ملفات وتقارير

تحالف أمريكا وبريطانيا وأستراليا.. تجارة أم حرب باردة مع الصين؟

قال مراقبون إن هذه الخطوة ستؤثر على جهود وقف انتشار تقنيات الأسلحة النووية- جيتي

أثارت الشراكة الثلاثية التي عقدت بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الأربعاء، غضب الأصدقاء قبل الأعداء، خاصة أنها تضمنت توقيع اتفاق لتبادل تكنولوجيا الغواصات النووية، والتي كانت واشنطن تماطل في تزويد حلفائها بها.


وأطلقت الدول الثلاث على هذه الشراكة اسم "تحالف أوكوس AUKUS". وكانت فرنسا أول المعترضين عليه، لأن من الممكن أن تكون أحد نتائجه إلغاء أستراليا صفقة غواصات كانت قد وقعت عليها مع باريس.


ووفقا لبيان نشره الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية، فإن "قادة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا اتفقوا على إطلاق شراكة دفاعية وأمنية تاريخية"، مضيفا أن هذه الشراكة "ستحمي وتدافع عن مصالحنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادئ".


وصعّدت فرنسا خطوات اعتراضها على هذه الشراكة عبر استدعاء سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا، على خلفية أزمة "صفقة الغواصات"، التي نشبت إثر إلغاء أستراليا صفقتها مع فرنسا نتيجة لهذه الشراكة الأمنية.


واستنكرت باريس "الخطورة الاستثنائية" لإعلان الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ولندن وكانبيرا، الذي أفضى إلى إلغاء أستراليا عقدا ضخما لشراء غواصات من فرنسا.

 

اقرأ أيضا: نذر حرب باردة.. غضب صيني من غواصات أمريكا النووية لأستراليا


وقال لودريان في بيان: "بناء على طلب رئيس الجمهورية، فقد قررت أن استدعى فورا إلى باريس للتشاور سفيرينا لدى الولايات المتحدة وأستراليا".


ولم تقتصر الانتقادات على فرنسا، حيث انتقدت الصين الاتفاقية الأمنية التي تمت بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، ووصفتها بأنها "غير مسؤولة" و"ضيقة الأفق".


وقال تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن التحالف يخاطر "بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي... وتكثيف سباق التسلح"، منتقدا ما وصفه بأنه "عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن"، محذرا من أن الدول الثلاث "تضر بمصالحها".


شراكة سياسية أم تجارية؟


وفي ظل الحديث عن عقد صفقات تكنولوجية ضمن هذه الاتفاقية الأمنية ستدر أرباحا بالمليارات، تدور تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الشراكة هي فعلا سياسية وموجهة لاحتواء الصين أم إن هدفها الأساسي تجاري بحت؟ وماذا تعني من وجهة نظر موقعيها؟


اعتبر جوزيف سيرينسيون، كبير الباحثين في معهد كوينسي، وعضو مجلس إدارة مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي، أنه "من غير الواضح ما الذي تعنيه هذه الشراكة الجديدة بالضبط بخلاف بيع الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية إلى أستراليا".


واستدرك بالقول: "ولكن برأيي البيع "التجارة" هو المحرك الرئيسي لهذه المبادرة، حيث من المحتمل أن تبلغ قيمة صفقة الغواصات أكثر من 100 مليار دولار".


وأشار إلى أن "أستراليا استفادت من صفقة الغواصات حيث كان من المتوقع أن تبلغ الصفقة التي كان الأستراليون يتفاوضون عليها مع الفرنسيين حوالي 90 مليار دولار، لكن على الرغم من أن سعرها أقل من الأمريكية إلا أنها تعمل بالديزل والكهرباء، وليس بالوقود النووي كالغواصات الأمريكية".


وأوضح سيرينسيون، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الدافع الرئيسي لهذه المبادرة هو بلا شك تجاري"، و"لن أتفاجأ إذا كانت الفكرة قد نشأت من قبل شركات أسلحة بريطانية وأمريكية، بنفس الطريقة التي بدأت بها فكرة القوة الفضائية من قبل شركات الأقمار الصناعية".

 

اقرأ أيضا: الغارديان تقرأ تداعيات اتفاق أمريكا وبريطانيا وأستراليا


وأردف: "لكن سيتم تبنيها من قبل نخب الأمن القومي في واشنطن ولندن على أنها جزء من الجهد المبذول لاحتواء الصين، ومن المرجح أن معظم النقاش حول هذه المبادرة سيدور حول تداعياتها وآثارها الاستراتيجية، ولكن سيتم دفعها ودعمها من قبل جيوش جماعات الضغط في شركات أسلحة الدفاع في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث سيكون هناك الكثير من الأموال التي يمكن للشركات جنيها في حرب باردة جديدة مع الصين".


وأكمل: "باختصار، هذه صفقة أسلحة تمت صياغتها وكأنها ضرورة استراتيجية، وتوقيعها سوف يضعف الجهود العالمية لوقف انتشار التقنيات النووية الخطرة، ويزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، بالمقابل ستوفر مليارات الدولارات لمجموعة صغيرة من مصنعي الأسلحة، لذلك فهي عبارة عن كارثة على السلام العالمي".


التداعيات والتأثير والرد الصيني


وفي ظل انتقاد الأصدقاء قبل الخصوم لهذه الشراكة، وخاصة من قبل فرنسا التي تضررت تجاريا بسببها يبقى السؤال: ما هي التداعيات والتأثيرات، خاصة على تماسك حلف الناتو بعد أن قامت واشنطن بتزويد دولة خارج الحلف وهي أستراليا بتكنولوجيا ترفض تزويدها لبعض حلفائها بالحلف؟


أكد سيرينسيون على أن "التأثير الرئيسي لن يكون تعزيز الاستقرار في المنطقة "المحيط الهندي والمحيط الهادئ" كما قال موقعو الشراكة، وإنما سيكون تسريع سباق تسلح جديد".


