قضايا وآراء

عام جديد ومتحوّر أسدي متطور

1300x600
ثمة مشتركات كثيرة بين فيروس كورونا الذي أصاب البشرية، وبين فيروس بشار الأسد الذي أصاب السوريين، ليتفشى اليوم فيما وراء سوريا والسوريين. كانت البداية منذ اليوم للمظاهرات السلمية التي خرج بها السوريون في آذار/ مارس من عام 2011 يهتفون للحرية، فوصفهم بشار الأسد يومها بالفيروسات. طبعاً ربما لخلفيته الطبية يدرك تماماً خطر الفيروس، لكنه فيروس من نوع آخر، يفتك بالحكم وبالكرسي وبتاريخ الطائفة.

ولم يكن باعتقادي إطلاق التسمية جزافاً، فالعصابة التي حكمت الشام لنصف قرن كانت ترى الشعب منذ اليوم الأول غريباً عنها، وهكذا تعاملت معه طوال فترة حكمها، والدليل هو استجلابها لكل من استعدّ لقتله وتدميره وتهجيره. فكان استدعاؤها على الفور للمحتلين الروس والإيرانيين ومليشياتهما الطائفية لمواجهة الفيروس الشعبي؛ الذي كان قد حدد وصفة مكافحته حافظ الأسد بعد مجزرة حماة 1982.

يروي ميشال سورا، مؤلف كتاب "الدولة المتوحشة" والذي خُطف في بداية الثمانينيات ثم قُتل على أيدي مليشيات شيعية موالية للأسد في بيروت، بأن حافظ الأسد قرر بعد مجزرة حماة أن ينسج تحالف محور من دمشق وبيروت وطهران وكابل وإسلام آباد، لمواجهة أي حراك شعبي سني في المستقبل يهدف لإسقاطه، ونفذ ذلك عملياً بتحالفات طائفية وبشكل عملي.

وحين أتى نجله بشار إلى السلطة سرّع من تلك الخطوات، وأدخل إلى المحور صنعاء الحوثي، وبغداد بعد أن سقط حكم صدام حسين، وحكمته مليشيات شيعية تأتمر بأوامر طهران وبدعم غربي.
منذ تأسيس حكم السلالة الأسدية في سوريا، والعالم العربي يتعامل معها كمرض حلّ بالجميع، ولكن آثر هذا العالم عدم علاجه، بل استئصاله والتخلص منه. ومع تحوله إلى مرض مزمن، أصرّت بعض الدول العربية على التعايش مع مريض الجرب السياسي، حتى ولو أصابها عدواه، أملاً كاذباً في أن يُشفى، ويصلح حاله، في حين كانت ولا تزال متيقنة من استحالة ذلك

منذ تأسيس حكم السلالة الأسدية في سوريا، والعالم العربي يتعامل معها كمرض حلّ بالجميع، ولكن آثر هذا العالم عدم علاجه، بل استئصاله والتخلص منه. ومع تحوله إلى مرض مزمن، أصرّت بعض الدول العربية على التعايش مع مريض الجرب السياسي، حتى ولو أصابها عدواه، أملاً كاذباً في أن يُشفى، ويصلح حاله، في حين كانت ولا تزال متيقنة من استحالة ذلك. فكان أن وثقت بحافظ الأسد لسنوات وسنوات وهو يُمنيها بالتخلي عن علاقاته مع الإيرانيين، ليستفيقوا لاحقاً على أن الأسد حمَل ووضع توائم طائفية متعددة إضافة إلى إيران، بعد أن جلبها إلى الساحة العراقية واللبنانية واليمنية.

واليوم يصرٌّ نفس من خدعه الأب حافظ على أن يُخدع من قبل الابن بشار، مؤملاً إياهم بطرد طهران من سوريا، بينما مفاتيح دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت وغيرها من العواصم ربما في الطابور؛ غدت بأيدي طهران تماماً. ولم يعد مختار حي المهاجرين سوى موظف صغير في الحلف الإيراني، ومع هذا كله تصر فضائيات ووسائل إعلام عربية على ممارسة لعبة التضليل بقولها إن الجيش السوري يقلّص النفوذ الإيراني، في حين كل من يعيش في الشام ويتابع أحداثها، يرى ويلمس لمس اليد مدى التغول الإيراني، السياسي والاقتصادي والتعليمي، على البلد.

متحوّر الأسد الذي تميّز خلال السنوات الماضية بالقتل والإبادة، كان يتحوّر ويتطور، وهو بطبيعته قابل للتطور كل أشهر تقريباً، فمن قتله بالطيران والصواريخ التي تدك المدن والقرى والبلدات، والخدمات من المدارس والمشافي والمخابز والأسواق، إلى قتل بالبراميل المتفجرة، والخراطيم البحرية المتفجرة، فضلاً عن السلاح الكيماوي، الذي وثقته مؤسسة ألمانية فوجدت أنه تم استخدامه في 330 هجوم على مدى السنوات الماضية. لكن هذه الأيام ومع انفتاح بعض الدول العربية على النظام السوري تحت ذريعة إبعاده للنفوذ الإيراني، تبين لكل ذي عينين أن النظام لم يفِ بأي وعد لتلك الدول، فالنفوذ الإيراني ازداد تجذراً وتعمقاً، اجتماعياً واقتصادياً، بعد أن نال من السياسة والعسكرة ما ناله خلال السنوات الماضية.
المتحور الأسدي الجديد الذي سيطبع العام الجديد للسوريين، سيستهدف ما بعد سوريا، بعد أن فتك بالجسد السوري طوال 11 عاماً ماضية، وعلى رأس مظاهر وتجليات هذا التحور الجديد؛ تصديره المخدرات

