قضايا وآراء

لماذا علينا أن نقلق من التوتر الروسي الأوكراني؟

1300x600
آخر ما يهم الإنسان العربي هو معارك لا تدور في أرضه بين دول أخرى، فلدينا ما يكفي ويزيد من حروب وصراعات، غير أن النزاع الروسي الأوكراني الذي اتخذ شكلا غير مسبوق خلال الأيام الماضية يدعو للقلق؛ لأن ألسنة لهيبه إذا امتدت لن تقتصر على أوكرانيا بل يطال العرب منها شرر ليس بالقليل.

ما جرى باختصار هو حشود عسكرية غير مسبوقة على الحدود بين البلدين واتهام الرئيس الأوكراني لموسكو بالوقوف خلف ما وصفه بمحاولة انقلاب، الأمر الذي ردت عليه واشنطن بأن كل الخيارات مفتوحة للرد على هذا الحشد الروسي الكبير وغير المعتاد، وأن حلف شمال الأطلسي سيتخذ قرارات في هذا الشأن خلال الأيام القادمة، وسط وخشية غربية واضحة من غزو عسكري لأوكرانيا.

الأمر يبدو أنه يتجاوز التوتر الغربي الروسي حول النفوذ الاستراتيجي في أكبر دول أوروبا من حيث المساحة وذات الموقع الاستراتيجي، وهي أوكرانيا. وهو توتر بلغ مداه عام 2014 عندما اجتاحت روسيا أرضا تابعة للسيادة الأوكرانية وهي شبه جزيرة القرم، ثم إشعال حرب استنزاف بين مقاتلين تابعين لموسكو والقوات الأوكرانية في دونيسك في شرق أوكرانيا مستمرة حتى الآن. وقد أنشأ هذا الوضع ما يشبه الحرب الباردة بين روسيا من جهة وبين دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة من جهة أخرى.
الأمر يبدو أنه يتجاوز التوتر الغربي الروسي حول النفوذ الاستراتيجي في أكبر دول أوروبا من حيث المساحة وذات الموقع الاستراتيجي، وهي أوكرانيا

ترى موسكو في كييف حديقة خلفية لها ومناطق أمان وحاجزا استراتيجيا يحميها من الغرب؛ لكونها دولة تابعة سابقا للاتحاد السوفييتي وذات حدود مشتركة مع روسيا حاليا. ويرى الغرب في أوكرانيا فرصة لتقليم أظافر الطموحات الكبيرة للقيصر الروسي في أوروبا وتحجيم نشاطه الاستراتيجي.

لقد أفلتت دول مثل بولندا والتشيك وغيرها من النفوذ الروسي، ودخلت النادي الأوروبي عبر الاتحاد الأوروبي، وهي الخطوة التي كان يأمل الاتحاد أن يقوم بها في أوكرانيا، وهذا أكثر ما تخشاه موسكو. نظرة واحدة على الإجراءات المتسارعة من قبل الأوروبيين تجاه كييف وكم المشروعات التي ينجزها الاتحاد هناك؛ تكشف عن هذه الحقيقة.

خطورة الوضع على الجبهة الروسية الأوكرانية أن التاريخ يخبرنا بأن أي اشتعال في هذه المنطقة هو اشتعال لكل أوروبا وجوارها العربي والإسلامي. وقد بدأت شرارة الحرب العالمية الأولى من البلقان وتحديدا من سراييفو، أيضا بدأت الحرب العالمية الثانية من بولندا. قضية فلسطين نفسها تأثرت سلبا في القرن العشرين بسبب التوترات في أوروبا الشرقية، وزادت الهجرات اليهودية بشكل كبير بسبب الاضطهاد الكبير الذي وقع على اليهود هناك في القرنين التاسع عشر والعشرين.
خطورة الوضع على الجبهة الروسية الأوكرانية أن التاريخ يخبرنا بأن أي اشتعال في هذه المنطقة هو اشتعال لكل أوروبا وجوارها العربي والإسلامي

حروب البلقان في تسعينيات القرن الماضي كانت مثالا مصغرا لهذه الكوارث التي طال لظاها المجتمعات المسلمة هناك في البوسنة وكوسوفا، الفارق أن الحرب كانت أوروبية- أوروبية على نطاق أصغر مما يتوقع حدوثه إذا كانت هناك قوى كبيرة مشتركة في المعارك. ولا ننسى أن الاستراتيجية الروسية في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة هي الدعم الكبير للتيارات اليمينية المتطرفة، أي أن هذا التيار هو رأس حربتها في أي نزاع قادم في أوروبا. ومن المعروف أن هذا التيار يستهدف على رأس أولوياته المهاجرين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، أي أن أي تمدد للنفوذ الروسي أوروبيا سيدفع المسلمون الأوربيون ثمنه باهظا. وهي مفارقة غاية في الغرابة، لأن روسيا الحالية فيها جاليات وجمهوريات إسلامية، لكن طبيعة النزاع مع المعسكر الغربي فرض هذا التحالف.

استخدمت روسيا كل الوسائل في صراعها الغربي ما دون القوى العسكرية؛ من حروب إلكترونية وإعلامية، وصولا لاتهامها بالتدخل في الانتخابات التي أوصلت دونالد ترامب للبيت الأبيض واستفتاء بريكست لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكانت الحرب الكلامية بين الطرفين على خلفية أزمة الغاز واللاجئين على الحدود البيلاروسية البولندية هي أحد فصول هذا الصراع.

twitter.com/hanybeshr