قضايا وآراء

حتى لا يكون صرخة في واد سحيق

1300x600

خلال هذا الأسبوع انتشر كالنار في الهشيم في الصحف العالمية اسم "مشروع بيغاسوس" نسبة لبرنامج التجسس الذي صممته شركة NSO الإسرائيلية، حيث يقوم على هذا المشروع منظمات حقوقية وصحفية مناطة بتحقيق استقصائي كشف عن تورط الشركة الإسرائيلية في التجسس على آلاف من النشطاء والصحفيين والمعارضين.

التحقيق أحدث ضجة كبيرة على الرغم من تردد اسم الشركة كثيرا عبر السنوات الماضية، وتبين بالأدلة أن حكومات عديدة حول العالم منها الإمارات، البحرين، السعودية، أذربيجان وغيرها استخدمت البرنامج للتجسس على المعارضين والصحافيين والنقابيين وغيرهم.

حينها قام العديد من النشطاء والصحفيين بملاحقة الشركة ومسؤولين في حكومات في عدة دول ينعقد فيها الاختصاص القضائي ومنها إسرائيل مقر الشركة إلا أن أيا من الدعاوى لم تحقق أي نتائج تذكر.

 

حتى لا يبقى ما كشفه مشروع بيغاسوس صرخة في واد سحيق على الكل من دول غير متورطة ومنظمات التكاتف من أجل ملاحقة هذه الشركات ومحاسبة المسؤولين عنها وتجريم المسؤولين في أي دولة تستخدم مثل هذه البرامج للتجسس على النشطاء والصحفيين والمعارضين.

 


لربما سبب الضجة التي أحدثها التقرير التفاصيل التي احتواها لجهة عدد المستهدفين، حيث بلغ عددهم أكثر من خمسين ألف والتحليل الجنائي لبعض الهواتف المستهدفة في مختبرات متخصصة مما أنشأ أدلة دامغة يصعب على مسؤولي الشركة والحكومات التي استخدمت البرنامج إنكار استخدام البرنامج.

لم يعد بإمكان مدراء الشركة الادعاء بأن البرنامج مصمم لمكافحة الإرهاب والجريمة، هم قاموا ببيع البرامج لحكومات قمعية وهم يعلمون تماما أنها ستستخدم في مراقبة المعارضين والنشطاء والصحفيين.. وليس أدل على ذلك أنه على الرغم انتشار التقارير التي تؤكد استخدام البرنامج لأغراض التجسس على النشطاء لم تقم الشركة بأي إجراء لإعادة النظر في تعاقدها مع هذه الحكومات.

والمشين أن دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي لديها تقارير تبين أنشطة الشركة الإجرامية.. بل إن الشركة اتخذت من بعض هذه الدول مقرا لأنشطتها، إلا أنها لم تفعل شيئا وتركت مواطنيها من الصحفيين والنشطاء بدون أي حماية في مواجهة برنامج خبيث ينهش خصوصيتهم ويعرض أمنهم وسلامتهم للخطر.

عندما خرج التحقيق الاستقصائي للعلن دفن رؤساء هذه الحكومات رؤوسهم في التراب، وكأن الأمر لا يعنيهم في حين أنهم في قضايا أخرى استنفروا كل الأجهزة ووظفوا قوانين مكافحة الإرهاب لملاحقة المتهمين بالاعتداء على خصوصية الدولة.

شركة NSO ليس جمعية خيرية فقد جنت مبالغ طائلة من بيع برنامجها لحكومات قمعية فقد كان الموقف أنه ما دام هذا البرنامج يجلب العقود السريعة ويدر الملايين فلا داعي للتحقق كيف يستخدم وضد من، ففي قواميس هذه الشركات لا يوجد أخلاق أو أي اعتبار لأي مفاهيم حقوقية المهم جني الأموال.

هذه الشركة سلطت الضوء على دولة الاحتلال الحاضنة لهذه الصناعة، فشركة NSO ليست الوحيدة في مجال هذه الصناعة، فهناك العشرات من هذه الشركات في إسرائيل تقدم خدماتها لدولة الاحتلال ذاتها التي تتجسس على الفلسطينيين على مدار الساعة.

مشروع بيغاسوس وما فضحه من تفاصيل بالأدلة والتحليل الجنائي يعتبر صرخة في وجه صناع القرار في العالم لسن تشريعات صارمة تستهدف الشركات التي تصمم مثل هذه البرامج والحكومات التي تستخدمها.

كما أنه يوجب على المجتمع الصحفي والحقوقي التكاتف لملاحقة الشركة الإسرائيلية ومسؤولي الحكومات الذين استخدموا هذا البرنامج بكافة أنواع الدعاوى الجنائية والمدنية وفي أي دولة يسمح قضاؤها بإقامة مثل هذه الدعاوى بحيث لا يسمح لهم هذه المرة الإفلات من العقاب.

فحتى لا يبقى ما كشفه مشروع بيغاسوس صرخة في واد سحيق على الكل من دول غير متورطة ومنظمات التكاتف من أجل ملاحقة هذه الشركات ومحاسبة المسؤولين عنها وتجريم المسؤولين في أي دولة تستخدم مثل هذه البرامج للتجسس على النشطاء والصحفيين والمعارضين.