ملفات وتقارير

هل يجدي تلويح مصر بورقة "الهجرة" بسبب سد النهضة؟

هل تتجاوب أوروبا مع التصريحات المصرية بشأن الهجرة غير الشرعية؟ - جيتي

في تصريح مصري رسمي بشأن آثار بناء سد النهضة الإثيوبي وملئه، حذر وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي، من أن نقص الموارد المائية المصرية سيؤدى لموجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية لأوروبا.

وهذه هي المرة الأولى التي تلوح فيها مصر عبر أحد وزرائها المعنيين بمفاوضات سد النهضة بورقة "الهجرة غير الشرعية" أمام المجتمع الدولي وخاصة أوروبا، وهو ما اعتبره سياسيون ومراقبون أنه يعبر عن استنفاد مصر كل الوسائل للضغط على إثيوبيا للوصول إلى اتفاق ثلاثي ملزم.

ولكن البعض رأى في تلك التصريحات بأنها تعبر عن هشاشة الموقف المصري، وانصياع مصر للأمر الواقع، وعدم قدرتها على الحفاظ على حقوق مواطنيها التاريخية في نهر النيل، والقبول بكل الآثار السلبية، وصولا إلى هجرة الملايين من البلاد.

وكان وزير الري المصري، قد صرح أن "أي نقص في الموارد المائية سوف يتسبب في أضرار جسيمة، حيث إن نقص 1 مليار متر مكعب من المياه سيتسبب في فقدان ٢٠٠ ألف أسرة لمصدر رزقهم الرئيسي في الزراعة، وهو ما يعني تضرر مليون مواطن من أفراد هذه الأسر، كما أن قطاع الزراعة في مصر يعمل به ٤٠ مليون نسمة على الأقل".

 

اقرأ أيضا: وثائق بريطانية: عبد الناصر استخف بقدرة إثيوبيا حجز مياه النيل

وأضاف: "ومن ثم، فإن أي نقص في الموارد المائية ستكون له انعكاسات سلبية ضخمة على نسبة كبيرة من سكان مصر، حيث سيؤدي فقدان فرص العمل لحالة من عدم الاستقرار المجتمعي، التي ستؤدى لموجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية وغيرها، أو انضمام الشباب للجماعات الإرهابية".

جاء ذلك خلال مشاركة عبد العاطي في المؤتمر الوزاري رفيع المستوى "مشاورات من أجل الوصول إلى نتائج"، الجمعة، الذي تنظمه الحكومة الألمانية ممثلة في وزارة البيئة الألمانية، والذي يعد من أهم المحطات التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة نصف العقد الخاص بالمياه، المقرر تنظيمه في عام ٢٠٢٣.

وطوال السنوات الماضية، يردد النظام المصري في المحافل الدولية، وخاصة الأوروبية، أنه حائط وسد منيع في وجه الهجرات غير الشرعية، وأشار في أكثر من مناسبة أنه منذ أيلول/ سبتمبر 2016 لم تسجل أي حالة هجرة غير شرعية إلى أوروبا.

كما أن إعلامها دأب على انتقاد تركيا، التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، بزعم التلويح بورقة الهجرة غير الشرعية في وجه الاتحاد الأوروبي، واصفين النهج التركي بأنه "ابتزاز" سياسي ومالي لأوروبا "رخيص الثمن".

فلماذا قبلت مصر بالتلويح بورقة المهاجرين غير الشرعيين، وفتح الباب أمام هجرة ملايين المصريين العطشى بسبب نقص المياه جراء بناء سد النهضة الإثيوبي وملئه، في ظل تقاعس الغرب عن تقديم يد العون للقاهرة والضغط على أديس أبابا؟

تحذيرات كرجع الصدى

قلل رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى السابق، رضا فهمي، من جدوى تلك "التلميحات" المصرية، وقال: "هذه تصريحات غير مسؤولة تخرج عن شخص مسؤول؛ لأن مصر مرتبطة باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بشأن موضوع الهجرة".

ورأى في حديثه لـ"عربي21"، أنها "نوع من المكايدة السياسية، والنظام المصري الحاكم لا يفصل بين مصالحه ومصالح الدولة العليا، خاصة في ظل اعتقاده أنه طالما اشترى صفقات أسلحة بحثا عن شرعية دولية، فإن ذلك ينسحب على قضايا الأمن القومي المصري وقضايا كبرى أخرى مثل سد النهضة الذي تتداخل فيها مصالح إقليمية ودولية أخرى".

وتوقع فهمي ألا تجد مثل تلك التصريحات صدى لدى الدول الأوروبية قبيل اجتماع مجلس الأمن الدولي الخميس بشأن السد، قائلا: "الدول الأوروبية لا تستجيب ولا تتفاعل مع تصريحات كهذه، وتعلم أن النظام المصري نظام مأزوم تحيطه العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، وأنه غير قادر على اتخاذ موقف تجاه إثيوبيا حتى يتخذها تجاه أوروبا".

واختتم البرلماني المصري السابق حديثه بالقول: "نحن أمام مشهد معقد لا يمكن التعامل معه بهذه الطريقة الفجة، ويبحث عن أي مخرج"، مشيرا إلى أن "مثل هذه التصريحات تؤخذ على الجانب المصري بدلا من أن تمثل أداة ضغط، وهي تصريحات للاستهلاك المحلي وخيارات مصر محدودة، وربما تكون منحصرة في خيار الضربة العسكرية".

تداعيات كارثية

واعتبر مساعد وزير التموين الأسبق، الدكتور عبد التواب بركات، أن نقص المياه سوف يتسبب فعلا في كوارث اقتصادية واجتماعية وسياسية لا حصر لها؛ "سوف تمتد آثارها إلى أبعد نقطة، وإثارة العديد من الأزمات الغذائية، وزيادة البطالة، وتشريد ملايين الأسر".

وأكد في تصريحات لـ"عربي21"، "أن نقص مليار متر مكعب من المياه من حصة مصر فقط، سوف يضاعف من الشح المائي في البلاد التي تبلغ حصتها 55 مليار متر مكعب من المياه من نهر النيل، ويؤدي إلى رفع فاتورة استيراد الغذاء، وزيادة البطالة".

لافتا إلى أن "مساحات الأرض الزراعية مهددة في ظل نقص المياه بالتقليص يوما تلو الآخر، ولا يمكن تعويض النقص من خلال محطات التحلية (تحلية مياه البحر) أو معالجة مياه الصرف؛ بسبب التكلفة المرتفعة من ناحية والكميات الكبيرة التي تحتاجها مصر".

تصريحات الوزير بهجرة ملايين المصريين، أثارت انتقادت واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتساؤلات حول دور الجيش المصري في منع حدوث كوارث إنسانية للمصريين والحفاظ على مكتسباتهم وحقوقهم المائية.