حول العالم

فتى يكشف سر تعلقه بالصيام وتحفيز أمه اللادينية على ذلك

صعقت الأسرة من قراره المفاجئ الذي بدأ بتطبيقه فوراً دون الرجوع إليها- جيتي

كشف فتى سوري يقيم في هولندا، سر تعلقه بالصيام في رمضان، وتشجيعه لوالدته اللادينية على الصيام معه.

 

ونقلت هيئة البث البريطانية" بي بي سي"، في تقرير، عن جوليان (اسم مستعار) البالغ من العمر 13 عاما، قوله: "عندما بدأت بالصيام وأنا في سن التاسعة من عمري، شعرت أسرتي بالصدمة من قراري، وحاول والداي منعي، لكنني لم أتراجع عن ذلك لأنني كنت وما زلت مقتنعاً بذلك".

 

ويصر الطفل جوليان، على الصيام رغم لادينية والدته وإلحاد والده ومعظم أقاربه وتعرضه في بعض الأحيان للسخرية من قبل المحيطين به.

 

لم يكن جوليان تجاوز الخامسة من العمر عندما اضطرت أسرته المكونة من والديه وشقيقته إلى ترك مدينة حلب إلى كردستان العراق ومنها إلى تركيا، هربا من الحرب الدائرة في سوريا، ووصولهم أخيرا إلى هولندا في عام 2016.

لا يتذكر جوليان إلا القليل عن جيرانه ومدينته وطقوس شهر رمضان. ويتذكر "كيف كانت جدته هي الوحيدة التي كانت تصوم شهر رمضان، وكيف كانت تخلق جواً مميزاً خلال هذا الشهر وخاصة مائدة الإفطار الغنية بالأطباق المختلفة".

وعندما استقر في مدرسة الحي الابتدائية في هولندا، قبل ما يزيد على الأربع سنوات، تعرف إلى زميل له في الفصل الدراسي يدعى محمد، الذي سرعان ما أصبح من أقرب أصدقائه.

لاحظ جوليان وقتها امتناع صديقه عن الطعام والشراب في المدرسة وعلم منه أنه صائم وأن "الصيام يقرب الإنسان من الله ويرضيه" بحسب قوله.

وأوضحت والدته: "في أحد الأيام، عاد من مدرسته وأخرج وجبته المدرسية من حقيبته معلناً أنه صائم مثل صديقه محمد".

صُعقت الأسرة من قراره المفاجئ الذي بدأ بتطبيقه فوراً دون الرجوع إليها.

حاول والداه ثنيه عن ذلك، وخاصة والده الملحد "خوفاً على صحته ودراسته من جهة ولأنهم أسرة غير ملتزمة بالأديان من جهة أخرى" بحسب قول الأم.

لكن جوليان، لم يتراجع عن قراره وتمسك به بشدة، فحاولت والدته التوصل إلى حل وسط، واتفقت معه أن يصوم حتى فترة الظهيرة وأن يتناول وجبته المدرسية التي كانت تعدها له كل يوم.

يقول جوليان: "لم أشأ أن أزعج والداي، في البداية كنت أتظاهر بأنني أتناول وجبتي المدرسية، لكنني في الواقع كنت أطعمها للبط في الحديقة المجاورة أثناء عودتي من المدرسة إلى المنزل، لكنني شعرت بأنني أرتكب خطأ ما لأنني كنت أكذب بشأن الوجبة، لذا فقد طلبت من والدتي صراحة ألا يجبروني على الكذب وقلت لهما إنني أرمي وجبتي للبط كل يوم".

وأوضح: "كنت قد قررت أن أصوم للتقّرب من الله وإرضائه، فكيف لي أن أكون مقرباً منه وأنا أكذب!".

الأم قررت تقبل الأمر


رأت الأم التي تقرأ جيداً وتهتم كثيراً بأساليب التربية الحديثة، أن ابنها قد يضطر إلى الكذب وتكون هي وزوجها السبب، وبعد تفكير قررت تقبل الأمر رغم أنها لم تكن مقتنعة، لكنها أرادت الحفاظ على براءته وصراحته وعدم دفعه نحو مستنقع الكذب، بحسب وصفها.

وقررت أمه أن تكون داعمة لطفلها لئلا يفقد ثقته بنفسه ولكي يجرب الأشياء بنفسه، أما زوجها، فيراوده شعور بعدم الارتياح من خطوة ابنه إلى جانب الخوف من "أن يتطور الوضع وينزلق ابنه في المستقبل نحو التشدد".

إلا أن جوليان طلب من والده بلطف معاملته بالمثل، "فكما أنني لا أتدخل في معتقداتك، فعليك أنت أيضاً احترام ما أؤمن به، فالقناعات لا توّرث من الآباء بل إننا نتعلمها ونقتنع بها في الحياة".

