ملفات وتقارير

4 أسئلة وأجوبة أساسية عن حركة طالبان الأفغانية

كيف نشأت طالبان، وما خلفيتها الفكرية، وما علاقتها بالقاعدة، وهل تحظى الحركة بالفعل بشعبية في أفغانستان؟؟؟؟ - أرشيفية

عادت حركة طالبان للسيطرة على أفغانستان بعد عقدين من انهيار حكمها في كابول على وقع الغزو الأمريكي، ورافق ذلك أيضا عودتها للسيطرة على أجندة الساسة وأضواء الإعلام حول العالم.

ويفرض ذلك المشهد الإجابة على أسئلة رئيسية عن "طالبان"، تشغل بال أغلب المتابعين للمشهد، ولا سيما من لم يعاصروا أو يواكبوا مسار نشأة الحركة وسيطرتها على جل الأراضي الأفغانية خلال التسعينيات.

وتستعرض "عربي21" تاليا أربعة من تلك الأسئلة، وتجيب عليها، استنادا إلى تقارير وآراء خبراء بالشأن الأفغاني.

1.   كيف نشأت طالبان؟

 

ظهرت الحركة فعليا عام 1994 باجتماع العشرات من الطلاب الأفغان، وأغلبهم من عرقية البشتون، الأكبر في البلاد (42 بالمئة)، الذين كانوا يدرسون في المدارس الدينية الكبرى بالهند وباكستان، أو معاهد تابعة لها في الداخل الأفغاني.

وشارك قطاع من هؤلاء في القتال ضد الغزو السوفييتي (1979- 1989)، لكن سقوط البلاد في أتون حرب أهلية طاحنة، بعد ذلك، بين مختلف الأحزاب والتشكيلات السياسية والعرقية والدينية والمناطقية، دفع "الطلاب" إلى الاجتماع، بقيادة زعيمهم الراحل "الملا محمد عمر" (1960- 2013)، والرئيس الحالي للمكتب السياسي للحركة، عبد الغني برادار.

ومع تبلور الحركة، عام 1994، كانت أطراف الحرب الأهلية قد أنهكت بعد خمس سنوات من القتال المتواصل، وسط بحث الشعب الأفغاني عن قوة قادرة على توحيد البلاد وفرض الأمن والاستقرار.

وبسرعة خاطفة، تجمع الآلاف من الشبان حول الملا عمر ورفاقه، الذين كانوا يتخذون من قندهار (جنوب) معقلا رئيسيا، لينطلقوا بعد ذلك في السيطرة على بقية الولايات وفرض الأمن فيها.

 

وبحسب عدة تقارير، منها دراسة موسعة لجامعة "ستانفورد" الأمريكية، فقد ساهم الدعم الباكستاني لذلك التجمع بمنحه القدرة على تحقيق انتصارات ساحقة وخاطفة والسيطرة على مساحات واسعة من البلاد، في غضون أقل من عامين.

وفي 27 أيلول/ سبتمبر 1996، دخلت طالبان إلى كابول، وأعلنت قيام إمارة إسلامية في أفغانستان، رغم أنها لم تتمكن من الاستيلاء على العديد من الولايات الشمالية، ليستمر القتال المتقطع هناك حتى الغزو الأمريكي عام 2001.

 

اقرأ أيضا: ندوة عربي21 | خبير أفغاني يكشف كواليس سقوط كابول (شاهد)

2.   ما هو فكر طالبان؟

تبنى مؤسسو طالبان منذ البداية الفكر "الديوبندي"، نسبة إلى مدرسة "دار العلوم" في مدينة ديوبند شمال الهند، وهو الأكثر ملاءمة لتركيبة التدين السائد في أفغانستان.

ووفق ما أوضح الخبير والأكاديمي الأفغاني، مصباح الله عبد الباقي، خلال ندوة "عربي21"، فإن تلك المدرسة التي توصف بـ"أزهر الهند"، تتبنى المذهب الحنفي في الفقه، والتصوف في السلوك، والعقيدة الماتريدية.

وأكد "عبد الباقي" أن قادة طالبان جميعهم يتبعون هذه المدرسة، وهم متصوفة بالعموم، لافتا على سبيل المثال إلى أن "سراج الدين حقاني"، الذي يُزعم بأنه يقود أكثر مجموعات الحركة "تطرفا"؛ يتبع الطريقة النقشبندية.

