قضايا وآراء

دكتوراة مع مرتبة الشرف!

1300x600
قامت الدنيا ولم تقعد لحصول الفنان المصري محمد رمضان على "دكتوراة فخرية". اتضح بعد ذلك أن هناك ملابسات كثيرة عند الجهات المانحة التي أعلن عنها الفنان بنفسه، لكن ما لبثت أن تنصلت الجهة المانحة، بمعنى أدق أعلنت عدم مسؤوليتها عن هذا المنح لا من قريب أو بعيد.

في المقابل، شُنّت حملة هجوم ضارية على الفنان ليصبح هدفاً لكل من واتتهم الفرصة على طبق من ذهب لكي يصوبوا سهامهم إلى شخصه، متكئين على آراء البعض من الذين لم يرق لهم زيف وكذب الفنان.

وهذا مع رفضنا لما فعله الفنان أو من أقنعه بمثل هذا الفعل، أو بمن يدير له حياته الفنية بمنطق إثارة واستفزاز الجمهور ليصبح شخصية مثيرة للجدل، ومحط الأنظار دوما أينما ذهب، بغض النظر عما يثيره سلباً من نفور واستياء البعض أو المعظم.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا:

هل ترويج محمد رمضان لموضوع الدكتوراة الفخرية أسلوب من أساليب الدعاية، للتواجد بقوة لدى الجماهير، ومن ثم التأثير على الوعي الجمعي من خلال قاعدة بسيطة وهي: نفي النفي إثبات؟

بمعنى أبسط كمثال:

الجمهور لا يحب الراقصة كمعنى أخلاقي ولكنه يطلبها في أفراحه، بل ويتمناها في خياله برغم احتقاره لها في ذات الوقت.

وكذلك الأكلات المضرة كالوجبات السريعة بأنواعها والمشروبات الغازية والسجائر وما إلى ذلك، وما يصحبها من دعاية سلبية تحذرنا منها ومن مضارها ومخاطرها، ومع هذا كلما زادت حملات التحذير كلما زاد الإقبال الجماهيري على هذه المنتجات.

وهذا ما ينطبق أيضا على أي مجال إنساني، بل ونجد ما يحدث الآن مع مخرج شهير عرف بانفلاته الأخلاقي والذي اضطره للسفر خارج البلاد لتهدئة الأجواء، بالرغم من معاقبة الفتاتين اللتين ظهرتا معه في ڤيديو شخصي مسرب من بعض الجهات. اعتقادي فعلاً أن الڤيديو مُسرب بشكل متعمد، وبرغم من أن المسألة برمتها انفلات أخلاقي شخصي؛ إلا أنه تمت معاقبة الفتاتين وتم غض البصر عن المخرج.

مثال آخر يثير التساؤل والرغبة في التحليل: شركات الوجبات السريعة الكبرى لا تُمانع، بل لديها الرغبة في تحويل سمعة منتجاتها لتكون غير مُستحبة ولتكون رمزاً مرفوضاً مجتمعياً، لكن النتيجة أن هذه الشركات مطلوبة كمنتج غذائي، ومطاعمها دوماً مشغولة في كل أنحاء المعمورة.

الفكرة: تفعل سيكولوجيا الدعاية السلبية دوراً هاماً وقوياً في اللا وعي الجمعي، وقد يسعى البعض على المستوى الشخصي لهذا المنحى.

للتوضيح: السعي لترويج نوع من الترويج السلبي بحد ذاته يُعتبر تحدياً ذا مخاطرة في الظاهر، لكن منهجية توسعه وتناقضه تمثل بدورها تحدياً للوعي الجمعي، حيث يجد الناس أنفسهم منساقين للانخراط في التفاعل. غالباً ما يكون ذلك التفاعل نافرا، ولكن ذلك يفعل فعله لشهرة مُطلِق الدعاية. وبنفس الوقت تكون فرصة تنفيس للكثيرين، بدءاً من الإلهاء وانتهاءً بما يُنفّس عنهم، عن حسدهم أو ضيقهم أو عن رغباتهم المكنونة. إنها فرصة ليسقطوا على هؤلاء كل معاناتهم بالتقريظ والاحتقار؛ ولكنهم في قرارة أنفسهم معجبون بما يصنعه أولئك الذين يسعون للشهرة، من تحد لكل المعطيات الاجتماعية والأخلاقية، وهذا ما يُوسع دائرة انتشار الفنان أم المنتج.

لكن دعونا نطرح السؤال التالي:

هل خلا المجتمع من كل ما هو أهم بكثير ليصبح هؤلاء شغله الشاغل؟

هل خلا المجتمع من مشكلات وتحديات حقيقية لكي تتوقف جميع المواقع والصحف والمجلات والمواد البصرية؛ ولكي يصبح في النهاية هؤلاء هم الأهم والأكثر إثارة؟

نحن نتمنى جميعاً أن نمنح القائمين على مثل هذه الأمور دكتوراة مع مرتبة الشرف، في إدارة الأزمات وتقديم اللا أولويات على الأولويات، لتصبح الأهمية للحدث الذي يخلق الاهتمام والضجة وليس العكس.

فالدكتوراة مع مرتبة الشرف هذه تُمنح لمن يستحقها!!