قضايا وآراء

تصعيد مركّب ضد إيران

1300x600
مضى أكثر من عامين على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في الثامن من أيار/ مايو 2018، لكن رغم أحادية الانسحاب وخروج واشنطن على الإجماع الدولي، لا تبدو النتائج على المستوى الدولي وموقف بقية شركاء الاتفاق لصالح طهران، رغم عدم تنازلها أمام "الضغوط القصوى" الأمريكية، وتمسكها بالموقف ورفضها المستمر للشروط الأمريكية "التعجيزية" للوصول إلى "صفقة كبرى" ينشدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي دعا أخيرا إيران مرة أخرى إلى التفاوض بغية التوصل إلى هذه الصفقة؛ وهي صفقة لن تكون على غرار الاتفاق النووي قائمة على معادلة "ربح ربح"، بل "خسارة كاملة أو ربح عظيم".

لذلك، يأتي الرفض الإيراني المطلق لأي تفاوض مع الإدارة الأمريكية، انطلاقا من هذا الفهم للمعادلة الراهنة. وليس دافع الرفض فقط تلك التجربة المريرية التي حصلت مع تدمير واشنطن الاتفاق النووي.

موقف إيران مسنود بالقانون الدولي، وهي المنتصرة حقوقيا وقانونيا في المعركة الراهنة مع إدارة ترامب، لكن لا يترتب على هذا الانتصار الحقوقي الأخلاقي أي مردود مادي لها يخفف من وطأة تبعات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. وذلك لسبب بسيط، وهو أن العالم اليوم ورغم التحولات الكبيرة التي شهدتها الإنسانية والعابرة للحدود خلال القرن الأخير، بعد إبداع مجموعة قوانين وتطويرها تحت عنوان القانون الدولي بنسختيه العام والخاص، إلا أن العلاقات الدولية ما زالت خاضعة للغة المصالح ولغة القوة. فالحق على الساحة الدولية ما لم يكن مدعوما بهذين المحددين، يبقى ضائعا شاردا غير متحقق. وهذا ما يحصل مع الفلسطينيين طوال سبعين عاما من الاحتلال، على سبيل المثال.

واليوم بعد مرور أكثر من عامين، رغم فشل الضغوط الأمريكية في إجبار طهران على الجلوس على طاولة التفاوض، وعدم التمكن من إخضاع إيران لتنازلات "مؤلمة" في الملفات الثلاثة المثارة، أي البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والدور الإقليمي، المرتبطة بها الشروط الاثنى عشر الأمريكية، إلا أن الرئيس الأمريكي غريب الأطوار نجح مع مرور الوقت في دفع الأمور باتجاه إعادة تدويل الملف الإيراني، رغم أحادية سياساته تجاه طهران.

وما يجري هذه الأيام من تصعيد مركب ضد إيران، تشارك فيه الأمم المتحدة والدول الأوروبية، ولا سيما الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يأتي في سياق تدويل الصراع مع إيران. فالتقرير الذي نشره الأمين العام للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، بشأن اتهام إيران كمصدر للأسلحة المستخدمة في الهجمات على السعودية عام 2019، بغض النظر عن مدى صحته ووجاهته، إلا أن ذلك ليس بعيدا عن الأصابع الأمريكية لتجديد حظر تصدير واستيراد الأسلحة على إيران في مجلس الأمن، ومنع رفعه اعتبارا من الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، كما ينص عليه القرار 2231 المتمم للاتفاق النووي.

كما أن إثارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجددا موضوع موقعين قديمين، كان مطروحا قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، ودعم موقفها من قبل الترويكا الأوروبية من خلال استصدار قرار الجمعة الماضية، يظهر نجاح واشنطن في ضمّ الوكالة إلى استراتيجية "الضغط الأقصى" ضد إيران.

وفي السياق، يشير الموقف الأوروبي في الوكالة الدولية إلى تحول في السياسة الأوروبية تجاه إيران، لتنتقل إلى التماهي الكامل مع السياسات الأمريكية قولا وفعلا، بعد اتباع سياسة المواربة، أقله كلاميا وإعلاميا، ومراعاة الظاهر على مدى العامين الأخيرين بغية الحفاظ على الاتفاق النووي من جانب واحد.

التحول في الموقف الأوروبي واقترابه بشكل غير مسبوق من الموقف الأمريكي، يشي بأن أوروبا أيضا رغم بقائها في الاتفاق النووي، والدعوة للحفاظ عليها، لكنها تفكر أكثر من قبل في أكبر من هذا الاتفاق، أي نفس ما ينشده ترامب من اتفاق شامل، يغطي الملفات كافة. فيبدو أن الأوروبيين يرون في الفترة المتبقية لولاية ترامب، فرصة لتسجيل نقاط على حساب طهران في هذه الملفات، على ضوء احتمال خسارة ترامب السباق الرئاسي الأمريكي في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

إلا أن الجهود الأمريكية في الأمم المتحدة لتدويل الصراع مع طهران رغم نجاحات ذكرت آنفا، على الأغلب ستواجه مطبات وعراقيل، إذا استخدمت روسيا أو الصين حق النقض ضد تمديد حظر الأسلحة خلال الفترة المقبلة، حيث يشير الموقف الروسي إلى أن موسكو ستحبط مشروع القرار الأمريكي بهذا الصدد.

في المقابل ولمواجهة هذا الفيتو، يبدو أن الإدارة الأمريكية تفكر في الاحتماء بتفعيل آلية "فض النزاع" بين الأطراف والمنصوص عليها في الاتفاق النووي، رغم انسحابها من الاتفاق، مما يعني أنها لم تعد طرفا فيه. ورغم الإشكالية القانونية التي تترتب على هذا الأمر، إلا أن تفعيل الآلية من شأنه إعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران وإحياء القرارات الأممية السابقة (ستة قرارات) التي ألغاها القرار 2231، ومن ضمنها تمديد حظر الأسلحة.

جل التطورات تؤكد أن الاتفاق النووي أصبح جزءا من الماضي، وأنه لم يعد قائما ولا ناظما للعلاقات الإيرانية الأوروبية، وأن فرص الحل أصبحت شبه معدومة، إن لم تكن معدومة بالكامل، مما يعني أن التصعيد في مختلف الجوانب والمجالات هو سيد الموقف خلال المرحلة المقبلة.