وعلى مستوى العناصر في الحركة، لفت عبد الباقي إلى وجود تيارات مختلفة، إذ هنالك تيارات صوفية، تختلف فيما بينها أيضا، فضلا عن التيار السلفي الذي يبرز في شرق البلاد، بالإضافة إلى بعض المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان.

كما ينقسم عناصر طالبان على أساس النظرة للشيعة، بين متشدد ضدهم، ومعتدل، بحسب الخبير الأفغاني.

وقلل عبد الباقي من شأن تلك الاختلافات في التأثير على وحدة الحركة بالنظر إلى عمق أسس مبادئ الشورى والطاعة، لكنه ألمح إلى أن التباين الحقيقي، بحسب شائعات، يكمن في التحيز المناطقي، على مستوى القيادة، لصالح المنحدرين من قندهار وما حولها.

وتتشدد الحركة في تبني فتاوى علماء المدرسة الديوبندية، التي احتفظت بتعاليم قديمة تخلى عنها كثير من علماء المذهب الحنفي المعاصرين، أو تجاهلوها، في أقطار أخرى، وخاصة فيما يتعلق بنظام الحكم وتطبيق الشريعة وشكل اللباس.

لكن قادة طالبان يزعمون بأن تلك التعاليم تتواءم مع ثقافة الشعب الأفغاني وتراثه، إذا قال المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة، محمد نعيم، في مقابلة مباشرة أجرتها معه "عربي21" في وقت سابق، أن الغزو الأمريكي فشل على مدار عشرين عاما من ثني الأفغانيات، حتى في كابول نفسها، من لبس "البرقع" ذو اللون الأزرق، الذي تشتهر به سيدات البلاد.

3.   ما علاقة طالبان بالقاعدة؟

نشأ تنظيم القاعدة من بقايا "المجاهدين العرب" في أفغانستان نهاية الثمانينيات، ليجدوا أنفسهم عالقين بين نيران المتحاربين المحليين على السلطة والنفوذ.

ويعتقد بأن زعيم التنظيم، أسامة بن لادن (قتل عام 2011)، الذي اشتهر بثروته الكبيرة، كان ينفق خلال الثمانينيات على مدارس دينية في باكستان خرجت العديد من اللاجئين الأفغان، آنذاك، ولا سيما "دار العلوم الحقانية"، التي ينسب لها قادة ما يعرف بـ"شبكة حقاني"، وهي جزء من طالبان وتصنف "إرهابية" لدى الولايات المتحدة.

ووفق زعم كتاب "الجهاد الحديث: تتبع الدولارات التي تقف خلف شبكات الإرهاب"، فإن دعم ابن لادن لتلك المدرسة تسبب بانحرافها نحو "السلفية"، ولكنه خلق أيضا علاقة وطيدة بينه وبين خرّيجيها الذين باتوا لاحقا قادة في طالبان.

إلا أن الخبير والأكاديمي الأفغاني، مصباح الله عبد الباقي، قلل من شأن الفروق بين حقاني وبقية قادة طالبان من حيث الفكر، ولفت إلى أن الأول يتبع الطريقة النقشبندية كما سبقت الإشارة، وهو ما لا يتفق مع توجهات التيارات السلفية الجهادية، وعلى رأسها "القاعدة".

وقال محمد نعيم، في حديثه السابق لـ"عربي21"، إن الحركة احترمت دور المقاتلين العرب إبان الغزو السوفييتي، وهو ما دفعها إلى القبول بتواجدهم على أراضيها.

 

اقرأ أيضا: طالبان توضح لـ"عربي21" علاقتها بإيران و"القاعدة" (شاهد)

ورفضت طالبان تسليم ابن لادن للولايات المتحدة بعد تورط تنظيمه بهجمات في أماكن أخرى حول العالم، خلال التسعينيات، وصولا إلى ضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك عام 2001.

وتقول الحركة إنها طلبت من الولايات المتحدة تقديم أدلة على تورط أشخاص متواجدين على أراضيها ؛ ليتسنى لها "محاكمتهم"، رافضة، آنذاك، الاعتداء على سيادة "إمارتها".