وأضاف: "عادة ما يؤدي إدخال أسلحة جديدة في نزاع ما إلى قيام دول أخرى بإدخال أنظمة تسليح مطابقة لتلك الأنظمة، لذلك فأنا أتوقع أن تزيد الصين من أسطولها من الغواصات وأنظمتها الحربية المضادة للغواصات وعدد وحجم قواتها البحرية، لهذا فإن هذه الشراكة بالنهاية هي سباق تسلح ولا يمكن للدول الثلاث الفوز فيه".


من جهته أوضح ليونيل إنغرام، الخبير في الاستراتيجية والأمن القومي والعلاقات الدولية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نيو هامبشاير، أن "هذه الاتفاقية والشراكة تدور حول مشاركة التكنولوجيا بين ثلاث دول".


وحول تأثيرها على الناتو وتماسك أعضائه خاصة أن واشنطن منحت أستراليا غير العضو بالحلف تكنولوجيا سرية لا تزود حلفاءها بالناتو بها، قال إنغرام لـ"عربي21": "لا تشارك الولايات المتحدة التكنولوجيا بالتساوي مع أعضاء الحلف، خاصة عند التعامل مع تكنولوجيا سرية للغاية، ولكن من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد استنتجت أن المملكة المتحدة وأستراليا بإمكانهما حماية أي معلومات سرية وسوف تقومان بذلك، وأعتقد أن الفائدة المحتملة هي غواصات نووية أكثر قدرة، وتشغيل أفضل بالتشارك بين البلدان الثلاثة".


وأشار إلى أن "هذه الشراكة ليست تحالفًا مصغرًا، وإنما اتفاقية بين ثلاث دول يمكن أن تؤدي إلى تطورات وأعمال تجارية مختلفة، وقد يُنظر إلى أي علاقات بين الدول المعنية بسلوك الصين على أنها معادية للصين".


وأضاف: "بخلاف عدم رضا فرنسا عن احتمال إلغاء اتفاقية بناء غواصات تقليدية مع أستراليا، فلن يكون هناك أي تأثير، فلدى الولايات المتحدة العديد من برامج الأسلحة مع العديد من دول الناتو الأخرى".


ولفت أيضا إلى أن "المانيا مثلا لا تملك غواصات تعمل بالطاقة النووية، وكما أشرت، فإن الولايات المتحدة حذرة بخصوص من تشارك معهم التكنولوجيا، ولذلك فقد تم القيام بالمشاركة على أساس كل حالة على حدة لسنوات، ونادرا ما يصرخ الحليف بسبب ذلك، وفي هذه الحالة، ربما فرنسا فقط قد تواجه مشكلة، وأؤكد على "ربما"، لأن عقدهم مع أستراليا قد يظل ساريًا بدرجة ما".


وحول التوترات التي قد تثيرها هذه الشراكة الأمنية قال إنغرام: "في ما يتعلق بإثارة التوترات، سيكون هناك العديد من الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة والتي لن تحبها الصين، مثلما هناك العديد من الإجراءات التي يقوم بها الصينيون والتي لا تحبها الولايات المتحدة، بالتالي فإنه يبدو لي أنه بالنظر إلى مستوى التوتر الحالي، فسيكون لهذا الإجراء تأثير ضئيل ومعدوم، ويتعين على كلتا الدولتين إبقاء التوترات منخفضة".


لكن في ظل حديث الدول الثلاث خلال التوقيع على الاتفاقية عن الخلافات بينها وبين الصين، وكذلك اعتراض الأخيرة على هذه الشراكة، يبقى السؤال الأهم: هل هي فعلا موجهة ضد الصين أم ضد من؟
أكد كبير الباحثين في معهد كوينسي، جوزيف سيرينسيون، أن "هذا التحالف الثلاثي هو بلا شك مناهض للصين، وكما أشرت إلى أنه على الرغم من أن محركها الأساسي هو تجاري، فإنه سيتم تبنيها من قبل نخب الأمن القومي في واشنطن ولندن كجزء من جهد مشترك لاحتواء الصين".


وأضاف: "لكن التداعيات والتأثيرات الخطيرة لهذه الشراكة ستكون على الجهود المبذولة لوقف انتشار تقنيات الأسلحة النووية، حيث سينتهك بيع اليورانيوم عالي التخصيب إلى أستراليا (وقود مفاعلات الغواصات)، الالتزامات التي تعهدت بها الدول الثلاث بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".


ولفت إلى أن "هذا الأمر سوف يضعف المعاهدة، وعلاوة على ذلك، فسوف ترغب الدول الأخرى في الحصول على نفس الأسلحة الجديدة، حيث قد يقول قائل: لماذا لا تمتلك اليابان أو كوريا الجنوبية غواصات تعمل بالطاقة النووية؟ ومن المرجح أن تؤكد إيران أنها بحاجة إلى تصنيع اليورانيوم عالي التخصيب لغواصات تعمل بالطاقة النووية في المستقبل".


وحول الرد الصيني المتوقع على هذه الشراكة توقع سيرينسيون، أن "يزيد الصينيون ميزانيتهم العسكرية وقواتهم المسلحة وهذا أمر طبيعي"، مضيفا: "تخيل ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا أعلنت الصين أنها قد أبرمت للتو اتفاقيات لبيع أسلحة للبرازيل، والبدء في القيام بدوريات مشتركة في منطقة البحر الكاريبي وإنشاء قواعد عسكرية جديدة في أمريكا الجنوبية.. بالتأكيد ستزيد من جهوزيتها العسكرية في المنطقة".