اقتصاد عربي

ما تداعيات قرار الجزائر بوقف توريد الغاز إلى المغرب؟

المغرب يأخذ تقريبا 60 مليون دولار رسوم عبور الخط الجزائري عبر أراضيه- الأناضول

أعلنت الجزائر، الأحد، عن وقف تجديد عقد توريد الغاز الطبيعي إلى جارتها المغرب من خلال خط الأنابيب المغاربي-الأوروبي، وسط تساؤلات عن التداعيات الاقتصادية لهذا القرار، وخيارات البلدين.

وقالت الرئاسة الجزائرية، في بيان الأحد، إن الرئيس عبد المجيد تبون، أمر شركة سوناطراك بوقف العلاقة التجارية وعدم تجديد عقد الغاز مع المغرب.

لا تأثير سلبيا على الجزائر


أكد الخبير الاقتصادي، الأستاذ المحاضر بجامعة تیبازة الجزائرية، رضوان لمار، أن "التأثير على المغرب أكثر من الجزائر، حيث يساهم الغاز الجزائري في توليد ما نسبته 15- 20 في المائة من الكهرباء في المغرب، بالتالي فإن تكلفة التزود بالغاز سوف تزيد إذا اختار المغرب موردا آخر مثل نيجيريا أو غيرها".


وأوضح لمار خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "لا يوجد تأثير اقتصادي سلبي على الجزائر، بل على العكس ستكون تكلفة نقل الغاز أقل، لأن الخط البديل الذي سوف يتم تزويد إسبانيا عبره بالغاز أقصر بنسبة 30 في المائة من الخط الذي يمر عبر المغرب والذي تم إيقافه".


وفي وقت سابق، أكدت وزارة الطاقة الجزائرية، استعداد البلاد ‏لتلبية حاجات إسبانيا من الغاز بشكل مباشر، عبر أنبوب "ميد غاز" الذي تبلغ طاقته السنوية ثمانية مليارات متر مكعب، ولا يمر بالمغرب، بالمقابل تصدر الجزائر تقريبا 1305 مليارات مكعب يذهب منها مليار للمغرب.


وهو ما يدفع للتساؤل عن تأثير الفرق في السعة بين الخط القديم والبديل.


يرى الخبير الاقتصادي الجزائري رضوان لمار أن "مسألة الفارق في السعة بين الخط البديل والقديم لن تؤثر اقتصاديا على الجزائر، لأن الخط البحري الناقل بين الجزائر وإسبانيا قصير، بالتالي فإن التكلفة أقل مقارنة بالخط الذي تم إيقافه".


وحول ماذا ستفعل الجزائر لحماية الخط الجديد من الضرر وبالتالي تعطل توريد الغاز لإسبانيا قال: "حتى لا تتأثر عملية نقل الغاز لإسبانيا، لا بد من حماية الخط البديل عبر الصيانة الدورية، ولكن في حال تضرر أيضا فإن لدينا ثلاث ناقلات للغاز، ومع قصر المسافة بين الجزائر وإسبانيا فلن تكون تكلفة النقل عالية، بالعكس ستكون أقل".

 

اقرأ أيضا: الجزائر تعلن رسميا وقف توريد الغاز الطبيعي إلى المغرب

تأثير ضعيف على المغرب

 

ويمتد الأنبوب الذي تم إيقافه على مسافة 1300 كيلومتر، منها 540 كيلومترا داخل التراب الوطني المغربي، وهو ما يُخول المغرب الحصول على حقوق المرور بواقع 7% من الكمية المتدفقة في الأنبوب، ما يوازي 700 مليون متر مكعب كمتوسط سنوي، أي حوالي 65% من حاجيات المغرب من الغاز البالغة 1.3 مليار متر مكعب سنويا.


إلا أن مدير مركز أفريقيا ميد للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، "نفى أن يتأثر المغرب اقتصاديا من توقف الأنبوب"، وأكد أن "التأثير سيكون ضعيفا جدا".

 

واستدرك بالقول لـ"عربي21: "سيكون هناك تداعيات اقتصادية وكذلك اجتماعية، لأن أنبوب الغاز المغاربي كان يضخ عائدات مالية في الخزينة العامة للدولة المغربية، إضافة إلى كمية من الغاز الطبيعي يتم استهلاكها من قبل المغرب".

 

وأضاف: "لكن بشكل عام المغرب لا يعول كثيرا على هذا الخط في التزود باحتياجاته من الغاز".

وحول حديث الخبير الجزائري روضان لمار بأن 15- 20 في المائة من الكهرباء في المغرب يتم توليدها بالغاز الجزائري قال الفاتحي: "هذه معلومة غير دقيقة بالمطلق، لكن الذي يحدث أن الجزائر في سياق حرب اقتصادية على المغرب من خلال هذا الأنبوب".


