كتاب عربي 21

معادلة السيسي.. التضخم مقابل الاقتراض

1300x600
تسلم عبد الفتاح السيسي تقرير التنمية البشرية في مصر لعام 2021 منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، واحتفى النظام السياسي المصري بالتقرير، الذي صدر بعد غياب 10 أعوام.

وقد حفل التقرير بالإشادة بما حققه نظام ما بعد 2013، فجاءت مقدمته داعمة لمساره رغم القمع الذي ارتبط بنشأته: "شهدت مصر منذ ثورة يناير 2011 العديد من التطوّرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة، والتي بلغت ذروتها في يونيو 2013 حينما استطاعت الدولة المصرية وضع حدٍّ للصراع السياسي والتطرف والسيطرة من جديد على مقدّراتها وبدء مرحلة جديدة تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتدعيم الاستقرار السياسي والأمني، ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين".

ثم عاد التقرير في ملخصه التنفيذي ليشير إلى إشادة "المؤسسات الدولية المختلفة بنجاح تجربة الإصلاح الاقتصادي في مصر، وأوضح صندوق النقد الدولي في تقاريره المتتالية الخاصة بمتابعة أداء الاقتصاد المصري لبرنامج الإصلاح أن الاقتصاد المصري يواصل أداءَه الجيد رغم الأوضاع العالمية الأقل إيجابية، مما أدَّى لارتفاع معدل النمو إلى 5.4 في المائة في العام المالي 2021/2020، وانخفاض عجز الموازنة إلى 7.6 في المائة من الناتج المحلِّي الإجمالي، والبطالة إلى 7.3 في المائة في العام نفسه، بالإضافة إلى انخفاض عجز الحساب الجاري وتعافي النشاط السياحي قبل جائحة كورونا، وانخفاض إجمالي دين الحكومة العامة بدعم من إجراءات الضبط المالي وارتفاع النمو".
حفل التقرير بالإشادة بما حققه نظام ما بعد 2013، فجاءت مقدمته داعمة لمساره رغم القمع الذي ارتبط بنشأته

من المهم أن يتم تفسير بعض المفاهيم لتكون الصورة أكثر وضوحا؛ فالناتج المحلي الإجمالي هو "قيمة جميع السلع والخدمات النهائية داخل دولة ما خلال فترة زمنية محددة، وهو يعكس الحالة الاقتصادية للدولة عبر تقدير حجم الاقتصاد ومعدل النمو لهذه الدولة". وتوجد عدة طرق لاحتسابه، لكن طريقة المصروفات هي التي يمكن عبرها تعظيم رقم الناتج المحلي الإجمالي إذا كانت الدولة ضعيفة إنتاجيا، لذا سيكون مناسبا الدخول إلى الحالة المصرية عبرها.

يشمل الناتج المحلي الإجمالي عبر احتساب المصروفات؛ مصروفات البنية التحتية مثل الجسور، وتشمل بناء السجون والمدارس والمستشفيات، فكل مصروفات الدولة تدخل في احتساب هذه القيمة. ويتم احتساب معدل النمو عبر مقارنة السنة الجديدة بالسابقة، فلو كان الناتج المحلي الإجمالي لدولة 100 مليار دولار، وأصبح في العام التالي 102 مليار دولار، فإن نسبة النمو السنوية لهذه الدولة بلغت 2 في المائة.

وفقا لوزيرة التخطيط المصرية فإن نسبة النمو في مصر قد تبلغ 5.4 في المائة بنهاية العام الحالي، لكن هل ستكون الصورة بهذا الإشراق إذا ركزنا النظر على الأوضاع التفصيلية بعيدا عن الأرقام الكليّة؟ بمعنى آخر، هل انعكست هذه الأرقام "الإيجابية" على واقع المواطنين من جهة الأجور والأسعار؟

منتصف آذار/ مارس الماضي، قرر السيسي رفع الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 2400 جنيه (الدولار يساوي 15.6 جنيها تقريبا)، وسيبلغ إجمالي الزيادات في الأجور والعلاوات والمعاشات 92.5 مليار جنيه (نحو ستة مليارات دولار أمريكي)، لكن هل يمكن لـ2400 جنيه أن تكفي أسرة مكونة من أربعة أفراد فقط؟

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن معدل التضخم ارتفع في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بنسبة 7.3 في المائة، مقارنة بـ4.6 في المائة عام 2020. وقد أرجع الجهاز هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، والألبان وأنواع الجبن والبيض، والأسماك والمأكولات البحرية، والحبوب والخبز، والإيجار المحتسب للمسكن، ونفقات النقل الخاص، والصحف والكتب والأدوات الكتابية، ومصروفات التعليم قبل الابتدائي والأساسي، ومصروفات التعليم العالي، ومصروفات التعليم الثانوي والفني، ومصروفات قسم الرعاية الصحية.
في ظل هذه الزيادات التي تتوزع بين الاحتياجات الغذائية الأساسية، واحتياجات المسكن والتنقل، هل يمكن الاعتماد على البيانات الحكومية التي تعطي مؤشرات اقتصادية كلية إيجابية؟ هذا بفرض دقتها.

