كتاب عربي 21

عبد المنعم أبو الفتوح في خطر بالغ

1300x600
لا يحمل العنوان أي نوع من أنواع المبالغة الصحفية، أو الإثارة الإعلامية، أو المكايدة السياسية مع النظام السياسي الذي عارضه أبو الفتوح ويدفع الآن ثمن معارضته له. فيكفي أن نعرف أن الرجل لم يعد يستطيع السير لدقائق معدودة، لأن هذه الدقائق تؤدي إلى إجهاد كبير له، وهو مؤشر خطير على ضعف عضلة القلب، التي أصبحت تلازمها الذبحات الصدرية، وفي أحسن الأحوال لا يصاب بالذبحة لمدة عشرة أيام متصلة، كما كتب ابنه على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

منذ لحظة اعتقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وهو في عُزلة تامة عن البشر، ولا يخاطب أحدا إلا الجندي المكلّف بحراسته وفي حدود حاجته أو استغاثته من الأزمات الصحية. وقد سمعنا من معتقلين سابقين أن من ينتقل إلى الحبس المنفرد من الشباب وينقطع عن رفاقه لمدة أسبوع واحد، كإجراء تأديبي من إدارة السجن، فإنه يحتاج إلى وقت ليعاود اندماجه الاجتماعي بين رفاق زنزانته، فما مردود العزلة على من بلغ السبعين من عمره؟ ما الأثر النفسي الذي يُحدثه هذا الانعزال؟ وما التوابع الطبية للعزلة على مريض بالقلب والضغط والسكر؟ وما الهدف من هذه الإجراءات؟

إذا أردنا الاقتراب أكثر من حالة عَزل أبو الفتوح لتخيّل صورتها، فهو موضوع في عنبر (مجموعة من الزنازين) كامل لا يوجد فيه غيره، وباب هذا العنبر مغلق دائما إلا في موعد الزيارة الشهرية، كما أن زنزانته مغلقة عليه طوال اليوم إلا في وقت التريّض الذي يبلغ 90 دقيقة يوميا فقط، فهو لا يخرج من زنزانته إلا مرة يوميا، ولا يخرج من العنبر إلا مرة شهريا، ولا يحدّث مخلوقا إلا لمدة 20 دقيقة في الشهر كله. فأي بشر يحتمل ذلك وإن كان بكامل صحته؟ ومرة أخرى، ما الهدف من هذه الإجراءات؟

هدف النظام السياسي، دون تجميل للألفاظ، إنهاء حياة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهو ما فعله من قبل مع العديد من المعتقلين السياسيين، فهناك إهمال طبي متعمّد، وتجاهل لأبسط حقوق المعتقلين، بما فيها الحقوق التي نصّ عليها القانون، الذي وافق عليه برلمان تحت السيطرة بشكل كليّ، فلا توجد لدى النظام حقوق قانونية ولا حقوق إنسانية.

ما يقوم به النظام المصري لا مبرر له إطلاقا، حتى العداوة السياسية لا تبرر مثل هذا السلوك، لكن مع فهمنا لدوافع النظام، من جهة أنه ينتقم من كل معارضيه، وتتفاوت حدّة الانتقام بحسب درجة المعارضة، فمن غير المفهوم تجاهل مَن كان قريبا من أبو الفتوح لوضعه الصحي شديد الخطورة.

عندما يُطرح اسم أبو الفتوح في الفضاء السياسي المصري، فإن الذهن سيستحضر أسماء عديدة لشخصيات كانت تعتبره ملاذا لها إذا اختلفت مع جماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة المصرية في 2011، خاصة إذا نالتها سهام نقد الجماعة. وإذا أرادت أن تبحث عن صوت عاقل في إطار الحركة الوطنية (لا الحركة الإسلامية فقط)، فإنها تجد عقلانية الصوت في أبو الفتوح، وإذا أرادت تقريب المسافات حال الخلاف الوطني بين التيارات المصرية، فسيكون أبو الفتوح بوابة التقريب.

وفي محاورات الإسلاميين والعلمانيين على مستوى الإقليم، كان أبو الفتوح أحد الأحجار الأساسية في بناء هذا المشروع، وامتد صوته إلى المحافل الدولية كمؤتمر دافوس، ومراكز الأبحاث الكبرى في أوروبا والعالم، ليحاول بقدر جهده أن يساهم في تعرية النّظم السياسية في الشرق والغرب؛ التي تستر سلوكها التدميري بالقيم أو الأديان، بينما هي تتصارع وراء مكاسب مادية تُدنّس المبادئ القيمية والدينية التي تتستر خلفها. صحيح أن أبو الفتوح لم يكن يفعل كل هذا وحده، لكنه كان صوتا بارزا ومسموعا في هذه الأدوار المختلفة من التواصل الاجتماعي والسياسي.

