قضايا وآراء

كي لا يكون الشمال حديقة خلفية للالتفاف على عقوبات قيصر

1300x600
نجحت روسيا خلال نصف العقد الماضي بتطبيق سياسة الخطوة خطوة المستلهمة من وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في السبعينيات. وبغض النظر عن مسلسل المفاوضات والاتفاقيات بين المعارضة السورية والجانب الروسي منذ أستانة إلى سوتشي وما بعدهما، وتقليص نفوذ الجغرافيا على الثوار في سوريا تحت عنوان خفض التصعيد في درعا إلى ريف دمشق، فريف حمص وما بعدها، نرى سعياً روسياً دؤوباً في إغلاق حنفية الدعم الإنساني على المحرر، ففي عام 2015 كان هناك خمسة معابر إنسانية.

ومع المساعي الحميمة الروسية في كل تموز/ يوليو من كل عام، نجحت بالتصويت المزدوج مع الحليف الصيني في العام الماضي في حصرها بمعبرين فقط، وهما معبر باب السلامة ومعبر باب الهوى. وفي تموز/ يوليو الماضي نجح التصويت المزدوج نفسه في إغلاق معبر باب السلامة الذي يسيطر عليه الجانب التركي وحلفاؤه في المناطق السورية المحررة، ليبقي حنفية معبر باب الهوى فقط للمحرر.

لا يشكل الدعم الروسي سوى واحد في المائة من الدعم الإنساني العالمي للأمم المتحدة للنازحين في سوريا؛ الذين دُمرت بيوتهم وأسواقهم وقطعت أرزاقهم ثم شردتهم روسيا وحليفتها إيران، إما على شكل لاجئين في الدول المجاورة أو على شكل نازحين داخل الأراضي السورية، بحيث بلغ عددهم مجتمعين اليوم 12.5 مليون نسمة. ومع هذا فلها حق التصويت مائة في المائة على وقف من يقدم دعماً بمقدار 99 في المائة، على الرغم من أن نسبة المنافذ السورية مع الدول المجاورة والخاضعة لسيطرة العصابة المدعومة روسياً لا تتجاوز 15 في المائة فقط من نسبة المعابر المسيطر عليها من خارج العصابة.

مناسبة الحديث هو ما نشرته وكالة تاس الروسية بأن الجانب الروسي اقترح على الجانب التركي فتح ثلاثة معابر لتتدفق المساعدات الإنسانية من خلالها للعصابة في دمشق، لكن عبر مناطق الشمال المحرر، بعد أن حوصرت العصابة اقتصادياً بشكل كبير نتيجة عقوبات قانون قيصر الذي فرض الحصار عليها وهدد بعقوبات اقتصادية على كل من يتعامل معها.

وتتسلح روسيا في هذا بقرب التصويت على استمرار فتح معبر باب الهوى أمام المساعدات الإنسانية لأربعة ملايين سوري. ففي شهر تموز/ يوليو من كل عام ثمة سيف ديموقليس روسي مسلط على رقاب الشعب السوري بابتزازه للخضوع والإذلال، فمن تحرر من دبابات وطيران وبراميل وكيماوي الاحتلال يجد نفسه كل عام أمام حق النقض الروسي في محاربته بمساعدات هدفها مجرد إبقائه على قيد الحياة.

وكان منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة مارك لوكوك قد صرح بأنه إذا استخدمت روسيا حق النقض في تموز/ يوليو المقبل، فإن الأزمة الإنسانية في شمال سوريا ستتحول من واقع رهيب إلى واقع كارثي.

الكرة الآن في الملعب الأمريكي والغربي تحديداً، لا سيما بعد أن فرضت واشنطن عقوبات قيصر على كل من يتعاون مع العصابة، ومن ثم فعلى واشنطن أن تكون مستعدة للرد الروسي لا سيما بعد وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي بالقاتل وبلا روح، ورفض اللقاء معه. فمثل هذا التصعيد الأمريكي سيدفع ثمنه الشعب السوري الذي تحولت أرضه إلى صندوق بريد بين القوى المتصارعة (روسيا وأمريكا أو إسرائيل وإيران والصين وأمريكا).

ولذا فعلى السوريين ومؤيدي الثورة ألاّ يخضغوا للابتزاز الروسي السريع بفتح معابر على العصابة في دمشق، فإن مثل هذا الفتح السريع سيُغري موسكو بالتأكيد لاحقاً بالتصويت على إغلاق معبر باب الهوى في تموز/ يوليو المقبل، لتطالب بفتح معبر تجاه العصابة أملاً في شرعنتها من خلال التعامل معها أممياً، وحينها تكون قد فرضت تعاطياً دولياً على انتخابات هزلية تستعد لها في دمشق، فضلاً عن التفافها على عقوبات قيصر، لتخنق الشمال المحرر، وتمسك برقبته إنسانياً بعد أن أمسكت به عبر طيرانها وصواريخها البالستية التي لم تتوان عن قصف حراقات بدائية لتكرير النفط أو مخازن غذائية لمنظمات إغاثية تابعة لحليفها التركي.

الخيار الأمريكي اليوم واضح في تحرك وزير الخارجية أنتوني بلينكن بترؤسه لجلسة مجلس الأمن الدولي الاثنين المقبل لبحث الوضع الإنساني في سوريا، بالإضافة إلى أن الخيارات أمام أمريكا ليست بالقليلة ويمكن حصرها على الأقل بأمرين رئيسيين؛ وهما قدرة واشنطن مع حلفائها على القيام بخطة طارئة لتقديم مساعدات خارج نطاق الأمم المتحدة، لكن بالتأكيد لن تكون كافية للوضع الإنساني في سوريا، أو قيام بايدن نفسه بتدخل مباشر لدى بوتين كما فعل أوباما عام 2014 يوم أصر بوتين على عدم التصويت فصوّت تحت اتصال أوباما.

وتبقي بأيدي الأمريكيين والأوربيين أوراق قانونية دولية محرجة ومدينة لروسيا؛ وهي أولاً حمايتها الأسد الذي أدين أخيراً بوثائق أكثر مما أدانت النازيين في نورمبرغ، وثانيا توثيق الأمم المتحدة في تقاريرها الأخيرة لقصف روسيا المشافي والأسواق والمدارس، وهي قضايا بالإمكان إشهارها بوجه روسيا.

أخيراً، لن يكون الشمال السوري المحرر حديقة خلفية للالتفاف على عقوبات قانون قيصر، ومئات الآلاف من العائلات النازحة والمشردة ظهرت صور أبنائها ضمن صور قيصر لضحايا التعذيب حتى الموت، وكثير منها لا يزال أبناؤها في مسالخ السجون الطائفية، والكثير منها تعرضت لحملات تجويع دفعتها إلى أكل لحوم القطط والكلاب والحشائش يوم حصار ريف دمشق وحمص.