صحافة دولية

MEE: جدل "الإسلام اليساري" يظهر مدى "انحطاط" نظام ماكرون

ماكرون فرنسا رئيس باريس- جيتي

قال موقع "ميدل إيست آي"، إن فرنسا، عادت إلى "دورة قاذورات" الإسلاموفوبيا، بعد خروج وزيرة التعليم العالي، فريدريك فيدال، للتحذير من مخاطر "الإسلام اليساري" وأنه بات "كارثة على المجتمع".

وتساءل الموقع في تقرير ترجمته "عربي21" عما إذا كانت الوزيرة، خططت عن قصد لإشعال واحد من "أكثر النقاشات تخريبا في البلاد أو لأسباب بنيوية تتعلق بامتياز خاص لها يشعرها بالثقة في ذاتها ويسمح لها بالكلام بصراحة، في ظل هجوم إعلامي على حي ترابيس الباريسي، ووصفه بأنه تحول إلى منطقة يهيمن عليها الإسلاميون".

وفي ما يلي النص الكامل للتقرير:


عندما ظهرت وزيرة التعليم العالي في فرنسا فريدريك فيدال على قناة سي نيوز الأحد الماضي لتحذر من مخاطر "الإسلام اليساري"، قد يتساءل المرء عما إذا كانت قد خططت عن قصد لإعادة إشعال واحد من أكثر النقاشات تخريباً في البلد أو – لأسباب بنيوية تتعلق بما لديها من امتياز خاص – شعرت بما يكفي من الثقة بالذات ليسمح لها بأن تتكلم بصراحة.

على أية حال، ها قد عدنا الآن إلى دورة قاذورات الإسلاموفوبيا. فقد كُرس الأسبوع الماضي لإثبات كيف أن ترابيس، الحي الشهير في ضواحي باريس الغربية، تحول بزعمهم إلى منطقة يهيمن عليها الإسلاميون، نظراً لأن عمدتها الذي انتخب مؤخراً، واسمه علي رابح، كان من وجهة نظر اليمين المتطرف لا يعمل ما يكفي (لمنع الأخبار الكاذبة العنصرية، على الأغلب).

لقد غدا عبر السنين عنوان التصريح الأكثر سوءاً والأشد جهلاً وعنصرية واستقطاباً في ما يتعلق بالإسلام والمسلمين في فرنسا هو المؤهل الأكثر طلباً.

في نفس الوقت، تخفق نخبتنا السياسية في حل أكثر القضايا إلحاحاً، مثل أزمة الصحة الكبيرة، ومحاربة البطالة، والقضاء على الفقر الجماعي أو وضع حد للتمييز البنيوي. بل وفشلوا أيضاً في أن يؤخذوا بشكل لحظي من الحشمة، وبقوا ببساطة صامتين، بينما هم أعجز من أن يقدموا أي مساهمة مفيدة.

ولذلك حينما تمت دعوة فيدال للظهور في برنامج قناة سي نيوز، لا ريب أن مستشارها للعلاقات العامة الذي كان مدركاً كم كانت الوزيرة مبتذلة سياسياً ربما قال لها بأن تحسن استغلال المقابلة.

وهذا تماماً ما فعلته. فعندما طلب منها مضيفها جان بيير إلكباش التعقيب عما إذا كان "اليسار الإسلامي يتفشى في الجامعات"، بينت له أن "اليسار الإسلامي في الواقع يتفشى في المجتمع كله." فمضى مضيفها ليسأل عما إذا كانت فيدال تشمل ضمن من تنتقدهم أولئك الذين "يربطون ما بين العرق والجندر والوضع الاجتماعي" فأكدت قائلة: "قطعياً."

وعندما زعم إلكباش وجود "تحالف ما بين ماوتسي دونغ وآية الله خميني" أعربت فيدال عن موافقتها قائلة: "أنت محق في ذلك."

وفي النهاية طالبت بإجراء تحقيق على مستوى الوطن في قضية تغلغل "اليسار الإسلامي" في القطاع الأكاديمي الفرنسي، مما أثار على التو رد فعل هائل من قبل اتحادات الطلاب وعلماء الاجتماع وكبار المسؤولين في إدارات الجامعات. والفكرة الأساسية هي أنه من خلال تحطيم الأداة التي يقوم بواسطتها العلم من التعرف على الأشكال البنيوية للعنصرية وعلى الإشكالات الناجمة عنها، فلن يظهر الزعماء السياسيون من بعد ذلك على حقيقتهم بينما يستمرون في استغلال العنصرية واستخدام النضالات الاجتماعية والاقتصادية لصالحهم.

وضع إدارة الأزمة

بحلول صباح الاثنين كانت الوزارة بأكملها في وضع إدارة الأزمة. فقد تجاوز الحدود ما كان من المفترض أن يشكل فرصة للمشاركة في الحوار الدائر والمناهض للمسلمين، وذلك أن المعلقين بدأوا ينتبهون من غفلتهم ليروا حقيقة أن اعتبار الإسلام مشكلة وتجريم الآراء الفكرية والسياسية، والتعدي على الحريات الأساسية والأكاديمية سيعود في نهاية المطاف بالضرر على الجميع.