كانت تجربة أبو الفتوح البرلمانية الأولى خلال تحالف الإخوان والوفد في انتخابات البرلمان المصري عام 1984، ولم يكن مرشحا حينها، لكنه كان مشاركا في التأليف بين حزب ليبرالي تاريخي وجماعة دينية تاريخية. وأذكر ذلك لأقول إن فؤاد سراج الدين، القيادي الوفدي الكبير، لو كان على قيد الحياة لذهب بنفسه ليطالب بالإفراج عن عبد المنعم أبو الفتوح، مهما كان خلافه الفكري معه، فهذه هي أخلاق السياسيين الطبيعية، وهذه هي أخلاق أصحاب الهمّ الوطني.

إذا أردنا أن نأخذ خطوة أخرى للأمام، فسنقول بوضوح: أين عمرو الشوبكي، وعمار علي حسن، وضياء رشوان، وهم أبرز المهتمين بالحركات السياسية الإسلامية قبل وبعد الثورة، وكان أبو الفتوح أحد أبرز الأسماء التي يستشهدون بأفكارها داخل الحركة السياسية الإسلامية؟ وأين أولئك الذين وقفوا وراء مشروعه في انتخابات 2012، مثل وائل غنيم ووائل خليل وخالد منصور وعبد الرحمن يوسف؟ وأين الفنانون مثل محمد دياب وعمرو سلامة وبلال فضل وحمزة نمرة؟ وللأسف أين الدكتور القرضاوي أيضا من الحديث عن عبد المنعم أبو الفتوح؟ وأين د. البرادعي وقد كان بينهما تواصل في لحظات حرجة من المسار السياسي واختلاف أيضا، وهو صاحب العلاقات الواسعة التي يمكنها أن تخفف على الأقل من وضعه في السجن؟ وأين السيد عمرو موسى الذي لم يقطع تواصله مع أبو الفتوح حتى قبيل اعتقاله؟ وأين غير هؤلاء وهم كثيرون؟

كذلك أين الحزب الذي كان يرأسه عبد المنعم أبو الفتوح من تسليط الضوء على قضيته وعلى وضعه الصحي؟ نعم قرّر الحزب تجميد نشاطه السياسي بعد اعتقال رئيسه، لكن هل تُعد المتابعة القانونية والصحية نشاطا سياسيا؟ ألا يستحق الرجل الدعم في كل وقت ولحظة، وقد مثّل وجوده على رأس الحزب حماية لأغلب أعضائه من البطش الأمني حتى أتت لحظة 2018 التي عصفت بالجميع؟

إن طرح الأسماء والأسئلة ليس بغرض إحراج أحد، لكنها صرخة أيضا لتبلغ أسماع كل من اتصل بالرجل وآمن بمشروعه وإن لم يؤمن بشخصه، وقد أصبح أبو الفتوح على شفا الموت في أي لحظة. كما لا يمكنهم الصمت إزاء هذا الوضع، وكل شخص أو مؤسسة لها قدرتها التي لا يُطالب بفعل ما يفوقها. فهناك من لا يجد أمامه سوى الإعلام ليتحدث عن حياة أبو الفتوح، وهناك من لديه قنوات اتصال سياسي مع النظام للمساهمة في تغيير هذا الوضع، وهناك من يقدر أن يقوم بدور أو أكثر إزاء وضعه الصحي. وعلى الجميع أن يتحمّلوا مسؤولية هذا الوضع، ومسؤولية حياة هذا الرجل الذي مثّل حلما كبيرا لأتباع أطراف سياسية مختلفة، وقد أوصلهم قادة تياراتهم الفكرية إلى الوضع الحالي، والاكتفاء بالمناقشة حول وجبة الغداء، وأي الأنظمة الغذائية أكثر فائدة من غيرها.

إن حياة جميع المعتقلين مهمة، وحريتهم كذلك لا تقل أهمية، وتخصيص الحديث عن شخص أبو الفتوح ليس لتضييق نطاق قضية تشمل عشرات الآلاف من المظلومين، لكنه تخصيص تلميذ لأستاذ تعلّم منه الكثير في مسارات العمل الوطني والدعوي، ويكفيني أنه رسّخ في تكويني قول النبي "أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا"، وكان يقول هذا وهو ينبهني لعمل السياسيّ، وأن أداته الصدق، وهذا أهم درس تعلمته منه، فمن حقّه على مثلي ألا يتوقف عن الدفاع عنه وتسليط الضوء على قضيته وحياته.

twitter.com/Sharifayman86