كتاب عربي 21

الربيع العربي: هل حان أوان التقييم؟

1300x600
اثنتا عشرة سنة مرت على انفجار ثورة الربيع العربي.. نرى أنه قد مر وقت كاف وبسرعة كبيرة تقلبت فيه أحوال بلدان الربيع تقلبات كثيرة، مما يسمح ببدء تقييم سياسي. هذه محاولة قراءة تفتقد إلى تلك العلوم اللّدنية التي يزعم امتلاكها المطلعون على خفايا السياسات المحلية والدولية، وربما زعم بعضهم صلة بالغيب لم تتح لنا، لكننا نفكر خارج كل المزاعم ونكتب بحرية ونتحمل كلفة ما نقول.

تدور أسئلة كثيرة على ألسن متعددة: هل كان نموذج الثورة التونسية هو النموذج الأسلم لإنجاز التغيير أم كان يجب اتباع طريقة الليبيين في الحسم المسلح؟ ولكن هل حسم الليبيون فعلا مع نظام العقيد؟ لقد سارت الثورة السورية بمنهج مختلف عن الثورة التونسية، لكنهما ثورتان اختلفتا في الوسيلة واتفقتا في النتيجة، إذ عادت منظومات الحكم إلى قواعدها سالمة. وتتغافل الأقلام عن سرعة التفاف العرش المغربي على حراك الشعب المغربي واستيعابه وتدجينه، ويملأ الصورة أمام كل تقييم العسكر المصري عدو الديمقراطية اللدود.
سارت الثورة السورية بمنهج مختلف عن الثورة التونسية، لكنهما ثورتان اختلفتا في الوسيلة واتفقتا في النتيجة، إذ عادت منظومات الحكم إلى قواعدها سالمة. وتتغافل الأقلام عن سرعة التفاف العرش المغربي على حراك الشعب المغربي واستيعابه وتدجينه، ويملأ الصورة أمام كل تقييم العسكر المصري عدو الديمقراطية اللدود

في سلسلة من المقالات المتتابعة سنبسط الملاحظات/ الاستنتاجات التالية:

1- كشف الربيع أن الديمقراطية صنو الاستقلال ووسيلته والاستقلال قاعدة الديمقراطية، إذا لا تبني الديمقراطية (وهذا الدرس) في وضع التبعية والإلحاق الاقتصادي، وأنه في غياب مشروع سياسي واقتصادي تحرري جامع يستعيد لحظة التحرر الوطني من الاستعمار المباشر وينطلق منها ليربط بين الاستقلال والسيادة وبناء الديمقراطية، فإن كل نضالات دون هذا السقف هي عمليات إصلاح منظومات فاسدة ومفسدة تلتهم معارضيها الفاقدين لكل مشروع تأسيس.

2- كشف الربيع العربي أنه ليس للعرب المؤمنين بالديمقراطية صديق في محيطهم الإقليمي والدولي، وزاد في توضيح دور الكيان الصهيوني في التسلل بين الصفوف وتمرير الخيارات غير الديمقراطية بواسطة قائمة طويلة من العملاء المحليين الجاهزين لتقديم هذه الخدمة وغالبا بلا مقابل معروف، مما رسخ قناعة سابقة على الربيع العربي أن الديمقراطية هي الترياق للتحرر من الصهيونية وكيانها المزروع، وأن من يعادي الديمقراطية في الأقطار العربية يعيش بفضل هذا الكيان ويستند إليه للبقاء.