كما أعلن وزير التموين المصري رفع سعر لتر زيت التموين من 21 إلى 25 جنيها بدءا من تشرين الثاني/ نوفمبر، وبحسب الوزير، فإن مصر تستورد 97 في المائة من احتياجاتها من الزيت الخام. كذلك رفعت الحكومة المصرية أسعار غاز المنازل والقطاع التجاري بنسب تتراوح بين 4.2 في المائة إلى 6.4 في المائة، بينما ارتفعت أسعار الغاز إلى المصانع كثيفة الاستهلاك (الحديد والصلب والأسمنت والأسمدة والبتروكيماويات) بنسبة 28 في المائة لتصبح 5.75 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. وتأتي هذه الزيادة في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار الغاز عالميا بنسبة 8 في المائة، لتهبط إلى 4.89 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.

هذه الزيادات ستؤدي إلى رفع أسعار المواد الغذائية بنسب متفاوتة، خاصة زيادة أسعار الغاز التي أدت إلى رفع أسعار مواد البناء، كما سترتفع أسعار الأسمدة التي يقوم عليها القطاع الزراعي، ومن ثَم سترتفع أسعار الخضروات والفاكهة.

وترجع زيادة أسعار اللحوم والدواجن إلى الزيادة الكبيرة في سعر طن العلف الذي يتراوح بين 8100 جنيه و8150 جنيها، مقارنة بـ5000 جنيه العام الماضي. وتستورد مصر حوالي 80 في المائة من الذرة والفول والصويا المستخدمة في علف الدواجن والحيوانات.

في ظل هذه الزيادات التي تتوزع بين الاحتياجات الغذائية الأساسية، واحتياجات المسكن والتنقل، هل يمكن الاعتماد على البيانات الحكومية التي تعطي مؤشرات اقتصادية كلية إيجابية؟ هذا بفرض دقتها.
هذه هي المعادلة التي يقدمها النظام السياسي المصري: السماح بالتضخم ليتحمل المستهلكون فواتير النفقات الحكومية غير الرشيدة في البنية التحتية، وترك أولوية تركيز الإنفاق على التعليم والصحة. وفي مقابل هذا التضخم والإنفاق الشعبي يتزايد الاقتراض والدَّيْن، ليَلْتَهِم 90.6 في المائة من الناتج الإجمالي المصري

وفقا للاقتصادي الفرنسي جان بيار سيريني، فإن مصر تهدف إلى "إعطاء مكافآت سخية لرؤوس الأموال الأجنبية لجذبها إلى البلاد، وبالتالي تمويل عجز الموازنة العامة للدولة وكذلك العجز في ميزان المدفوعات (..). تستخدم القاهرة أحد أعلى معدلات الفائدة في العالم، بين 13 و14 في المائة سنويا، للقروض بالعملة المحلية، و7 إلى 8 في المائة للعملات الأجنبية. وبحسب وكالة بلومبرغ المالية الأمريكية، التي تراقب بانتظام 50 دولة ناشئة، فإن أسعار الفائدة الحقيقية المصرية (أي سعر الفائدة الاسمي مقارنة بارتفاع الأسعار) هي الأعلى في العالم (..) وهكذا يدفع المستهلكون مقابل الهدايا المقدمة للمضاربين الأجانب".

هذه هي المعادلة التي يقدمها النظام السياسي المصري: السماح بالتضخم ليتحمل المستهلكون فواتير النفقات الحكومية غير الرشيدة في البنية التحتية، وترك أولوية تركيز الإنفاق على التعليم والصحة. وفي مقابل هذا التضخم والإنفاق الشعبي يتزايد الاقتراض والدَّيْن، ليَلْتَهِم 90.6 في المائة من الناتج الإجمالي المصري. ومع هذه الأرقام المرعبة لا يزال النظام السياسي يتشدق بالإصلاحات، وتقوم المؤسسات والحكومات الدولية بتقديم دعم لا محدود لأحد أشرس الأنظمة القمعية في العالم.

twitter.com/Sharifayman86