قضايا وآراء

أزمة الإعلام الإسلامي المعاصر

1300x600

من أبجديات العمل الإعلامي أن الوسيلة الإعلامية تخاطب المتلقي برسالة إعلامية لتسد بها حاجة لديه. وقد عرفت وسائل الإعلام المقروء قفزة كبيرة في العالم العربي مطلع القرن الماضي على مستوى الخطاب والحرفية. وانتشرت المجلات الثقافية والأدبية والسياسية والشعرية والدينية. ولعل أبرز مثال على هذا النوع الأخير هو مجلة المنار التي كان يرأس تحريرها الداعية الشهير محمد رشيد رضا. إلا أن التطور التقني المصاحب لوسائل الإعلام لم يواكبه تطور آخر في الخطاب الديني الإعلامي. وأصبح لدينا قنوات فنية وسياسية متقدمة جدا من ناحية المحتوى ومستوى الإنتاج والاستثمار في المشاهد وقنوات دينية متأخرة جدا في التقنيات والمحتوى ولغة الخطاب. 

وبغض النظر عن المسؤول عن هذه الفجوة بين كلا النوعين من الإعلام، فإن هدف المقال هو تشريح المشكلة ومعرفة جوانبها من النواحي المهنية والثقافية والدينية. لقد سارت الإذاعة في بداية الأمر على درب الصحافة المكتوبة في المجال الإسلامي، وشكل إطلاق إذاعة القرآن الكريم المصرية عام 1964 ثورة في حينه وذلك لأنها جعلت القرآن الكريم المرتل بالتجويد بأصوات أشهر القراء يدخل كل بيت بعد أن كان سماع مشاهير القراء مقتصرا على الحفلات العامة ومجالس العزاء. وساعد على ذلك وجود نخبة هامة من قراء القرآن الكريم المحترفين في ذلك العصر، وقد شكلت الإذاعة جسرا هاما بينهم وبين الناس. فتقبلهم الجمهور بقبول حسن وروت عطشا عاما لسماع كلام الله من دون مجهود يذكر. 

 

لم يتم أي استثمار حقيقي في تطوير الخطاب في القنوات الإسلامية فبقيت على حالها حتى تجاوزها الزمن وعزفت عنها الأجيال الجديدة رغم الحاجة المتجددة من الجمهور لخطاب إعلامي روحي وإيماني.

 



عندما ظهر التليفزيون في العالم العربي لم تواكبه مبادرات لتقديم محتوى إسلامي جذاب يتناسب مع هذه الوسيلة الجديدة. وانتقل الفنانون من المسرح والسينما إلى الشاشة الصغيرة ليرث التليفزيون هاتين الوسيلتين عدا بعض البرامج هنا وهناك. وهذا لا ينفي بعض الاستثناءات مثل برنامج نور على نور الذي كان يقدمه المذيع الراحل أحمد فراج وبذل فيه مجهودا كبيرا لتقديم علماء أجلاء للجمهور وخطاب ديني راقي على رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي.

مع انتشار القنوات الفضائية تحولت القنوات الإسلامية إلى منابر وعظية أكثر منها صانعة محتوى احترافي. ساعد على ذلك زيادة نسبة المشاهدين العطشى للمحتوى الروحي والإيماني، فلم يكن هناك تحدٍ يذكر من أجل التطوير. استعارت هذه القنوات ظاهرة الدعاة الجدد والذين لم يقدموا خطابا إعلاميا بقدر ما كانت القنوات مجرد ناقل لما يلقونه من دروس في استمرار للخط الوعظي التقليدي.
 
لم يتم أي استثمار حقيقي في تطوير الخطاب في القنوات الإسلامية فبقيت على حالها حتى تجاوزها الزمن وعزفت عنها الأجيال الجديدة رغم الحاجة المتجددة من الجمهور لخطاب إعلامي روحي وإيماني. إن التراث الإسلامي حافل بكثير من العلوم والفنون، وقد تطورت التقنيات الإعلامية وقوالب العرض البصرية التليفزيونية تطورا كبيرا في العالم. غير أن التماس بينهما لم يحدث حتى الآن. 

وبقي الخطاب في معظم القنوات الإسلامية يقدم قشورا من القضايا الفقهية في برامج الفتاوى وقشورا من علم التجويد مثلا. والمنهجية التراثية في التعليم والتلقي لمثل هذه العلوم تعتمد على المشافهة والمتابعة بين الطالب والأستاذ ومعرفة المفتى بأحوال المستفتي بما يتناقض مع الطريقة التي تحاول بعض القنوات تقديمها حاليا. وهذا لا ينفي أن مثل هذه العلوم يمكن أن تكون مناسبة للرسالة الإعلامية ولكن بشروط وقواعد المهنة لوسائل الإعلام بما لا يتناقض مع المنهجية التراثية. 

أتذكر كيف جذبت مجلة ثقافية عميقة ورصينة هي "الكتب وجهات نظر" قطاعات وشرائح شتى من القراء من مختلف الأعمار. الأمر نفسه تكرر مع مجلة العربي الكويتية التي استطاعت أن تنتقل بالصحافة الثقافية النخبوية نقلة كبيرة وجذبت شرائح واسعة من القراء. والقاسم المشترك بين هذه التجارب هو بعض المجهود الذي يبذله بعض المحترفون لتقديم خطاب إعلامي يتناسب مع احتياجات الجمهور وطبيعة الوسيلة الإعلامية ويلتزم بالمنهجية التراثية. 

https://twitter.com/hanybeshr