سياسة عربية

تعديل تشريعي يمهد لتهرب مصر من التزامات دولية.. ما خطورته؟

خبراء: التعديل التشريعي يعد محاولة من النظام المصري للهروب من التزامات دولية بملف حقوق الإنسان- جيتي

أقرت اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري بشكل نهائي مشروع قانون يعطي المحكمة الدستورية العليا حق الرقابة على كل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تعقدها الدولة المصرية مع الدول والهيئات الدولية، وكذلك أحكام التحكيم الدولي.

ويمنح تعديل القانون، الذي قدمته الحكومة للبرلمان، "المحكمة الدستورية" سلطة عدم الاعتداد بقرارات المنظمات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، طالما خالفت الدستور المصري.

مشروع القانون نص على أن رئيس الوزراء يتقدم بطلب إلى المحكمة الدستورية للنظر في عدم الاعتداد بقرارات المنظمات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، بشرط أن يبين رئيس الوزراء النص أو الحكم الدستوري الذي يخالفه قرار المنظمة والهيئة الدولية أو حكم المحكمة الأجنبية.

وتنص المادة 27 مكرر: على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة.

اللجنة التشريعية بالبرلمان قالت إن التعديل يحافظ على الأمن القومي المصري وفق المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، فيما أعلن المستشار إبراهيم الهنيدي رئيس اللجنة، أنه تلقى خطابا من المحكمة الدستورية برأيها بالموافقة على مشروع القانون.

النائبان سليمان وهدان، وضياء الدين داوود، أعربا خلال مناقشة التعديل عن مخاوفهما من تعارض القانون مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر؛ لكن المستشار هيثم البقلي مستشار وزير العدل، رد بأن مصر لا يمكن أن تتخلى عن الاتفاقيات الدولية التي وقعتها.

مراقبون وخبراء بالقانون المصري والدولي اعتبروا في حديثهم مع "عربي21" وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن ذلك التعديل يعد تحللا من الدولة المصرية لأي اتفاقيات دولية وأي التزامات تعاهدية دولية، ومحاولة من النظام للهروب من التزامات دولية بملف حقوق الإنسان.


"متناقض مع المنطق"

المحامي بالنقض والدستورية والإدارية العليا‏ نبيل محمد زكي، تحدث مع "عربي21"، عن عدة مفارقات وتناقضات في هذا التعديل، معتقدا أنه قد يكون وراءه هدف آخر غير مرتبط بالقانون.

وقال: "بداية من المفترض ألا تسري كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تعقدها الدولة إلا بعد موافقة البرلمان المصري عليها؛ كما أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية السابقة السارية حاليا في مصر وافق البرلمان عليها بالفعل".

وأوضح أنه "بمجرد موافقة البرلمان على أي اتفاقية تصبح في حكم القوانين المصرية، أي أصبحت جزءا من المنظومة التشريعية المصرية"، مضيفا أنه "من المفترض وطبقا لنظام المحكمة الدستورية وقانونها أن تخضع تلك القوانين للرقابة الدستورية".

وخلص الخبير القانوني، إلى أن هذا التعديل يقصد به أهداف غير معلنة، مشيرا إلى أن "خطورة هذا التعديل أنه سيعرض مصر للجزاءات والعقوبات الدولية".

وتابع: "التعديل أيضا يعطي الحق فقط لرئيس الوزراء في الطلب من المحكمة الدستورية مراجعة القوانين والاتفاقيات الدولية، والمفترض أن رئيس الوزراء على رأس السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية، والأخير منوط به عقد تلك الاتفاقات والمعاهدات الدولية".

وأكد أن "هذا متناقض مع المنطق؛ فكيف يوقع رئيس الدولة على الاتفاقات والمعاهدات الدولية ويوافق عليها البرلمان ثم بعد ذلك يأتي رئيس الحكومة ويطلب من المحكمة الدستورية إلغاءها كونها غير دستورية".

وختم زكي، حديثه بالقول: "هذا يخالف المنطق القانوني والعقلي كذلك، وأحسب أنه بهدف سياسي وليس قانونيا"، معبرا عن أسفه من أنه يقلل من قيمة وحجم وتاريخ مصر أمام العالم.

"تهرب من الالتزامات الدولية"

وفي رؤية القانون الدولي، قال الدكتور السيد أبو الخير: "عادة وفي معظم دساتير الدول وبينها مصر ينص الدستور على اعتبار الاتفاقيات الدولية التي توقع عليها الدولة قوانين داخلية تلتزم بها المحاكم المصرية".

الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "دستور مصر عام 1971، ودستور 2012، أقرا ذلك الأمر، وأصبحت تلك قاعدة ثابتة في النظرية العامة للقانون الدستوري".

ويعتقد الأكاديمي المصري، أن "هذا التعديل سلاح ذو حدين، الأول: إذا استُخدام فعلا لحماية الأمن القومي المصري مثل إبطال اتفاق المبادئ بشأن سد النهضة لعام 2015، وأي معاهدات قد تضر بالأمن القومي المصري، وهذا الأمر يكاد يكون منعدما".

وأضاف أن "الشق الثاني: هو تهرب مصر من التزاماتها الدولية، وخاصة التي تحمي قوانين حقوق الإنسان، وتلزم الدول على احترام حقوق الإنسان، وتجريم الاعتداء عليه، وأعتقد أن هذا هو الغرض من القانون".

وجزم أبو الخير، أن "هذا القانون غير دستوري، وخارج اختصاص المحكمة الدستورية لأن اختصاصها الرئيسي هو النظر في دستورية القوانين التي يصدرها البرلمان المصري فقط".

ولفت إلى أن "المعاهدات الدولية وغيرها مما ذكر في التعديل إذا لم يصدر قانون من البرلمان بالموافقة على الاتفاقية وضمها وإصدارها في صورة قانون فهذا ليس من اختصاص المحكمة، وإذا تعرضت الدستورية لذلك يكون حكمها منعدما لصدوره من محكمة غير مختصة".

ويرى الخبير بالقانون الدولي، أن "التعديل محاولة من النظام المصري للتهرب من أي التزامات دولية؛ خاصة وأن النظام الحالي خالف وانتهك كافة القوانين التي تحمي حقوق الإنسان، أي كافة اتفاقيات وإعلانات ومبادئ حقوق الإنسان في العالم".

وأشار أيضا إلى "مخالفات النظام في المحاكمات التي تتم بحق المعارضين والتي تفتقد لأبسط أبجديات المحاكمات العادلة، وتخالف كافة المبادئ التي تحمي حقوق المتهم؛ لذلك يريد النظام التهرب من تبعات ذلك لعدم ملاحقته رموزه خارج مصر".

وختم حديثه بالقول: "والأصح أن نطلق على المحكمة الدستورية العليا، المحكمة السياسية العليا".

الحقوقي المصري حجاج نايل، انتقد تعديل القانون واعتبره تحللا من الدولة المصرية من أي اتفاقيات دولية، وأنه يعزل مصر عن باقي العالم، ويجعل النظام ينفرد بمائة مليون مصري، متهما البرلمان المصري بمخالفة دوره الذي اختاره الشعب لأجله.