سياسة عربية

هل حسم التحالف الجدل بشأن الانسحاب من الحديدة اليمنية؟

أعلن التحالف إعادة انتشار القوات المشتركة في محافظة الحديدة- جيتي

أزال بيان التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، جانبا من الغموض الذي أحاط بانسحاب "القوات المشتركة" التي تديرها دولة الإمارات، شريك المملكة الرئيس في التحالف، من الساحل الغربي بمحافظة الحديدة، غرب البلاد، بشأن موقف الرياض وتفرد الإماراتيين بهذا الإجراء.


لم يكن الانسحاب من عمق محافظة الحديدة إلى مدينة الخوخة التي تتبعها إداريا، جنوبا، ومدينة المخا التابعة لمحافظة تعز، بقرار من أبوظبي كما بدا للوهلة الأولى، بوصفها المشرفة على القوات المنسحبة، بل كان القرار متفقا عليه مع قائدة التحالف، وهو ما كشفه المتحدث باسمه، العقيد الركن تركي المالكي.


والاثنين، كشف المتحدث باسم "التحالف العربي"، تركي المالكي، أن إعادة انتشار القوات في محافظة الحديدة الساحلية تتماشى مع خطط التحالف المستقبلية، وأن ذلك بتوجيهات من قيادة القوات المشتركة للتحالف.

 

اقرأ أيضا: التحالف يبرر إعادة انتشاره بالحديدة ونزوح آلاف إثر تقدم الحوثي

وأضاف المالكي، في بيان، أن "العملية اتسمت بالانضباطية والمرونة، بحسب ما هو مخطط لها"، مؤكدا أن "القوات المشتركة بالساحل الغربي حققت انتصارات نوعية تُوِّجت باتفاق ستوكهولم (لعام 2018)، وقدمت كثيراً من التضحيات لاستعادة الدولة اليمنية وإنهاء الانقلاب".


وعلى الرغم من أن بيان القوات المشتركة الممولة إماراتيا، الصادر السبت، لم يكن مقنعا، إذ أظهرها مرتبكة، نظرا إلى حجم المبررات التي ساقها البيان لعملية الانسحاب، إذ تشير الحقائق على الأرض إلى أنه كان قرارا مفاجئا، لقيادات في تلك القوات ذاتها.


ما يزيد على الـ100 كيلومتر تقريبا، على طول الشريط الساحلي الممتد من الدريهمي وحتى التحتية جنوبا، هو العمق الذي انسحبت منه القوات المدعومة إماراتيا، بعدما كلفت السيطرة على تلك المناطق خسائر بالآلاف من المقاتلين، بين قتيل وجريح، خلال عامي 2017 و2018.  


انسحاب القوات المشتركة التي تضم "ألوية العمالقة" و"الألوية التهامية" وقوات "المقاومة الوطنية"، بعد الاختراق الكبير الذي مكنها من الوصول إلى شرقي مدينة الحديدة، وقطع واحدة من أهم الطرق التي تربطها بالعاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يندرج ضمن "إعادة الانتشار أو التموضع" في الاستراتيجيات العسكرية، رغم تبريراتها بأن ذلك يتسق مع اتفاق ستوكهولم.


ومن المفارقات التي تحيط بعملية الانسحاب ومبرراتها، إعلان بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة، "عدم علمها المسبق بأي انسحاب"، وهي الجهة المعنية بالإشراف على إعادة الانتشار لقوات الطرفين.


كما يمكن الإشارة إلى التداعيات الانسانية المتمثلة في حركة النزوح التي ترافقت مع عملية الانسحاب والتي لا تزال متواصلة حتى اليوم السادس من العملية إلى مناطق الساحل الغربي.


إلى جانب حركة النزوح، فإن دخول الحوثيين إلى المناطق التي شكلت حاضنة شعبية للقوات المشتركة، خصوصا الألوية التهامية التي ينتمي مقاتلوها إلى مديريات المحافظة الساحلية، جعل منها عرضة للنزعة الانتقامية الحوثية من ناحية، وضرب الحاضنة الاجتماعية للحكومة المعترف بها في الصميم، لتفقد ثقتها بها، من ناحية أخرى.


