سياسة تركية

ماذا وراء دعوة واشنطن لأنقرة للعب دور في الأزمة الأفغانية؟

أكد المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" استعداد أنقرة للمشاركة في أي وساطة في أفغانستان- جيتي

عاد مسار السلام الأفغاني إلى زخمه السابق في الأيام الأخيرة، بعد تعثر "دموي"، ومخاوف من انهياره، على خلفية الغموض بشأن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة جو بايدن، من المكتسبات التي تحققت خلال فترة سلفه دونالد ترامب.

وجاءت الجهود المتجددة في إطار تجديد روسيا دعوتها لطرفي الصراع، الحكومة في كابول وحركة طالبان، لمؤتمر في موسكو، لكن الأبرز هذه المرة تمثل في طلب واشنطن من أنقرة لعب دور في هذا المشهد.

فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قبل أيام، حرص بلاده على تنفيذ الانسحاب من البلد المضطرب، مشيرا إلى خارطة طريق تلعب فيها تركيا دور الوساطة، وهو ما تفاعلت معه الأخيرة بإيجابية.

ويطرح ذلك تساؤلات حول خلفيات الحضور التركي، وقدرة أنقرة على الدفع بالعملية إلى الأمام وكسب ثقة جميع الأطراف، ودوافعها للانخراط في الملف، وخلفيات الموقف الأمريكي.

وفي حديث لـ"عربي21"، قال "تولغا ساكمان"، رئيس مركز الشؤون الدبلوماسية والعلاقات الدولية (ديبام)، في إسطنبول، إن التوجه الجديد يأتي في إطار البحث عن "انطلاقة جديدة" بعد التعثر في الأمتار الأخيرة لمسار محادثات الدوحة.

وأضاف: "من الواضح أن لتركيا موقعا أكبر في أفغانستان مع دور نشط عسكريا في قوة المساعدة الأمنية الدولية (ISAF) ومهمة دعم الاستقرار (RS)، حيث يرتبط نشاط تركيا في أفغانستان بكل من القوات المنتشرة والقدرة على إدارة القيادة في تلك المبادرات التي يقودها الناتو والتي تضمن السلام جزئيا في المنطقة".

 

اقرأ أيضا: بلينكن يحدد موعد الانسحاب من أفغانستان.. وتعليق من واشنطن

وبالنظر إلى الحضور الحقيقي لتركيا على الأرض، والأدوار التي تلعبها، وتشمل الجانب العملياتي، فإن إجراء المحادثات لديها من شأنه أن يفسر على أنه بادرة حسن نية للحصول على نتائج دقيقة، بحسبه.

إضافة إلى ذلك، بحسبه، فإن تركيا تتمتع بدبلوماسية عالية تمكنها من التواصل مع مختلف الأطراف بفعالية وإيصالها إلى قاعدة مشتركة.

وبشأن الموقف الأمريكي، قال ساكمان إن واشنطن وأنقرة لم تتواصلا بعد بهذا الخصوص، لكن رغبة الولايات المتحدة بحضور تركي "موقف جدير بالملاحظة".

"بين الغرب والشرق"

وأوضح الخبير التركي أن "التعقيد المتزايد للعلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف في المنطقة، التي يمكن أن نصفها بآسيا الوسطى الكبرى، يغذي بشكل خاص المصالح عبر الأطلسي".

وتابع: "ستكون تركيا الدولة الأقل استخداما للقوة للتأثير على المنطقة من بين البدائل"، في إشارة إلى الأطراف الإقليمية المهتمة بالملف الأفغاني.

وحول أسباب اهتمام أنقرة بلعب هذا الدور، قال ساكمان: "تعتبر سياسة وسط وجنوب آسيا حاليا المشروع الأكثر نشاطًا في تركيا. التقارب السريع مع جمهوريات آسيا الوسطى التركية وباكستان هو التطور الملحوظ في الفترة الأخيرة".

وأضاف: "على وجه الخصوص، السياسات المشتركة التي تمت صياغتها مع باكستان مؤخرا تلفت الانتباه إلى سيناريو مستقبلي متعدد الأبعاد".