ويوم الأربعاء نشر المركز الوطني للأبحاث العلمية في فرنسا بياناً صحفياً يشرح فيه كيف أن مصطلح "الإسلام اليساري" لا يوجد له أي أساس علمي. وعلق على ذلك جان شامباز، رئيس جامعة السوربون، قائلاً: "إن من السهل لوم حركة أيديولوجية غير محددة المعالم وتحميلها المسؤولية عن القضايا الاجتماعية في البلد" مشيراً إلى أن الحكومة كانت "تسعى للتوجه نحو قطاعات من الرأي العام تبعث على الغثيان."

دعا أكاديميون بارزون وشخصيات سياسية فيدال إلى الاستقالة، وكما لو أن ذلك لم يكن فيه الكفاية، بادر التجمع الوطني اليميني بتهنئتها على موقفها من "الإسلام اليساري."

ما كان مثل هذا الحوار ليحصل لولا عاملين. أما الأول فهو دور الإعلام، إذ أنه منذ عدة سنوات وحتى الآن كرست قناة سي نيوز نفسها لجمهور يتشكل من أتباع أعتى الأيديولوجيات العنصرية، يتدفق عبرها سيل دائم من المعلقين المنتمين إلى تيار اليمين المتطرف والخبراء المختصين بنظريات المؤامرة المعادية للمسلمين، أدين العديد منهم بالتحريض على الكراهية. تفتخر قناة سي نيوز بأنها غدت النسخة الفرنسية من قناة فوكس نيوز.

وكثيراً ما تنهج سبيلهم وسائل الإعلام الأخرى، فتنظم المناظرات حول كل ما يتعلق بالإسلام، مثل ما إذا كان ينبغي حظر غطاء الرأس داخل الجامعات، وكيف يمكن التحكم بالمنظمات الإسلامية والسيطرة عليها، أو ما إذا كان ينبغي حظر المدارس الدينية. وبذريعة التعبير عن مختلف الآراء، تضع وسائل الإعلام مثل هذه القضايا في أطر يحددها اليمين المتطرف. وبالطبع، يستحيل أن يحصل المرء على المعرفة إذا ما كان ينطلق من فرضيات خاطئة.

تطبيع الإسلاموفوبيا

والعامل الثاني هو تطبيع الإسلاموفوبيا. فكثير من المعلقين الذين انتقدوا مزاعم فيدال، وكانوا محقين في ذلك، لم يصدر عنهم مثل ذلك النقد عندما كانت العملية المدمرة تستهدف المفكرين المسلمين والمنظمات الإسلامية وزعماءها، والذين يوصمون بأنهم "إسلامويون"، بالضبط لنفس الأسباب التي من أجلها يوصم علماء الاجتماع الذين لا يقرون أجندة اليمين المتطرف الآن بأنهم أتباع "الإسلام اليساري". ينبغي أن يذكرنا جميعاً هذا الأمر أنه يتوجب علينا التضامن عندما تتعرض أي أقلية أو مجموعة من الناس للتشهير حتى لو لم يؤثر ذلك علينا بشكل مباشر أو شخصي.

تشكل خطة الحكومة للسيطرة على المسلمين، وقانون الانفصالية والطريقة التي يجرم بها المسلمون والمنظمات المناهضة للإسلاموفوبيا – بدون رد فعل كبير من قبل الأصوات التقدمية – تهديداً للحريات الأساسية.

وفي مسعى لتنفيس الاحتقان الناجم عن ذلك الوضع، ظهرت تسريبات، في الوقت المناسب، تزعم بأن الرئيس إيمانويل ماكرون مختلف مع فيدال – رغم أنه هو نفسه ذكر في شهر يونيو / حزيران 2020 بأن الوسط الأكاديمي هدف سياسي.

إذن، أنى لنا أن نفهم حكومة تخفق في التعاطي مع ظاهرة الفقر المتفشي ولكنها تسارع بالخروج بجدل عنصري جديد كل أسبوع؟ كيف يمكن لنا أن نعرف حكومة انتخبت من أجل إلحاق الهزيمة بالتجمع الوطني ولكنها تزعم بأن الحزب اليميني المتطرف ليس صارماً بما فيه الكفاية في موقفه المناهض للمسلمين؟

كيف يمكن أن نفهم استراتيجية ماكرون، والتي لا يبدو أنها استراتيجية على الإطلاق، ما لم يكن الهدف هو القضاء على ما تبقى من مثل فرنسية وتمهيد الطريق أمام زعيمة التجمع الوطني مارين لو بان لكي تحقق نصراً إذ تصبح المنافس الرئيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

الشيء الوحيد المؤكد هو أن نظام ماكرون انكشف على حقيقته، ولا يمكن للاستثنائية الثقافية الفرنسية أن تبرر ذلك.