وفيما حاولت السعودية، عبر بيان تحالفها العسكري، حسم الجدل حول عملية الانسحاب التي نفذتها القوات الموالية للإمارات، الأسبوع الماضي، فإن الشكوك والتكهنات كثيرة، لا سيما أن هذا البيان جاء متأخرا بعد خمسة أيام مما أسماه" إعادة التموضع".

 

اقرأ أيضا: كيف علّق النشطاء على انسحاب قوات التحالف من الحديدة اليمنية؟

كما أن التحالف أبدى إصرارا  على أن الانسحاب كان منظما، وذلك للمواءمة مع الاستراتيجية العسكرية في اليمن، فيما الحقائق على الأرض تدحض هذه الرواية، إذ تؤكدها حالة الارتباك والعشوائية التي طغت على العملية، ووقوع حالة تمرد في صفوف قيادة بعض التشكيلات العسكرية من القوات المنسحبة، رفضا لعملية الانسحاب، قبل أن يتم التلويح بقصف الطيران، في حال عدم تنفيذ الأوامر.


بالإضافة إلى ذلك، فإن مسلحي "أنصار الله" (الحوثيين) تمكنوا من السيطرة على المناطق التي انسحبت منها القوات المدعومة من الإمارات وقد اندلعت معارك عنيفة بين الطرفين مخلفة قتلى وجرحى، فضلا عن وقوع عشرات الأفراد من تلك القوات أسرى في قبضة الحوثيين.


وليس من الواضح، مغزى دوافع عملية "إعادة التموضع" من هذا النوع، بالنظر إلى المكاسب المجانية التي حصدها الحوثيون دون أي كلفة في القوى والوسائل، باستثناء ما حدث في مديرية التحيتا، جنوبي مدينة الحديدة، بعدما شنت قوات "المقاومة التهامية" وكتائب من ألوية العمالقة الرافضة لهذا القرار هجوما معاكسا على المسلحين الحوثيين بعدما تمكنوا من السيطرة على مركز المديرية، قبل التوجه إلى منطقة الحيمة التي تضم ميناء إقليميا على البحر الأحمر.


النائب في البرلمان اليمني محمد ورق، تحدث عن مؤامرة لتمكين الحوثيين من السيطرة على مدينة الحديدة، إثر عملية الانسحاب التي نفذتها قوات موالية للإمارات من ضواحي الحديدة والتمركز على بعد 160 كلم من مركز المحافظة، ورأى أن "هذه الخطوة تغلق ملف التحرير نهائيا وترسم خارطة حدودية لإدخال مدينة الحديدة بشكل كامل في سيطرة المليشيات الحوثية، باتفاق دولــي تم تمريره من تحت الطاولة".


وأضاف عبر صفحته على موقع "فيسبوك" قبل أيام، أن خطوط مؤامرة إسقاط الساحل، تقضي أيضا، بـ"الاكتفاء بتواجد القوات المتواجدة في الساحل الغربي كخط حماية للممر المائي الدولي"، مؤكدا أنه سيلي ذلك "ترسيم حدود الخارطة الجغرافية لتواجد القوات المدعومة إماراتيا بجدار من الأسلاك الشائكة، يجري مده حاليا"، وهو ما بدأت به القوات المنسحبة فعلا على أرض الواقع.

 

اقرأ أيضا: التحالف يعلن مقتل 157 حوثيا بمحيط مأرب خلال يوم واحد

وصرحت مصادر عسكرية لـ"عربي21" بأن "قيادة القوات الموالية للإمارات، شرعت في إنشاء أسلاك شائكة وبناء سواتر ترابية على طول المناطق التي تسيطر عليها في التحيتا وحيس والخوخة، جنوبا، بعد انسحابها من محيط مركز مدينة الحديدة"، وهو ما يعزز فرضية، أن ملف استعادة محافظة الحديدة الاستراتيجية، أقفل نهائيا.


