قضايا وآراء

الأردن: لا إصلاح وهناك التزام بالمشروع الصهيوني

1300x600
عجز النظام مفتعل ومحصلته نداء للتدخل الأجنبي.. لا وسيلة للإصلاح إلا بتمكن الشعب من نقل الكرة لملعب النظام..

في الأردن حالة فلتان رهيبة تتطور في كل قُرنة، ورفض شعبي عام لإدارة الدولة ولكل أجهزتها وأدواتها ومنتوجها. في الأردن تصميم على سلطة الفرد والاستبداد، وإصرار من النظام على انحلال الدولة بالفوضى العارمة.
 
عجلة التدمير انطلقت في مشوارها من وادي عربة، محركها سياسي وتداعياته إدارية- اقتصادية- اجتماعية، والهدف رأس الوطن. وما زالت العجلة تسير بقوة التسارع، وجهنم عند نقطة توقفها. وعجز النظام مُفتعل ويمثل بمحصلته نداءً للتدخل الخارجي. التراجع تراكَم خلال العقدين الأخيرين واتسع على كل الصعد، وأكَل الفساد الدولة، وارتفعت الأصوات وجاء مُسلسل الإصلاح الموسمي، وما هو إلّا مسلسل تخريب وتخدير ابتدأ بالدستور لتعميق الاستبداد وأدوات المواجهة لقمع الحرائر والأحرار والمنادين بالإصلاح والتغيير.

عندما نتحدث عن الإصلاح في الأردن علينا الاعتراف باعتبارات أساسية لجدية الإصلاح والانطلاق منها؛ ألخصها بأننا أمام دولة فاشلة والعلاقة بين مكوناتها الثلاثة مقطوعة، وسلطاتها الثلاث لا سلطة لها على نفسها بل مسيّرة، وبأننا أمام قيود واحتياجات النهج السياسي المرتبط بالمشروع الصهيوني كسبب أساس في هذا وفي كل خلل، مما يحدد طبيعة الإصلاح المطلوب، وأنه لا يمكن أن يكون إلا إصلاحا شاملا وعميقا ومتخصصا وبوقوف الشعب معه وحمايته له.

ومن هنا، فإن الإصلاح إذا توفرت له النيه الصادقة والإرادة السياسية لا يقوم به أو يتولاّه إلّا الصالحون. ولا يبدأ إلّا بإعادة بناء الدستور وبناء العلاقة الترابطية الطبيعية بين مكونات الدولة الثلاثة ووضعها في نصابها، والتي يكون فيها الوطن مصانا والحكم وظيفة، والمواطن له اعتباراته القانونية والسياسية والإنسانية كافة، والشعب سيد نفسه والقرار، والعدل سيد الأحكام وأساس المُلك، والاحتلال الصهيوني تناقضنا الأساسي، والقضية الفلسطينية قضية الأردن والأردنيين.

ومما تقدم، فإن الإصلاح لن يُنجز على أي صعيد أو في أي قطاع إلا بإصلاحات سياسية تسبقه. فالنهج السياسي لأية دولة، سواء كان نظامها شمولياً بنوعيه الوطني وغير الوطني، أو ديمقراطياً رئاسيا أم نيابياً جمهورياً أو ملكياً، هو الذي يُحدد فشل أو نجاح أو طبيعة منتوج كل النهوج في الدول وعلى رأسها النهج الإداري.

فالإدارة الفاسدة تدمر دولة ثرية بثرواتها وبإمكاناتها البشرية والطبيعية، والإدارة السليمة تنقذ وتثري دولة ضعيفة الإمكانات والثروات. فلا يمكن على سبيل المثال لأي تخطيط إداري مهما كان محترفاً، ولا لتشريعات إدارية صائبة، ولا لرواد الإدارة أن يكون ذا قيمة إذا كان النهج السياسي السائد دكتاتورياً، لأن الكلمة النافذة والمنُنتَج المطلوب يكون بيد المُستبد بالسلطة وطبقاً لرغباته وحاجاته. فكيف إذا كان الإصلاح المطلوب ينتقص من سلطته السياسية والعسكرية وطبيعة نظامه؟ والأدهى كيف لو كان الإصلاح يتناقض مع أسباب وجوده في السلطة إذا كان دكتاتوراً ومرتبطاً بتنفيذ أجندة أجنبية؟

