مقابلات

باحث حقوقي يتحدث لـ"عربي21" عن الانتهاكات بمصر

مجدي قال إن هناك تصاعدا خطيرا في استخدام عقوبة الإعدام منذ 2013- جيتي

استهجن الباحث في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، عمرو مجدي، تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر بشكل كبير خلال الفترة الماضية، خاصة في ما يتعلق بتنفيذ أحكام الإعدام في العديد من القضايا السياسية والجنائية.


وقال مجدي في حوار خاص لـ"عربي21": "هناك تصاعد خطير في استخدام عقوبة الإعدام سواء من حيث عدد أحكام الإعدام الصادرة منذ 2013 وحتى الآن أو في تطبيقها"، مشيرا إلى أن "مصر تحت حكم السيسي أصبحت من أسوأ 10 دول في العالم في ما يتعلق بعدد أحكام الإعدام والإعدامات المنفذة".


وتمر مصر منذ سنوات بأوقات عصيبة في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، ولكنها أصبحت أكثر صعوبة خلال الفترة الماضية، بالتزامن مع خروج احتجاجات نادرة ومحدودة اندلعت في العديد من قرى ونجوع الريف المصري كانت الأوضاع الاقتصادية في ما يظهر من بين محركاتها.

 

اقرأ أيضا: نشطاء: ثورة يناير وشيطنة المعارضة شماعة لفشل السيسي

وجددت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، مطالبتها بوقف أحكام الإعدام في مصر، خاصة في القضايا ذات الخلفية السياسية، التي يتم الحكم بها في دوائر قضائية وصفتها المنظمات بأنها "تفتقد لشروط تحقيق العدالة".


ونفذت السلطات المصرية في يوم واحد، مطلع الشهر الجاري، أحكاما بالإعدام بحق 15 محكوما في ثلاث قضايا مبنية على اتهامات مزعومة باستخدام العنف، ما أثار موجة انتقادات واسعة، تبعتها حملات حقوقية للمطالبة بوقف تنفيذ أحكام الإعدام التي يشوبها الكثير من الشكوك حول نزاهتها وعدالتها.


وتاليا نص حوار "عربي21" مع الحقوقي عمرو مجدي:


ما هي قراءتك لقيام السلطات المصرية بتنفيذ هذا العدد الكبير من الإعدامات؟


ما حدث من إعدام 15 سجينا من الصادر بحقهم أحكام بالإعدام في قضايا ذات خلفية سياسية أمر مخيف. والملاحظ أن هذه الموجة من الإعدامات تأتي بعد الحادثة التي وقعت داخل سجن العقرب وأسفرت عن مقتل عدد من الضباط وأفراد الأمن فضلا عن أربعة مساجين، وفق رواية الداخلية.

 

هناك نمط نلاحظه في السنوات الأخيرة وهو أن السلطات تقوم بتنفيذ الإعدامات في المحكومين بالإعدام عقب الهجمات المسلحة ضد أفراد الأمن وهذا يدل على عقلية الانتقام المسيطرة على أجهزة الأمن والسلطة وليس عقلية إنفاذ القانون. عدد كبير من السجناء الذين أعدموا خلال الأسبوعين الماضيين كانوا في عنبر الإعدام بسجن العقرب الذي وقعت به الحادثة.


كيف تقيم تجربة مصر في التعامل مع السجناء في أزمة جائحة كورونا؟


السلطات تتصرف كأن السجناء غير آدميين، ولا تفصح بشفافية عن عدد السجناء، والكثافة داخل الزنازين وما إلى ذلك من الأمور التي تمكننا من فهم وتحليل الأوضاع بشكل كامل. وترفض أي رقابة مستقلة على السجون بأي شكل من الأشكال.