ومما يثير الغرابة أكثر، أن "السلطة الشرعية" في اليمن، التي تعد الجهة المسؤولة والموقعة على اتفاق ستوكهولم، غائبة تماما عن هذا الحدث، أو مغيبة، وربما هي آخر من علم بذلك، وهي وراء شن الحرب بدعوى إعادتها إلى صنعاء لإنهاء انقلاب الحوثيين عليها، إذ لم يصدر عنها أي تعليق حول تلك العملية التي مضى عليها ستة أيام.  


كما أنه لا يمكن لبيان قيادة التحالف، أن يخفي تفرد الإمارات بقرار الانسحاب، حتى وإن جاءت محاولات التغطية على ذلك، وهو ما يشير إلى "محاولة سعودية لاحتواء الموقف" الذي أضعف، من جديد الثقة في الدور الذي تقوم به السعودية وشريكتها في حرب اليمن.


ولا شك في أن قرار إعادة تموضع القوات المدعومة من أبوظبي في الشريط الساحلي الممتد من مديرية الخوخة جنوبي الحديدة، مرورا بمدينة المخا الاستراتيجية، ووصولا إلى مديرية "ذو باب" بالقرب من ممر الملاحة الدولي "باب المندب"، كان محرجا ومربكا للسعوديين في آن واحد..


فالرياض تولي اهتماما بهذه المنطقة البحرية الممتدة من باب المندب وحتى سواحل مدينة ميدي بمحافظة حجة الحدودية معها، من نوع خاص، سعيا منها للقضاء على التهديدات الإيرانية، وضمان عدم حصولها على موطئ في منطقة البحر الأحمر.


وفي كل الأحوال، ربما أرادت السعودية من خلال بيان التحالف الذي تقوده، كسب جميع التشكيلات المنضوية في القوات المشتركة في الساحل الغربي، ووضع يدها عليها مباشرة، أو على الأقل شكليا، إذ لا يزال الممول الإماراتي متحكما في تلك القوات.


ويبرز هذا الموقف، كشكل من أشكال الاختراق لتلك القوات التي تعيش حالة صراع وفقدان الثقة بينها، وهو ما يهدف له السعوديون، وصولا إلى الاستحواذ على ولاءات بعض منها، إن لم يكن كلها، في وقت تعيش فيه حالة صراع عميق وصدمة كبيرة جراء تحولات المواقف الإماراتية، لا سيما "ألوية العمالقة" و"الألوية التهامية"، التي ترى أن أبوظبي تبدي استخفافا بتضحياتها، وعدم الاكتراث بالتداعيات العسكرية والإنسانية إزاء ذلك.


وكان لافتا، أن بيان السعودية عبر الناطق باسم التحالف، الذي تبنى عملية الانسحاب؛ جاء بعد ساعات من وصول رئيس أركان الجيش اليمني، صغير بن عزيز، إلى الرياض، ولقائه بقائد القوات المشتركة في التحالف، مطلق الأزيمع.


زيارة ابن عزيز إلى الرياض، يبدو أنها ناقشت مبررات الانسحابات المفاجئة لقوات الساحل، إذ يحمل توقيت الزيارة دلالات على ذلك، وهو الأمر الذي حدا بالتحالف إلى تبني العملية للمواءمة مع استراتيجيته العسكرية في اليمن، بحسب وصف البيان.


علاوة على ذلك، فإنه لا يمكن إغفال البعد الإقليمي المتداخل في الحرب اليمنية، لا سيما أن عملية الانسحاب من ضواحي مدينة الحديدة، أتى في أعقاب زيارة وزير خارجية دولة الإمارات عبد الله بن زايد إلى سوريا، وكأن ما حدث في اليمن كان ثمنا للتقارب مع دمشق، وأحد شروط وضعتها إيران لذلك.


وما بات ملاحظا، هو التغير في مواقف واستراتيجية أبوظبي في حرب اليمن، وربما هدفت من قرار كهذا إلى إرباك المشهد وزيادة تعقيداته ورسم الخرائط العسكرية  النهائية، في ظل ما يحاك خلف الستار في عواصم عدة، وما تمر به المنطقة من تحولات جيوسياسية، وبالتالي، فإن الشأن اليمني ليس منفصلا عن شؤون المنطقة.