الإصلاح السياسي ليس وجهة نظر، فلا خلاف على طبيعته، ولا يقوم إلا على إعادة السلطة للشعب، ولا يبدأ إلا بما يؤسس لأحزاب سياسية حرة وحقيقية ومجالس نواب وأعيان حرة، وحكومات شعبية منبثقة عنها وذات ولاية عامة. وهذا وحده ما يُفضي إلى الإصلاحات الأقتصادية والمالية والإدارية والقضائية، وإلى العدالة الاجتماعية والمواطنية وحقوقها، وإلى استعادة الدولة وحماية الوطن. فهذه مسائل مرهونة بإرادة الشعب من خلال اختياره الحر من بين برامج الأحزاب وبرنامج الحزب الفائز أو التكتل النيابي الذي يشكل الحكومة، ويصبح النهج السياسي للدولة هو النهج الذي تتخذه هذه الحكومة بناء على إرادة الشعب. فنحن عندما نتكلم عن هذا أو عن الإصلاح الحقيقي، لا نتكلم عن تعزيز سلطة الفرد والاستبداد، ولا عن الانقلاب على مؤسسة العرش، إنما نتكلم عن التحول إلى الملكية الدستورية.

النظام الأردني في استبداده بالسلطة والقرار، فإنه يتخذ قرارات سياسية مصيرية باسم الأردن والأردنيين لا تتفق مع معاييرهم القيمية والوطنية والسياسية، متجاوزاً حقوق الشعب غير القابلة للتصرف. ماذا نسمي هذا ولمصلحة مَن؟ إنه يعلم تماماً بأن أي إصلاح يُفضي إلى مجلس نواب وحكومات حرة ومنتخبة تأخذ ولايتها العامة من الشعب على الشأن العام، بما فيه الجيش والأجهزة الأمنية، سيؤدي لدوس الشعب على أي نوع من التطبيع واتفاقيات العار والدمار مع العدو الصهيوني الوجودي. ولن تكون علاقتنا بهذا العدو غير المواجهة حتى التحرير. فهل رفضه للإصلاح من هذا الواقع؟ الشعب الأردني لم يختر مواجهة الملك بغير الإصلاح. فالصراع هو بيننا وبين عدونا ومعسكره، فلماذا ينوب عنا النظام بالاستسلام وينوب عن العدو بمواجهتنا بكل أدوات القمع والإرهاب؟ الإصلاح ينتقص من سلطاته التي تفتك بالشعب والوطن، فهو حق لنا، ويرفع بالمقابل من مقامه بين شعبه وعند أعدائه وأصدقائه. هذا هو العرض المقدم من الشعب.

لنكن واعين وصريحين، فنحن نتكلم عن مستقبل دولة وشعب ووطن.. هناك تساؤلات يفكر بها بعضهم: إلى أي مدى أو سقف يمكن للملك أن يسمح للإصلاح أن يصله وما طبيعته؟ وهل يُسهم بوقف التدهور في الدولة أو إقناع الشعب؟ وهل التجارب الإصلاحية العكسية الماضية ستعيد نفسها؟ وأخيراً هل لديه القدرة على أن يواجه أمريكا والصهيونية بإرادة الشعب؟ تساؤلات مشروعة لكن السؤال المطروح أمام الملك "من الآخِر" وعلى لسان كل وطني حر صادق لا منافق؛ هو: هل لديك استعداد للتخلي عن احتكار السلطة والاعتراف بها للشعب والتحول الى رمز ملكي للدولة، أم ستبقى تراهن على العنف ضد هذا الشعب مستنداً لدعم أمريكا ومساندة المنافقين في هذا البلد؟

الجواب هو "لا"، قد سمعناه بالأمس وقرأناه برسالة الملك وبلجنته ومحور تكليفها. يا صاحب القرار إن القول قولك والقرار قرارك، والرسالة تُقرأ من عنوانها والجميع قرأها، ولن تستطيع لعبة الإصلاح هذه المرة أن تلهي الشعب. ليتك وفرت علينا النفقات ومرَّرت جوابك لنا مباشرة.

فلا يلوح في الأفق أي مؤشر على توفر النية في التغيير ولا بالتنازل قيد أنمله عن احتكار السلطة والقرار، وبالتالي لا تطوع بالإصلاح، والكرة ما زالت بملعب الشعب. وعندما يستطيع نقلها إلى ملعب النظام سيكون هناك إصلاح، وتكون الكلمة للشعب والعزة لله وللوطن. وإلى ذاك الحين أمامنا من صُلبنا أدوات النظام من أشباه الرجال من الوصوليين وفاقدي الضمير والحس الوطني، وأمامنا من يَستخدمون الخيانة ومن يستخدمون دين الله ليمارسوا عبادة المال والكرسي. أقول لهم ألا سحقاً لكم، ألا تخشون يوماً يُسأل فيه أبناؤكم أو أحفادكم عن مصارد أموالهم الموروثة ومصادر ألقاب آبائهم؟..