قضايا وآراء

واقع السياسة السودانية: ابن خلدون ما بين جامعة الخرطوم والكلاكلة!

1300x600
(1)
شهد يوم الأربعاء الماضي (٢٤ شباط/ فبراير ٢٠٢١م) حدثان مهمان في الخرطوم، نتوقف عندهما بهدوء، الأول: تدشين رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك برنامج ثمرات لدعم الأسر بمنطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، بكل ما لهذا البرنامج من أبعاد اقتصادية ودلالات سياسية ومؤشرات اجتماعية، فهو جزء من منظومة البنك الدولي ووصفاته، وهو إشارة لتعزيز المنظور السلبي بالدعم المباشر للمواطن بدلا عن دعم العملية الإنتاجية وتمكين لمؤسسات مالية ودولية من دقائق المجتمع السوداني؛ ومع ذلك شحيح الفائدة (خمسة دولارات للفرد) وبدأ في حي واحد من بين ١٩٧٧ حيا آخر في الخرطوم وحدها. ونستصحب مع ذلك التفاعل الشعبي والجماهيري ومحاصرة مواكب د. حمدوك بالهتاف الغاضب من المواطنين، وخروج سيارات رئيس الوزراء بصعوبة من حصار الجمهور.

أما الحدث الثاني: فهو اللقاء الفكري الذي استضافته جامعة الخرطوم في مساء ذات اليوم، وفرش السجاد الأحمر لاستقبال د. عبد الله حمدوك. وقد غرد د. حمدوك بأن اللقاء يهدف "لبناء أوسع تكتل اجتماعي وسياسي لتحقيق الانتقال الديمقراطي".. فأي الموقفين أكثر تعبيرا عن الواقع؟ وأيهما يكشف حقيقة الراهن السياسي؟

(2)
لقد عرّف المفكر الاجتماعي عبد الرحمن بن خلدون منذ القرن الرابع عشر الميلادي؛ الدولة بأنها "كائن حي له خصوصيته"، كما أسس لعلم الاجتماع من خلال استقراء الوقائع من الماثل ومن خلال المعايشة واستطلاع الآراء. وتلك رؤية تأسس عليها علما الاقتصاد والاجتماع.. فأي الحادثتين أقرب لهذه البديهية؟ حركة المجتمع وتفاعله ضد سياسات الحكومة وتوجهاتها الاقتصادية والسياسية، أم لقاء بارد من أشتات مجموعات فكرية وتيارات حزبية، بعيدة عن الفعل اليومي وحياة الناس..؟

(3)
من الواضح أن د. حمدوك ووفق خطة مسبقة، يعمل على تعزيز وتمكين واقع رؤية معينة، وهو بذلك غير عابئ بتفاعلات وردود فعل المواطنين إلا بالقدر الذي يتوافق مع طرحه، يستعين لذلك بتحالفات مرحلية مع مجموعات أكاديمية وحزبية وتيارات فكرية، في واحدة من أكثر المناورات التاريخية في بلادنا، وقد ساعده على ذلك إسناد خارجي بمسارات عديدة. ولقد كان مهما في هذا اللقاء الفكري حضور السفير عمر الشيخ، منسق البعثة الأممية (يونتاميس)، فهذه واجهة الانتقال الجديد.

ويبقى السؤال: هل استغنى د. حمدوك عن مجموعة قوي التغيير ويبحث عن مظلة جديدة؟..

وهل شعر بالضيق من مجلس الشركاء وهو ضامن الانتقال الديمقراطي، كما جاء فى وثيقته؟..هذا وجه آخر للقصة..