قضايا وآراء

التفكير الروسي في أوكرانيا عبر المرآة السورية

1300x600

وفّرت الحرب الروسية في سوريا منصة إيضاح حقيقية للسوريين والغربيين، لفهم، وتفهيم القضية السورية، وفهم وتفهيم أيضاً الاستراتيجية الروسية الحالية والمستقبلية في أوكرانيا، فقد شكّلت في البداية منصة توضيح لما جرى في سوريا على مدى سبع سنوات من احتلال روسي مباشر، سبقه احتلال غير مباشر متمثل بالدعم الروسي العسكري والسياسي والديبلوماسي المتواصل للنظام السوري منذ عقود، فكانت الأساليب الوحشية الروسية المستخدمة في أوكرانيا عبارة عن تكرار للأساليب الوحشية الروسية التي استخدمت في المدن السورية، كقصف للمدنيين وبناهم التحتية، فتشابهت المأساتان في تدفق اللاجئين والمشردين بالملايين على الدول المجاورة، بعد أن دمرت كل مظاهر الحياة التي تمكنها من البقاء فيها.

قيادي عسكري روسي من سوريا إلى أوكرانيا

اليوم العقلية الغربية والأمريكية تسعى لقراءة التفكير العسكري والسياسي الروسي في أوكرانيا من خلال الاحتلال الروسي في سوريا، وتحديداً حين يتعلق الأمر بتعيين قيادات عسكرية روسية في الحرب الأوكرانية، كما حصل أخيراً مع تعيين قائد جديد للحرب الروسية في أوكرانيا، وهو الذي قاد الحرب في سوريا منذ 2015 وهو الجنرال الكسندر دوفورنيكوف، وقد عبّر مباشرة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن مخاوفه من تكرار نفس الأساليب والتكتيكات العسكرية الوحشية الروسية في سوريا لكن هذه المرة في أوكرانيا.

ويُعرف عن الجنرال الروسي 60 عاماً وحشيته، وإيمانه بأن بالمدرسة العسكرية التقليدية بأن المدني بحد ذاته هدف استراتيجي، ولذا فتكتيكه العسكري يقوم على استهداف البنى التحتية للمدنيين، وهو ما سيفقد المقاومة أي حاضنة حسب مبدئه، بل وقد يؤدي إلى انقلاب الحاضنة على المقاومة، فضلاً عن كسر إرادة المقاومة عبر تدمير مدنها وقراها وبناها التحتية، ولو أدى الأمر إلى تسوية المدن بالأرض كما حصل في حلب وحمص، فقد أشارت المصادر الغربية إلى أنه خلال ترؤسه الحرب في سوريا منذ 2015 وحتى الآن فقد نفّذ طيرانه تسعة آلاف غارة جوية على السوريين. 

 

ما تعرّضت له الاستراتيجية العسكرية الروسية من إخفاق وفشل حتى الآن، نتيجة الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، كشف بشكل واضح مدى الصمت والتورط والتواطؤ والدعم الغربي للحملة العسكرية الروسية التدميرية للمدن السورية

 



ولذا فهو يسعى إلى استدعاء التكتيكات العسكرية الروسية المستخدمة في حلب، بقصف شامل ووحشي لكن هذه المرة لكل المدن الأوكرانية، أملاً في هزيمة المقاومة الأوكرانية، كل هذا أشّر بالنسبة لصانع القرار الغربي إلى أن مرحلة دموية ووحشية بانتظار الحرب الأوكرانية، لا سيما مع تسريبات غربية وأوكرانية عن استيلاء القوات الروسية على مواد إشعاعية نووية في محطة تشرنوبل التي سبق أن سيطرت عليها، ثم انسحبت منها، وهو ما قد يثير مخاوف من إمكانية استخدامها، وتحميل الطرف الأوكراني المسؤولية.

وقد سبق للجنرال الروسي تسلمه منصبه في سوريا سجله الإجرامي الوحشي في بداية التسعينيات حين استلم ملف الحرب في الشيشان، إذ قام بتسوية مدنها بالأرض، فترسخ لديه مبدؤه العسكري منذ تلك الفترة، القاضي باستهداف المدنيين كهدف شرعي لمبدئه العسكري، فنقل بذلك التجربة الإجرامية إلى المدن السورية واليوم إلى المدن الأوكرانية.

تزامن قصف محطات قطار كراماتورسك بمنطقة دونيتسك في الشرق الأوكراني مع تعيينه في منصبه، والتي أسفرت عن مقتل 52 مدنياً لجؤوا للمحطة هروباً من القصف الروسي لمدنهم وقراهم، بالإضافة إلى جرح 100 آخرين، ليؤكد أن نظرية الرجل في حلب ستتكرر في المدن الأوكرانية، وتتكرر معها حرب التضليل الإعلامي الروسي الذي مارسه في سوريا بتحميل جرائمه ووحشيته للمقاومة السورية، كما حمّل مسؤولية قصف المحطة للمقاومة الأوكرانية.

 

لو تلقت المقاومة السورية النزر اليسير مما تلقته المقاومة الأوكرانية اليوم لما كنا شهدنا تدميراً روسيا للمدن السورية بهذا الشكل، فضلاً عن لجوء وهروب الملايين من السوريين وتركهم منازلهم وقراهم ومدنهم وعيشهم في المخيمات البالية اليوم.

 



ويعتقد خبراء عسكريون غربيون أن تعيين دوفورنيكوف يعكس عدم نية بوتين التراجع عن سياسته السابقة، ويشير إلى أنه مصمم على أخذ معظم إن لم نقل كل شرق أوكرانيا، لا سيما وأن الجنرال الروسي يعرف عنه بأنه من أنصار تكتيك حصار المدن، حتى ولو كانت منطقة كبرى، أكبر من حلب ذاتها.

الفارق بين سوريا وأوكرانيا

لكن الفارق الكبير بين الحالتين السورية والأوكرانية هو في طريقة التعامل الغربي مع القضيتين، فبينما أتى تسليح الأخيرة بسلاح غربي نوعي، إن كان من حيث المضادات الجوية أو مضادات الدروع ليقلل من فرص نجاح النظرية الروسية الجديدة، ويجعل تطبيقها في المدن الأوكرانية على غرار ما حصل في سوريا صعباً وربما مستحيلاً، خصوصاً مع الوقوف الغربي العسكري والسياسي والاقتصادي الضخم مع المقاومة الأوكرانية بخلاف خذلان المدن السورية وتسليمها لقمة سائغة للاحتلال الروسي لسنوات مديدة من القصف الوحشي.

ما تعرّضت له الاستراتيجية العسكرية الروسية من إخفاق وفشل حتى الآن، نتيجة الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، كشف بشكل واضح مدى الصمت والتورط والتواطؤ والدعم الغربي للحملة العسكرية الروسية التدميرية للمدن السورية، فلو تلقت المقاومة السورية النزر اليسير مما تلقته المقاومة الأوكرانية اليوم لما كنا شهدنا تدميراً روسيا للمدن السورية بهذا الشكل، فضلاً عن لجوء وهروب الملايين من السوريين وتركهم منازلهم وقراهم ومدنهم وعيشهم في المخيمات البالية اليوم.