صحافة دولية

الغارديان: أحداث غزة والقدس تحيي المقاطعة الدولية لإسرائيل

تعود حركة المقاطعة إلى الواجهة مع كل تصعيد من الاحتلال تجاه الفلسطينيين - أ ف ب

قال الناشط الفلسطيني عمر برغوثي، المدافع عن حقوق الإنسان والمؤسس المشارك لحركة المقاطعة والعدالة من أجل فلسطين (بي دي أس)، في مقال نشرته صحيفة "الغارديان"، إن أحداث فلسطين والتعاطف العالمي معها تدعو أصحاب الضمير لدعم الحق الفلسطيني، ومواجهة واجباتهم، دون تواطؤ مع الظلم.

 

وبدأ مقالته بالإشارة لما كتبته الروائية الأمريكية توني موريسون، في روايتها "المحبوب"، أن "التعريف يعود على المعرِف لا المعرَف". وتعلم الفلسطينيون عبر الطريق الصعب، أنه حتى نعرف أنفسنا بوضوح، فقمعنا وتطلعاتنا والقوة القامعة المهيمنة ستقوم بهذا، وبمحو تاريخنا وإخضاع مستقبلنا. 


وقال إنه "في بعض الأحيان يظهر تعريفنا بطريقة غير متوقعة، فقبل ثلاثة أيام، وبعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت الأحياء السكنية في مدينة غزة، والتي هزت البنايات، جرت ابنة صديقي الصغيرة خائفة ترتعش إلى حضن أمها، وقالت: "أريد أن أكون شجاعة مثل أمي، لكنني لا أعرف وكيف ومتى يكون الموت قريبا؟" وسؤالها في حد ذاته، الذي جاء وسط مذبحة متلفزة، يعرف الشجاعة".


وبات الفلسطينيون في كل يوم يهزون خوفنا، ويأملون، ويعملون على أن تلهم هذه الشجاعة الملايين للحديث والتحرك بطريقة فاعلة، ووقف التواطؤ في القمع الإسرائيلي.


وأضاف برغوثي أن الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة والقدس واللد وعكا وحيفا وغيرها من المناطق والمقاومة الفلسطينية تستدعي عدة تعريفات. فالنزاع، الأبارتيد، المقاومة، الانتقام، الدفاع عن النفس، الصحافة الأخلاقية، التعايش والعدالة، هي من بين التعريفات التي يجري الخلاف عليها. وفي بعض الأحيان يتم استخدام النقاش من أجل تبرير الوقوف اللاأخلاقي في اتخاذ المواقف، والذي يعيق السخط وواجب العمل. 


ومن أجل تذكير العالم بهذا الواجب، وللاحتجاج ضد الأفعال الإسرائيلية الرهيبة، وكجزء مما يراه الكثير من الفلسطينيين النكبة المستمرة، فقد التزم الفلسطينيون في كل مكان بإضراب عام يوم الثلاثاء، وأكدوا من خلال هذا الإضراب على وحدتهم وارتباطهم بالأرض (أصالتهم)، وبحثهم عن الحرية، وكرروا مناشدتهم لتضامن عالمي ذي معنى، وعلى شكل المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات "بي دي أس". 

 

اقرأ أيضا: المقاومة لـ"عربي21": لا تهدئة دون وقف العدوان على القدس

وظهرت هذه الحركة التي استلهمت كفاح جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري وحركة الحريات المدنية الأمريكية والحركة السلمية والمعادية للعنصرية عام 2005، على يد تحالف واسع من المجتمع الفلسطيني. ودعت لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، والالتزام بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، وإنهاء التسيد العنصري المؤسس والمقنن، الذي ينطبق عليه تعريف الأمم المتحدة للفصل العنصري (أبارتيد) واعترفت به منظمة هيومان رايتس ووتش. 


وأضاف برغوثي أن إسرائيل تشن ومنذ سنوات حربا شاملة ضد "بي دي أس"؛ لأنها قامت بنشر تعريف الأبارتيد الإسرائيلي بين الطلاب والأكاديميين والفنانين والنقابات العمالية، وكذلك حركة العدالة الاجتماعية والعرقية والبيئية. وكان اعتراف إسرائيل بالأثر الإستراتيجي لحركة بي دي أس في تعبئة تضامن عالمي فعال مع الكفاح الفلسطيني من أجل الحرية عاملا آخر. وربما كان أهم عامل في مقاومة إسرائيل لبي دي أس هو أن الحركة هزت لامبالاة من لا يهتمون وعدم تحرك من يهمهم الأمر. 


