجن قبل أن ينقل إلى غرفة العناية المركزة في مستشفى الشميساني في الرياض، كما يقول شهود عيان. توفي الحامد يوم الجمعة. ينبغي أن تتحمل الدولة السعودية المسؤولية عن موته البطيء. 

كان الحامد، البالغ من العمر 69 عاماً أبرز إصلاحي في المملكة العربية السعودية. كان ناشطاً مخضرماً، وهو واحد من منشئي الحركة السعودية المطالبة بوضع دستور وبالتحول نحو الديمقراطية. اعتقلت السلطات السعودية الحامد في عدة مناسبات، كانت الأولى في عام 1993، وفصلته من عدة وظائف. اعتقل للمرة الأخيرة في التاسع من مارس/ آذار 2013 وحكم عليه بالسجن 11 سنة، وقضى آخر سنوات عمره حبيساً بين أربعة جدران. 

ناضل الحامد في سبيل سعودية حرة. في عام 2003، اشترك مع عدد من كبار المفكرين والنشطاء السعوديين في توقيع عريضة "رؤية لواقع ومستقبل الأمة"، والتي طالبت بالحقوق الأساسية وبالإصلاحات السياسية، مثل الانتخابات، وفصل السلطات، ووضع حد للاعتقالات التعسفية. ومع انتشار العريضة اجتمع الحامد مع آخرين للقاء عبد الله بن عبد العزيز الذي كان حينها ولياً للعهد، والذي ادعى أنه يشاطرهم رؤاهم قائلاً لهم "رؤيتكم هي رؤيتي ومشروعكم هو مشروعي." ولكن مرت السنون، ومات الملك عبد الله دون أن يفي بوعوده التي قطعها على نفسه للحامد وزملائه. 

وفي عام 2009، ورغم اعتقاله ست مرات حتى ذلك الوقت، أسس الحامد مع آخرين جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية (حسم)، والتي غدت مؤسسة المجتمع المدني الرائدة في المملكة.

 

كانت حسم عبارة عن مشروع سياسي يهدف إلى إنجاز ما أخفقت في إنجازه الدولة السعودية لزمن طويل: التمثيل، والتنوع والديمقراطية والحرية. كانت تلك، بطرق شتى، بداية الربيع العربي في السعودية. وعلى عكس كثير من الحوارات السياسية التي كانت تجري في المملكة، كانت حسم متجاوزة بحق للاختلافات الأيديولوجية والسياسية والطائفية وحققت شهرة وقبولاً واسعين لدى مختلف قطاعات المجتمع. وفي عام 2011 وقع عدد غير مسبوق من المواطنين السعوديين عريضة تاريخية بعنوان "نحو دولة الحقوق والمؤسسات"، والتي طالبت بالالتزام بالقيم الديمقراطية والتعبير عن الحقوق والحريات. ومثلها مثل حسم، كانت تلك العريضة مؤهلة بقوة لتغيير مجرى الإصلاح السياسي داخل المملكة. 

كان الحامد صاحب نفوذ وقدرة على إزعاج منظومة الفساد في الحكم الملكي السعودي. عمل في العديد من كتبه على إعادة تفسير النصوص التي تبنى عليها النظرية السياسية الإسلامية المعاصرة وقلب رأساً على عقب الأساس الأيديولوجي الذي يأوي إليه رجال الدين المتشددين الموالين للنظام السعودي من أجل تبرير الملك العضوض والنظام السلطوي. كما أعاد الحامد تفسير العقد الإسلامي المعروف بالبيعة، وذلك للتأكيد على الحاجة إلى موافقة الطرفين في أي عقد يبرم حتى يصبح شرعياً. ومما أكسب الحامد تأثيراً كبيراً أنه أنشأ خطاباً من داخل المملكة العربية السعودية ولم يجافي الأحكام السياسية المنصوص عليها في الإرث الإسلامي ولم يتجاهل السياق المحلي، وإنما أعاد تفسير كل ذلك بشكل يعيد الاعتبار للمشاركة الشعبية في صناعة القرار، بما يمهد السبيل نحو الديمقراطية والحقوق الأساسية والحريات المدنية. 

رأت الدولة في آراء الحامد خطراً وجودياً على النظام الملكي السعودي. ولذلك قامت السلطات سعياً منها لإسكات الحامد وزملائه الذي طالبوا بالديمقراطية، بحظر جمعية حسم وإلقاء القبض على أعضائها المؤسسين وجمدت أموالهم. 

قبل أن يتعرض الصحفي جمال خاشقجي لجريمة القتل المروعة في 2018 على يد الحكومة السعودية داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، كان قد روى حكاية للجمهور حول رد فعل العائلة الملكية الحاكمة على نشر العريضة، حيث تشكلت بناء على طلب من الملك عبد الله لجنة متنفذة من بعض أفراد العائلة لدراسة الرد المناسب الذي ينبغي أن تتخذه المملكة العربية السعودية إزاء الربيع العربي، وكيف يمكن للمملكة أن تحول دون التطورات التي كانت تهز البلدان المجاورة لها. باستثناء الأمير سلمان والأمير خالد الفيصل، خلصت اللجنة إلى أنه ينبغي أن تجرى انتخابات عامة، ويتم اللجوء إلى الآليات الديمقراطية، ومنح المزيد من الحريات. إلا أن تلك العملية عطلت فجأة عندما وصل الملك سلمان إلى العرش في 2015 وسمى ابنه محمد بن سلمان ولياً للعهد، الذي بات الآن الحاكم الفعلي المطلق للمملكة العربية السعودية، مبدداً الآمال بأي تقدم نحو الديمقراطية في المملكة. 

في واحدة من آخر محادثاتي مع جمال، وصف الحامد بأنه "مانديلا السعودية" وتحسر لأن قضيته لم تحظ بالاهتمام أو السخط العالمي الذي تستحقه. وكما أن كلمات وتحركات نيلسون مانديلا حطمت نظام الأبارتيد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا فإن إرث الحامد الديمقراطي سيبقى حياً في المملكة العربية السعودية. 

عبد الله العودة
زميل مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورجتاون
واشنطن بوست
24 إبريل / نيسان 2020