القانون يمنح النيابة العامة والقضاة حق تفتيش السجون وهم لا يقومون بدورهم على الإطلاق؛ نحن نعرف أن الكثير من المساجين الذين تعرضوا لانتهاكات نادرا ما تقابلهم النيابة وتحقق في شكواهم بشكل حقيقي وبالتالي إدارة السجون تفعل ما تريد في المساجين وتعاملهم أقل من البشر.


كيف ترى أوضاع السجون في مصر، وهل الإفراج عن آلاف السجناء خلال الفترة الماضية كان كافيا ومقنعا؟

 

 السجون في مصر سيئة السمعة، رديئة النظافة والأوضاع، ولا تسمح إطلاقا بالتباعد الاجتماعي، وتخلو من أساسيات الصحة العامة في زمن الوباء، السلطات تقول إنها أطلقت نحو 19 ألفا من السجناء في الفترة من فبراير وحتى يوليو الماضيين، ولكن ما نعرفه على وجه اليقين أنه لا يوجد بينهم سجناء في قضايا ذات طابع سياسي، كما نعرف أيضا أن ما هذا قطعا غير كاف، وغير كفيل بتمكين التباعد الاجتماعي، وتمكين السجناء من حياة أكثر ملاءمة وكرامة.


وبحسب أرقام الدولة وما ورد في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان فإن نسبة التكدس تصل في السجون إلى 150 المئة، وفي مراكز الشرطة 300 بالمئة، ونعرف هذا الأمر من شهادات السجناء، في بعض أماكن الاحتجاز لا تسمح مساحات بعض مقار الاحتجاز لجميع المحتجزين بالنوم في وقت واحد بل ينامون بالتناوب، وأحيانا وقوفا.


لماذا لا تتناقص أعداد السجناء في مصر؟


السلطات المصرية تتبع سياسة الباب الدوار؛ تفرج عن سجناء ويدخل آخرون مكانهم، اعتقالات سبتمبر تتحدث بعض الأرقام عن ألفين في أسبوعين فقط، وأوضاعها تبقى على ما هي عليه وهذه الإفراجات التي تحدث من وقت لآخر لا تساهم في تحسين الوضع.


ما دلالة تنفيذ هذا الكم من أحكام الإعدام في مصر ولماذا؟


مسألة تنفيذ الإعدامات أعتقد أن النظام لديه عقيدة راسخة في ما يتعلق بالانتقام، فطالما استمر قتل أفراد من الشرطة والجيش في عمليات إرهابية ومسلحة، يقومون بقتل عدد من البشر كما رأينا؛ ولذلك سوف تستمر للأسف الإعدامات.

 

إلى أي مدى باتت أزمة الوفيات داخل السجون مقلقة؟


مسألة الوفيات داخل السجون خطيرة وهناك تصاعد في أرقام الوفيات، وهي تحدث نتيجة كل الأسباب التي تحدثت عنها، تخيل أن التكدس يتسبب أحيانا في وفاة الناس إذ يؤدي لضيق التنفس، ونقل الأمراض. كما يموت بعض المعتقلين بسبب التعذيب، وكذلك - للأسف - التقاعس ورفض تقديم الرعاية الطبية الكافية للمرضى خاصة لكبار السن منهم ولا يعرضون على طبيب مستقل ونرى أن هذا النمط مستمر وشائع وواسع النطاق ولا نتحدث عن سجن أو اثنين أو مكان بعينه إنما في السجون كافة.


هذه الأحداث المتلاحقة والمؤسفة وغيرها كيف تفسد الحياة المدنية وحقوق الإنسان في مصر؟


مسألة الحياة الحقوقية في مصر معتمة، والمجتمع المدني أصبح تحت قمع مستمر ودائم؛ الكثير من المنظمات الدولية والمصرية أغلقت مكاتبها ورحلت، والبعض يعمل من خارج مصر، ومن بقي منهم اضطر للعمل تحت ضغوط مثل مراعاة الخطوط الحمراء حتى لا يتعرضوا لمضايقات، هناك أكثر من 30 شخصا في المنظمات الحقوقية ممنوعون من السفر ويمكن الزج بهم في السجون في أي لحظة.