وقامت الحركة بإعادة تعريف معنى التضامن مع الكفاح الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة، باعتباره واجبا أخلاقيا؛ من أجل وقف التواطؤ، وفوق كل شيء. وفي وجه القمع الصارخ، فاللامبالاة وعدم التحرك يعتبران غير أخلاقيين، وبخاصة عندما يكون لدى الواحد القدرة على التحرك دون مواجهات تداعيات خطيرة. ويصبح الأمر لا أخلاقيا بدرجة كبيرة عندما يكون لدى الشخص ليس القدرة، بل واجب التحرك بسبب تواطؤ دولة أو مؤسسة في نظام القمع. فعندما تقوم دولة ديمقراطية بدرجة كبيرة أو أقل، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بتوفير الدعم العسكري والسلاح غير المشروط لإسرائيل، أو حمايتها من العقوبات والمحاسبة بناء على القانون الدولي، فهي متواطئة في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين.

 

وعندما تنتفع الشركات من تقديم البضائع والخدمات التي تساعد إسرائيل على مواصلة الاحتلال والأبارتيد فهي متواطئة. وعندما يكون للصناديق السيادية وصناديق الاستثمار الجامعية أسهما في هذه الشركات فهي متواطئة. وعندما يمر الفنانون والرياضيون من أمام احتجاج مقاطعة من أجل الفلسطينيين ويشاركون في مناسبات تدعمها إسرائيل فهم متواطئون. وكل هذا التواطؤ يولد مسؤولية أخلاقية للتحرك، ومنع أموالهم التي يدفعونها للضريبة، ومن يتكلمون باسمهم، من المشاركة في محاولات إسرائيل التي لا تتوقف لتحويل غزة وبقية الغيتوهات الفلسطينية إلى محاور غير موجودة، حسب فرانز فانون.


ويقول برغوثي إن الدفقة غير المسبوقة والملهمة من التضامن مع الفلسطينيين، التي شهدناها في الأيام الماضية، تكشف عن وجود الملايين حول العالم ممن يعرفون هذا الواجب الأخلاقي، ويحاول الكثيرون منهم إحداث تغيير، وعلى مستوى السياسة. 


وكان هناك بيان مثير للاهتمام من حركة حياة السود مهمة، التي طالبت بقطع المساعدة الأمريكية السنوية لإسرائيل بقيمة 3.8 مليار دولار، وفرض العقوبات؛ حتى "توقف إسرائيل ممارسات الفصل العنصري والمشروع الاستيطاني الاستعماري".

 

ومن بين التغريدات الشجاعة ما كتبته النائبة ألكسندرا أوكاسيو كورتيز: "دول الفصل العنصري ليست ديمقراطيات". وعبرت شخصيات إعلامية في الشبكات التلفازية الكبرى، بمن فيها علي فيلشي من أم أس أن بي سي وجون أوليفر من أتش بي أو، ورموز الموسيقى مثل جون ليجند ورموز في هوليوود، مثل سوزان سارندون وفيولا ديفيس وجون كوساك وناتالي بورتمان ووينتورث ميللر عن تضامنهم بطريقة لم تر من قبل، وقام بعضهم بنشر صورة الخريطة الفلسطينية المختفية بسبب الاستيطان الاستعماري التدريجي.

 

وعلى الأرض، يقاوم الفلسطينيون يوميا عمليات المحو للأرض والهوية والأمل. ووسط صور الدمار والموت المؤرقة في غزة، تركت صورة لدي مزيج من الذعر والأمل، وهي صورة الرجل الشاب عمارة أبو عوف بعلامة النصر، عندما تم استخراجه من بين أنقاض بناية سويت بالتراب بسبب القصف الإسرائيلي. وربما قال البعض إن هذا هو تعريف الفينيق الخارج من الرماد، حسنا، اليوم هذا هو تعريف فلسطين.