ولفت إلى أن "التأثيرات الاقتصادية ستكون على الميزانية العامة وكذلك على إنتاج الكهرباء في المغرب، ولكن التأثير ضعيف ونسبي لأن المغرب يتزود باحتياجاته من الطاقة من الأسواق العالمية، ولا تأثير لتوقف الأنبوب الجزائري، لأن الكمية المخصصة للمغرب هي أقل بكثير من حاجته وليست نفس الكمية التي تأخذها إسبانيا من الجزائر".

وأشار إلى أنه "في إطار مفاوضات الخط خصص جزء من الغاز للمغرب، ولكن لم يخصص هذا الجزء على أساس تزويد السوق المغربي باحتياجاته المهمة والأساسية".

وحول البديل الذي يمكن للمغرب اللجوء إليه، قال الفاتحي: "هناك مفاوضات بين المغرب وإسبانيا من أجل أن يتزود بالغاز الطبيعي منها، عبر استغلال ذات الأنبوب بمعنى بطريقة استرجاعية، أي من محطات الغاز المسال في إسبانيا التي تأخذ الغاز الجزائري".

وأكد أنه "على الرغم من أن التكلفة سترتفع، إلا أنها ستبقى في حدود الإمكانيات المتاحة من السوق الدولية، وبالتالي فالتأثير سيكون ضعيفا لأن الرهان المغربي على هذا الأنبوب الذي سمي مغاربيا، هو كان فقط في إطار محاولات مغربية لتكون هناك روابط بين الجزائر والمغرب، وأن يعزز الروابط بين المغرب والجزائر لتشجيع استثمارات أخرى في المستقبل من أجل الضغط على الجزائر لتطبيع العلاقات، بالتالي فإنه لم يكن الرهان عليه اقتصاديا بحتا".

مورد غير موثوق!


ويقول محللون، إن مشاكل فنية مرتبطة بخطط الجزائر لتوسيع طاقة خط الأنابيب ميد غاز قد تفاقم أزمة الطاقة في إسبانيا، في وقت تقفز فيه فواتير الغاز في أرجاء أوروبا.


ما يدفع للتساؤل: هل تستطيع الجزائر الالتزام بعقودها؟ وأيضا ما رأي خبراء الطاقة في تأثير إيقاف هذا الخط على البلدين؟ وهل القرار سياسي أم اقتصادي؟

يرى الخبير في الطاقة نهاد إسماعيل أن "هذا القرار سياسي وليس اقتصاديا، ولكن سيكون له آثار اقتصادية على البلدين، ولكن ليس بنفس الدرجة".

وأوضح إسماعيل خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الجزائر لن تتأثر كثيرا من الناحية الاقتصادية لأنها ستواصل إرسال الغاز من خط يدعى ميد غاز، وستلبي الطلب الإسباني بحسب العقود لذلك لن يكون هناك تأثير، وهو فقط معاقبة للمغرب لأسباب سياسية".

وأضاف: "بالمقابل الخسارة الواضحة للمغرب ستكون محدودة، لكنها ستخسر مرتين أولا، قيمة رسوم العبور التي تبلغ حوالي 60 مليون دولار، ثانيا ستخسر أسعارا تفضيلية للغاز الذي كانت تحصل عليه، والخسارة المادية بحسب مصادر مغربية قد تصل إلى 200 مليون دولار، لذلك فإن المغرب سيكون الخاسر الأكبر لأنه سيدفع فاتورة عالية للغاز ويخسر رسوم العبور".

وردا على تقليل الفاتحي من الأثر الاقتصادي لوقف الخط قال إسماعيل: "التزود من بلدان أخرى يضيف زيادة على التكلفة وربما الخسائر لن تكون فادحة بالمليارات، ولكن قد تكون بمئات الملايين وهذا مكلف، وطبعا الجزائر تريد أن تقلل من الاعتبارات السياسية وتقول إن القرار لاعتبارات لوجستية، ولكن لا شك في أن المغرب يقلل من حجم الخسارة لأسباب سياسية، ولكنه سيضطر للاستيراد من دول أخرى مثل النرويج أو أمريكا".

وحول أسباب تقليله من احتمالية خسارة الجزائر خسائر كبيرة قال: "سوف تستمر بتوريد الغاز وبيعه مباشرة لإسبانيا، وأوروبا الآن فيها أزمة غاز، لذا فإنها ستقبل أي كميات ممكنة وبالتالي فإن خسارة الجزائر ستكون أن صورتها ربما تتأثر في السوق الدولية للطاقة، بمعنى أنها ستظهر كمزود غير موثوق 100 في المائة، لأنه من المفترض بقعود الطاقة أن تستمر بغض النظر عن المواقف السياسية".

وأضاف: "بالتالي فإن أي مشتر جديد أو مستورد جديد سيضع شروطا منها ما يسمى بـ(فقرات تعويضية) بمعنى التعويض في حال توقف التوريد لأي سبب.. والسؤال: هل الجزائر تريد أن تكتسب هذه الصفة؟!".