هناك نحو 10 منظمات وسبعة من مخضرمي الحركة الحقوقية تعرضوا لتجميد أموالهم منذ 2016 وقانون المنظمات لعام 2109 يقيد عمل المنظمات ويسمح للحكومة بالتدخل في عملها والرقابة عليها. وبالنسبة لحكومة السيسي فهي تعتبر منظمات المجتمع المدني عدوها الأول بعد أن سحقت الجماعات السياسية وتخلصت من أي مظاهر للحياة السياسية؛ ولذلك لم يعد هناك أمامها غير الجماعات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني.

 

وما هي أبعاد تلك الضغوط والتقييد وانعكاسها على المواطنين؟


ما يجري له انعكاسات خطيرة ومؤثرة ليس على الحقوقيين فقط إنما على البلد والمواطنين؛ نحن نتحدث عن تدمير وتجريف الثقافة المدنية وتدمير الحاضنة الأساسية لمبادئ وأسس حقوق الإنسان والمجال المدني، ويعزز فكرة دولة اللا قانون؛ في هذا المجال الخانق يمكن فقط للمنظمات الإرهابية والداعية للعنف أن تتعايش وتستمر لأنها مصممة للعيش في هذا الحصار، لكن المنظمات المدنية والحقوقية هي منظمات تعمل في العلن وليس السر وليس من أهدافها العمل العنيف أو السري.

 

ولذا فللأسف سياسة الدولة تعزز التطرف وثقافة العنف، رأينا ما جرى ويجري في سوريا وكيف تم عسكرة الثورة؛ لأن المجتمع كان قابلا لذلك وفاقدا لأدوات التعايش السلمي وثقافات حقوق الإنسان ومفاهيم المواطنة ونفس الشيء في العراق ما بعد صدام، الأسد وصدام كلاهما أغلقا الحياة السياسية بالكامل لعقود وسحقا المجتمع المدني، كلنا نعرف ماذا كانت نتيجة ذلك.


مصر تؤكد أنها ملتزمة بتطبيق العدالة وأنكم منظمات مغرضة وأن جميع الإجراءات وفق القانون، ما تعقيبكم؟

 
حديث الحكومة المصرية عن تطبيق العدالة هو حديث لتحسين الصورة، فهي تنفق الأموال الباهظة على منظمات الدعاية العامة لتحسين صورتها ولتقديم صورة غير حقيقية عن الأوضاع التي تسير من سيء إلى أسوأ؛ ومصر تمر بأسوأ أزمة حقوقية ربما في تاريخها الحديث ومنذ زمن عبد الناصر لم تشهد هذا العدد من الصحفيين والسياسيين في السجون، وهذا العدد من الإعدامات، وهذا العدد من المواقع الصحفية المحجوبة، أذكر ما شئت في أي مجال من المجالات سواء في حقوق اجتماعية أو اقتصادية أو مدنية أو إنسانية، فالسلطات أجهزت على كل هذه الحقوق ولم تقدم للناس أي بدائل للمعارضة السلمية والتعبير السلمي عن الرأي.

 

نسبة الفقر في ازدياد حسب أرقام رسمية، وميزانيتا التعليم والصحة بلغتا في عهد السيسي أدنى نسب لهما في الموازنة العامة للبلد منذ عقود. نحن لا نتحدث عن رجل يريد غلق المجال السياسي لعمل نهضة اقتصادية كما يدعي، وإنما يريد سحق الحقوق كافة ويعرف أن استمراره في الحكم مرهون بالقبضة الأمنية وحدها بسبب غياب أي شرعية سواء من الإنجاز الاقتصادي أو التداول السلمي للسلطة.