3- كشف الربيع العربي قدرة منظومات الحكم السابقة عليه على المناورة وتدبير سبل البقاء واستعادة السلطة، في مقابل عجز كل أشكال المعارضات ومنها الإسلاميون على فهم هذه المنظومات والتعامل معها بذكاء معادل. وهذا بعض ثمرات ما فعلت تلك المنظومات بمعارضيها في السابق، وهو في ذات الوقت علامة على جهل هذه المعارضات وعجزها عن ابتكار حلول وبناء تصورات مختلفة عن طبيعة عمل المنظومات، لذلك وقعت في إعادة إنتاج سلوك المنظومات وخيارات الحكم التي رسختها بما سمح للمنظومات بالعودة والتحكم، خاصة وأنها لم تفقد أدوات التحكم بفعل سرعة الثورة وجنوحها إلى السلمية ووقوعها المبكر في فخاخ صناديق اقتراع قدت على عجل خبيث.
كشف الربيع العربي أنه ليس للعرب المؤمنين بالديمقراطية صديق في محيطهم الإقليمي والدولي، وزاد في توضيح دور الكيان الصهيوني في التسلل بين الصفوف وتمرير الخيارات غير الديمقراطية بواسطة قائمة طويلة من العملاء المحليين الجاهزين لتقديم هذه الخدمة

4- كشف الربيع العربي أن الساعين إلى الديمقراطية من المثقفين والنخب بمن فيهم الإسلاميون؛ يسعون إلى السلطة/ المغنم لا إلى الديمقراطية/ الوسيلة بصفتها عملا مؤسسا في واقع غير ديمقراطي تروم فيه بناء ديمقراطية من عدم، وهو الأمر الذي كشف ضعفهم ونفّر الجمهور العريض من اتباعهم فكانوا سببا رئيسيا لردة كبيرة عن مطالب الربيع في التحرر والتنمية. وهذا سبب كبير للفشل الآن وغدا، بما يعني أن وضعا آخر يتهيأ دون هذه النخب بل ضدها بالتوازي مع مضادة منظومات الحكم العائدة.

5- الربيع العربي فرض الحديث عن الإسلاميين ومع الإسلاميين وضدهم فهم معطى واقعي لا يمكن تجاهله أو تصفيته بقرار سياسي أو أمني أو بتوجيهات/ نصائح خارجية مملاة، كما جرت الأمور قبل الربيع العربي..

6- أخضع الربيع العربي الإسلاميين إلى اختبار الكفاءة القيادية فتبين أنهم قوم فاقدون للخيال السياسي وعاجزون عن الاقتراح، ولا يملكون مبادرات تحرر وطني ولا خطة بناء قومي، وبهم مما في سابقيهم من عاهات حب السلطة والسعي في منافعها. وقد تبين أنهم يسارعون إلى وضع الضحية تملصا من استحقاقات الحكم.
أخضع الربيع العربي الإسلاميين إلى اختبار الكفاءة القيادية فتبين أنهم قوم فاقدون للخيال السياسي وعاجزون عن الاقتراح، ولا يملكون مبادرات تحرر وطني ولا خطة بناء قومي، وبهم مما في سابقيهم من عاهات حب السلطة والسعي في منافعها

7- كشف الربيع العربي نفاق اليسار العربي (والقوميون زائدة دودية منه)، وعداءهم الجذري للديمقراطية بصفتها بيئة تعايش مع المختلف، كما فضح خدمتهم لكل سلطة قائمة بلا مقابل مادي حقيقي إلا السير في ركاب الأنظمة.

8- كشف الربيع العربي أن القضايا المرحلة من مرحلة الاستقلال على غرار صراعات الهوية في مواجهة التحديث هي قضايا لم تحل، وأنها لا تزال تلح على الفعل السياسي والثقافي، وأن تجاهلها يؤدي إلى تعفنها كشأن الدمامل. وعليه، فإن علاجها بشكل مبدئي سيكون حاجة وأساسا لبناء الديمقراطية مستقبلا ضمن سياق تحرر وتحديث وتأصيل هوياتي، رغم أن خطاب العولمة الثقافية السائد الآن يغطي على المطلب.

لم نستوف هنا كل القضايا التي تدخل في قراءة تقييمية للربيع العربي بعد مضي اثنتي عشرة سنة على انطلاقته. ولكننا أشرنا إلى رؤوس أقلام قابلة للتفكيك والتوضيح والتبسيط، وهو ما ننوي إنجازه برويّة في قادم الأيام/ المقالات، عسى أن نوضح لأنفسنا أولا ما يمكن أن يكون فاتنا فهمه في حينه وما يمكن أن نبني عليه مستقبلا.