واعتبرت الولايات المتحدة، وكذلك المجتمع الدولي، أن طالبان تحاول بذلك المضي في رعاية "الإرهاب"، وهو ما تذرعت به واشنطن لحشد حلفائها وغزو أفغانستان.

وينفي "نعيم"، المتحدث باسم طالبان، وجود بقايا للقاعدة في أفغانستان، قائلا إنهم قتلوا أو غادروا على مدار السنوات الماضية، ولا سيما بعد الربيع العربي، الذي أعقبته اضطرابا شديدة في عدة دول بالمنطقة، وظهورا لمجموعات تتهم بـ"التطرف".

ووافق "عبد الباقي" على ذلك، مرجحا أن يكون الزعيم الحالي للتنظيم، أيمن الظواهري، يتنقل في مناطق حدودية بين أفغانستان وباكستان، تعرف بوعورتها وصعوبة السيطرة عليها.

تجدر الإشارة إلى أن ابن لادن نفسه قد تم اغتياله على الأراضي الباكستانية، وليس الأفغانية، وتحديدا في إحدى ضواحي مدينة أبوت آباد، شمال البلاد، حيث كان يقيم في مجمع كبير يملكه، وفق الولايات المتحدة.

4.   هل تتمتع طالبان بالفعل بشعبية كبيرة في أفغانستان؟

يشير الخبراء إلى شعبية كبيرة لطالبان في أوساط البشتون، يعزز ذلك النزعة العرقية والعشائرية والمناطقية في أفغانستان، وهو ما يضمن لهم نفوذا قويا في جنوب وشرق البلاد.

لكن الانتصارات الساحقة للحركة في الشمال الأفغاني، الذي كان عصيا عليها إبان التسعينيات، كشف عن تمكنها من اختراق مناطق ومكونات عرقية أخرى، وأهمها الطاجيك (27 بالمئة) والأوزبك (9 بالمئة)، في ظل وجود رفض طبيعي عام لدى الشعب للغزو الأجنبي.

واعتبر "نعيم" أن صمود طالبان لـ20 عاما، وانتصاراتها الأخيرة، ولا سيما في الشمال، أدلة كافية على شعبية الحركة.

 

اقرأ أيضا: طالبان لـ"عربي21": سنقاتل أي قوة أجنبية.. ولن تقع حرب أهلية

وأشار مصباح الله عبد الباقي، الذي يرأس جامعة "سلام" في كابول، خلال حديثه السابق لـ"عربي21"؛ إلى أن فشل المنظومة التي أسسها ورعاها الغزو الأمريكي، وفساد مسؤوليها، وترهل إدارتها، شكل عاملا إضافيا، دفع قطاعا من الأفغان لدعم طالبان، وآخر إلى منحها فرصة جديدة على أقل تقدير.

وفي ظل رفض طالبان للممارسة الديمقراطية التقليدية، وتشديدها على صياغة نموذج حكم "شوري" يتلاءم مع تقاليد البلاد؛ فإنه لا ينتظر أن تجري انتخابات تقدم مؤشرات دقيقة لمدى رضى الشعب الأفغاني عن طالبان وتأييده لها.

كما أن نسبة المشاركة بالاستحقاقات التي كانت تجرى على مدار السنوات الماضية لا يمكن التعويل عليها كثيرا في رصد مدى اقتناع الأفغان بالنظام الذي رعاه الأمريكيون، إذا كانت تتعرض العملية الانتخابية دائما لهجمات تدفع العديد من المواطنين إلى الابتعاد عن مراكز الاقتراع.

ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عام 2019؛ 16.5 بالمئة من المسجلين، بواقع 1.6 مليون صوت من أصل 9.7 ملايين ناخب مسجل، أي أن النسبة الحقيقية للمشاركة كانت أقل من ذلك بكثير (أكثر من 21 مليون أفغاني يحق لهم التصويت، من أصل 39.8 مليون نسمة).

وكانت تلك النسبة صادمة للحكومة في كابول، آنذاك، وحلفائها، إذ كانت الأدنى على الإطلاق، رغم الانتخابات جرت في ظل أجواء هادئة إلى حد كبير مقارنة بالاستحقاقات السابقة، بحسب "رويترز".