كيف تصفون الاندماج الحالي بين القضاء والنيابة والداخلية؟ وهل تخلت النيابة عن دورها في مساندة الشعب؟

 
السلطات في كل ما سبق تستخدم الأجهزة الأمنية بالأساس وتعاونها النيابة وللأسف أصبح دورها سيئا في بصم وتمرير ما يرد لها من ادعاءات مرسلة من جهاز الأمن الوطني، هي تعطي غطاء شكليا لإيحاء أن ما يجري هو قانوني، لكن في ما تقوم أجهزة الأمن بالزج بعشرات الألاف بلا جريرة حقيقية أو ضمانات قانونية داخل السجون، نرى هذا الدور المشين.

 

هل أصبح القضاء المصري يسير على منوال الأمن الوطني والنيابة العامة؟


في ما يتعلق بالقضاء المصري فهو في أسوأ فتراته أيضا؛ المؤسسة القضائية متآكلة منذ عقود لكن على الأقل كانت هناك حركة لاستقلال القضاء وقضاة يجاهرون بمعارضة التغول على استقلالهم، وكانت هناك بعض الضمانات القانونية في عهد الرئيس مبارك.


لكن في عهد السيسي فقد أصدر حزمة قوانين قضت على البقية الباقية من استقلال القضاء، ناهيك عن فصل عشرات القضاة وهو ملف مسكوت عنه؛ الكثير منهم فصل بسبب تقارير أمنية أو لدى محاولة العمل بشكل مستقل عن رغبات السلطة التنفيذية.


بهذه الأدوات مجتمعة تم تأميم القضاء لصالح السلطة كما أنشئ ما يسمى بدوائر الإرهاب التي يجلس على منصتها عدد محدود من الأسماء "تطوعوا" للعمل في تلك الدوائر، وهم الذين أصدروا أغلب الأحكام المشينة والمرعبة دون الالتفات لقواعد المحاكمة العادلة، وهكذا اكتملت الدائرة إذ تم تدجين القضاء ليصبح أداة من أدوات القمع.

 

ما هو تفسيرك للصمت الدولي على القمع المستمر في مصر؟


هو ليس صمتا ولكن الردود والمواقف ضعيفة ولا تناسب حجم الانتهاكات وخطورة الوضع. وهناك عدة أسباب من بينها الظرف الإقليمي المتفجر في اليمن وسوريا والعراق وليبيا مع ما تبع ذلك من موجات كبيرة للهجرة إلى أوروبا. وباختصار عادت الدول الغربية لتفضيل التعاون في ملفات الأمن والهجرة كأولويات يتضاءل جوارها ادعاؤهم بدعم الحقوق والديمقراطية. على تلك الدول أن تعي أن استقرار مصر والمنطقة على المدى الطويل لن يتحقق إلا بدعم حقيقي لقضايا الحقوق والديمقراطية والحكم الرشيد لأن هذا هو الذي يقلص ويجفف منابع التطرف والأسباب العديدة للرغبة الجماعية في الهجرة وليس القمع الأمني. باختصار عليهم أن يقدموا الدعم للشعوب وليس للحكومات والأنظمة إن كانوا صادقين في ادعاءاتهم.


كيف تراجعنا لهذه النقطة بالمقارنة مع الأحلام العريضة في فبراير 2011؟


أنا من الذين يؤيدون الرأي، إن أغلب – بل ربما كل - قوى المعارضة المصرية الفاعلة أيام مبارك لم يكن لديها أجندة حقوقية حقيقية تنطوي على إصلاح حقيقي لمؤسسات الدولة بمنهجية ورؤية واضحة. تلك القوى كان لديها خطط للاستحواذ على الأغلبية والوصول للحكم وهذا بالتأكيد رغبة أي حزب سياسي في العالم، لكن في مصر كان هذا هو غاية المراد لديهم ثم كانت لديهم الرغبة في تطويع دولة مبارك لتصبح ملكهم. بمعنى السيطرة على أجهزة الدولة وليس إصلاحها. لم تكن هناك رؤية حقوقية إصلاحية حقيقية وعندما تغيب الرؤية فإن كل الانتصارات في مهب الريح.