وبشكل عام، بحسبه، فإن المجتمع الدولي يراقب تلك "الحركة الآسيوية الجديدة والمتجددة لتركيا. هذا التقارب بين تركيا، وهي جزء من الغرب، مع الدول الآسيوية المذكورة أعلاه، والقدرة على التعاون على مستوى يمكن أن يعمل بشكل جماعي، يكشف عن قدرتها على الصعيد العالمي".

وختم بالقول: "تعتبر كل من الدول الإقليمية والقوى العالمية أن تركيا، بسياستها الخارجية الموجهة نحو قواعد الهوية الثقافية، يمكنها أيضا أن تلعب دورا نشطًا في دعم السلام" بمناطق مختلف، بما فيها أفغانستان.

والأحد، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن بلاده تدرس انسحاب كامل قواتها من أفغانستان بحلول الأول من أيار/ مايو المقبل، مؤكدا أن بلاده لم تستبعد أي خيار فيما يتعلق بأفغانستان.

وفي رسالة إلى الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، قال بلينكن إن بلاده تقوم "بمجهودات رفيعة المستوى مع الأطراف المعنية ومع الدول الإقليمية والأمم المتحدة، وتشمل هذه الإجراءات عدة خطوات".

وتتضمن الخطوة الأولى التي أوضحها بلينكن أن تعقد الأمم المتحدة اجتماعا لوزراء خارجية ومبعوثين من روسيا والصين وباكستان وإيران والهند والولايات المتحدة لمناقشة نهج موحد لدعم السلام في أفغانستان.

ثم أشار في الخطوة الثانية إلى ضرورة مشاركة المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، مقترحات مكتوبة مع الرئيس الأفغاني وقادة طالبان، والتي تهدف إلى "تسريع المفاوضات التي تتعلق بالتسوية ووقف إطلاق النار".

 

اقرأ أيضا: تركيا تعلن استعدادها للوساطة بين أطراف النزاع الأفغاني


وأضاف المسؤول الأمريكي أن "هذه المقترحات تعكس بعض الأفكار المطروحة في خارطة الطريق لعملية السلام".

وعن الخطوة الثالثة، قال بلينكن: "سيُطلب من تركيا استضافة اجتماع رفيع المستوى للجانبين خلال الأسابيع المقبلة، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام".

وحث بلينكن الرئيس الأفغاني أو "المعني بتمثيله" على حضور الاجتماع.

وأخيرا، أوضح بلينكن أن "الولايات المتحدة أعدت مقترحا لخفض أعمال العنف لمدة 90 يوما، والذي يهدف إلى منع هجوم الربيع من قبل طالبان بالتزامن مع جهودنا الدبلوماسية لدعم تسوية سياسية بين الطرفين".

وطلب الوزير الأمريكي من الرئيس الأفغاني "التفكير بشكل إيجابي" في مقترح الحد من العنف.

والثلاثاء، أكد المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، عمر تشيليك، استعداد أنقرة للمشاركة في أي وساطة تساهم في إحلال السلام بأفغانستان والمنطقة.

واعتبر تشيليك أن "تركيا هي الدولة الأنسب لتكون وسيطًا لحل النزاع في أفغانستان، وذلك لما لديها من قدرة دبلوماسية كبيرة، ومستعدون لأية وساطة من أجل المساهمة في إحلال السلام بذلك البلد، والمنطقة".

وتابع قائلا: "فدبلوماسيونا يقومون بالوساطة في مناطق جغرافية بعيدة في أنحاء متفرقة من العالم، ومن ثم فإن تركيا هي الوسيط الذي يتم البحث عنه، فهي وسيط يمكن الوثوق به، وما أذكره بخصوص هذه الاقتراح، أقوله من حيث المبدأ، أما الفنيات وطريقة التنفيذ، فهو موضوع مرتبط بالتقييم الذي ستقوم به وزارة خارجيتنا".

وبوساطة قطرية انطلقت في 12 أيلول/ سبتمبر الماضي، مفاوضات سلام تاريخية في الدوحة؛ بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" بدعم من الولايات المتحدة؛ لإنهاء 42 عاما من النزاع المسلح.

وقبلها أدت قطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن و"طالبان"، التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي أواخر شباط/ فبراير 2020، لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.