المتحور الأسدي الجديد الذي سيطبع العام الجديد للسوريين، سيستهدف ما بعد سوريا، بعد أن فتك بالجسد السوري طوال 11 عاماً ماضية، وعلى رأس مظاهر وتجليات هذا التحور الجديد؛ تصديره المخدرات، مستغلاً بذلك مؤسسات الدولة من جيش ومخابرات وشبيحة ومراكز حدودية وموانئ ونحوها، فضلاً عن استغلاله حالة التطبيع مع دول كالأردن الذي يمكن أن يكون دولة ترانزيت، لوصول منتوجه الوحيد وهو الحشيش؛ إلى الخليج وما بعد الخليج.

لقد تحوّل ما سمي زوراً وبهتاناً لسنوات بمحور المقاومة والممانعة، إلى محور الكبتاغون والمخدرات، فغدت دمشق عاصمة للمخدرات كما وثقت بذلك مجلات وصحف عالمية مثل الإيكونوميست وفورين بوليسي ونيويورك تايمز، والتايمز البريطانية وغيرها، ولم يعد لدى النظام السوري من منتوج يصدره اليوم بعد الإرهاب والتدمير، سوى منتوج المخدرات البارع فيه.

والأعجب أن التصدير يستهدف الدول الحريصة على التصالح معه، وكأنه ينتقم منها بأثر رجعي، فهو لا ينسى ولا يغفر ولا يعفو، والدليل هو تصديره المخدرات بشكل شبه يومي إلى الأردن الذي يعمل على تعويمه حتى عربياً. ولذا لم تستطع عمان الصمت، فاتهمت رسمياً على لسان مسؤول مكافحة المخدرات فيها؛ الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، بإدارة عملية تصدير المخدرات بشكل كامل، ووصل الأمر إلى إرسال شحنات الكبتاغون عبر طائرات الدرون من الحدود السورية إلى داخل الأردن، لكن تم ضبطها والاستيلاء عليها.

المنتوجات السورية من الفواكه والحلويات ونحوها التي اشتهرت بها الشام، فكانت علامتها المسجلة.. اليوم يستخدم النظام التشبيحي أرزاق المساكين المتعبين في الشام لحشوها بالكبتاغون، وحين يتم السيطرة عليها خارجياً يدفعون الثمن باهظاً بأن يخسروا تجارتهم وأرزاقهم حاضراً ومستقبلاً، فيشكك الآخرون بعدها بكل ما هو منتوج سوري.

لقد اتخذت عمان كمعبر للوصول إلى الخليج في السعودية والإمارات والكويت، وحتى مصر واليونان وإيطاليا، وليست هناك شحنة واحدة أقل من مليار دولار. ويشارك النظام السوري في هذا العار حزب الله، الذي يسيطر على الموانئ اللبنانية، وهو ما جعل الخليج أن يوقف استيراد الفواكهه اللبنانية.

اللافت أن البحرية الأمريكية عثرت أخيراً على شحنة مخدرات تزن 400 كغ متجهة من إيران إلى مليشيات الحوثي في صنعاء، ويبدو أن الأمريكيين وحلفاءهم غدوا يتصدون لشحنات الكبتاغون والمخدرات، بنفس انشغالهم بالتصدي للطائرات المسيرة الإيرانية والصواريخ المليشياوية.
من يريد التصالح مع نظام مع وجود 14 مليون سني مشرد عن بيوتهم المدمرة وممتلكاتهم (التي اغتصبتها المليشيات الطائفية)، تلك الكتلة التي تشكل امتداده وأهله وعزوته في الشام، لا يعي ولا يدرك خطورة هذه الجرائم

في الجنوب السوري، حيث رعت روسيا اتفاق سلام بين فصائل الجيش السوري الحر، وبين النظام لسنوات، لجأ النظام السوري في الفترة الأخيرة لمتحوّر جديد في التعامل مع المعارضين، وهو التسميم لرموز الجيش السوري الحر، ولم تردّ روسيا على هذه الاستراتيجية، لا سيما وأنها رائدة فيها منذ تسميمها لمعارضها سكريبال في لندن، وغيرها من الحوادث التي استهدفت معارضيها من بعده ومن قبله، داخلياً وخارجياً..

أخيراً، فإن النظام السوري الذي يظن أنه يمكن التعايش معه بعد كل هذه الجرائم والمجازر، سيدرك خطأه لكن بعد أن يكون الفأس وقع برأسه هو، وليس برأس الشعب السوري. فمن يريد التصالح مع نظام مع وجود 14 مليون سني مشرد عن بيوتهم المدمرة وممتلكاتهم (التي اغتصبتها المليشيات الطائفية)، تلك الكتلة التي تشكل امتداده وأهله وعزوته في الشام، لا يعي ولا يدرك خطورة هذه الجرائم ليس على الشام فحسب وإنما على هوية المنطقة برمتها.