تحدّ أم قناعة


تقول الوالدة إن جوليان تلميذ متفوق جداً ومحبوب في المدرسة، وكلما كان يحاول والده تحذيره من مخاطر الصيام على صحته ودراسته، كان يثبت له العكس ويجتهد ويأتي بدرجات كاملة في الفصل الدراسي.

وتضيف أنه في أحد الأيام وبعد فترة قصيرة من وصولنا إلى هذا البلد، طلب معلموه مقابلتنا أنا ووالده لمعرفة سر تميزه وحصوله على العلامات الكاملة متفوقا بذلك على جميع زملائه الهولنديين. كانوا يظنون أننا نحن من نشرف على تعليمه وأننا أساتذة مخضرمون، لكننا وقتها، كنا ما زلنا في مرحلة تعلم اللغة الهولندية.

إصرار


علم والد جوليان من والد صديق ابنه، أنهم لا يسمحون لطفلهم بالصوم كامل النهار بل يفطرونه فور عودته من المدرسة، لأنه طفل صغير لا يقوى على الصوم لمدة 16 ساعة. فعاد الوالد إلى المنزل ليواجه ابنه بالحقيقة، وأخبره أن صديقه الذي يقتدي به، لا يصوم في الحقيقة إلا بضع ساعات في اليوم.

يقول جوليان: "تفاجأت بما قاله والدي، لكن ذلك لم يؤثر على صداقتي به، فهو صديق لطيف وأحبه ولم أنزعج منه، ربما لا يستطيع الصوم كامل النهار لكنني أستطيع ومقتنع بما أقوم به، لذا فلم يتغير موقفي من الصيام".

وتقول والدته إنه عاد في أحد الأيام وسقط أرضاً من شدة التعب والعطش، وعندما أسقيناه ماءً، وعاد إلى وعيه، شعر بالانزعاج لأننا فطرناه وأبطلنا صيامه لذلك اليوم.

ولا تخفي والدته مدى استغرابها ودهشتها من قوة شخصية طفلها وسلوكه المعارض واستقلالية أفكاره التي اكتشفتها فيه في تلك التجربة. تفاجأت بمواقفه غير القابلة للتنبؤ، وبدأت تتساءل في قرارة نفسها: ما الذي يجعل هذا الطفل متمسكاً برأيه رغم تعرضه للسخرية والانتقاد تارة وشعوره بالجوع والعطش تارة أخرى؟

 

الأم تشاركه الصيام

شعرت الأم بالذنب تجاهه، لأنه كان وحيدا في مواجهة هذه الانتقادات، وقررت أن تتضامن معه وتصوم وتحضر مائدة رمضانية غنية بأصناف الأطباق السورية المشهورة ليعيش الأجواء الحقيقية في هذا الشهر.

يقول جوليان: "عندما بدأت أمي تصوم معي، شعرت بارتياح كبير وثقة بنفسي وقوة أكبر لأننا أصبحنا اثنين في مواجهة المعترضين على صيامي".

في البداية، أرادت الأم القيام بذلك لكي لا يفقد ابنها ثقته بنفسه وتزيد في استقلاليته لتمكينه من مواجهة التحديات التي قد يواجهها في حياته..

 

الأم غيرت من تفكيرها

لكنها تقول إن صيامها للعام الثاني، جعلها تفكر بهدوء وعمق أكثر في فكرة وجود خالق، وخاصة بعد أن تجاوزت صعابا وتحديات كثيرة في حياتها.

"اكتشفت أن الصيام يقربني من الله، الذي فجأة، أردتُ أن أعرف عنه الكثير، وأنهي مقاطعتي له، أو ربما أردت أن أخرج من حالة اللاإيمان إلى الإيمان لأن الإحساس بوجود من يسمعني ويراقبني ويساعدني ويحميني عند الشدائد، شعور مريح، لكنني ما زلت أبحث، فأنا الآن في وسط الطريق، لا أعلم ما يخفيه المستقبل لي".

 

الأب قبل بقرارات ابنه.. والأخت تتضامن

مع مرور الوقت، توقف زوجها عن محاولات إقناع جوليان بعدم الصوم ورضي بقرارات ابنه وخاصة بعد أن انضمت الأم إليه ولاحقاً شقيقته، التي تصوم في بعض الأحيان تضامنا معهما لكنها ليست ملتزمة كشقيقها "فهي الآن في مرحلة التعلم حول أصل الإنسان والتناقضات في الروايات الدينية والعلمية".


ويقول جوليان: "لا أعرف إن كنت سأصبح شخصاً متديناً أم لا في المستقبل، وكل ما أعرفه هو أنني الآن مقتنع بما أقوم به وأشعر بالراحة النفسية والتقرب من الله لأنني أصوم".