كتاب عربي 21

ما هي ضمانات استمرار اتفاق الحبوب بين تركيا وكل من أوكرانيا وروسيا؟

1300x600

عندما تقوم الأطراف المتنازعة بالتوصل الى اتفاق ذي طابع دولي، غالباً ما تَطرح إشكالية الضمانات نفسها كأولوية. هل هناك ضمانات للاتفاق؟ ما هي الضمانات؟ هل سيتم الالتزام بما جاء في الاتفاق؟ ماذا إذا خرق أحد الأطراف ما تمّ الاتفاق عليه؟ هل هناك آلية مُلزمة؟.. الخ، من الأسئلة التي تُطرح عادة حول موضوع الضمانات في محاولة لفهم مدى قدرة الاتفاق على الصمود وهي أشكال التحدّيات التي من المنتظر أن يواجهها.

من واقع التجربة التاريخية، فإنّ معظم ما يتم تصنيفه تحت خانة الضمانات عادة ما يتم تجاهله مع حصول تبدّل في موازين القوى. يحصل هذا حتى في الاتفاقات التي من المفترض أنّها مُلزمة بموجب القانون الدولي. وغالباً ما يرتبط الأمر بموازين القوى والقوّة الصلبة، أو انتفاء المصلحة. ولا تخرج روسيا في اتفاقاتها عن هذا السياق، إذ لا يستطيع أحد أن يضمن التزامها باتفاق إسطنبول للحبوب أو بغيره من الاتفاقات عنوةً، فضلاً عن الالتزام بالقانون الدولي. علينا ألا ننسى أنّ موسكو احتلت شبه جزيرة القرم وضمّتها إلى روسيا، ولم يستطع أحد منعها من ذلك بالرغم من الاعتراف بعدم شرعية مثل هذه الخطوة.

اليوم لدينا اتفاق تاريخي لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود إلى السوق الدولية قامت تركيا بالتوصل إليه بعد جهود دبلوماسية حثيثة استمرت عدّة أشهر حاولت أنقرة خلالها إيجاد صيغة تحول دون أن يقوم الجانب الأوكراني أو الروسي بفرض فيتو عليها. تقوم هذه الصيغة على ثلاثة عناصر أساسية. العنصر الأول هو خلق مصلحة لجميع أطراف في وجود الاتفاق. بمعنى آخر، كل طرف من المفترض أن يحصل على مكسب يتيح له الموافقة عليه.

أمّا العنصر الثاني، فهو ضرورة وجود حسن نيّة، لأنّه من دون وجود حد أدنى من حسن النيّة لا معنى لبذل الجهود للتوصل الى الإتفاق. أمّا العنصر الثالث فهو العلاقات الشخصية لرئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان مع كل من الرئيس الأوكراني زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي يحاول أردوغان توظيفها لتكون بمثابة ضمانة من قبل الجانب الروسي. 

 

أردوغان يريد الحصول على ضمانات شخصية من الرئيس بوتين بضرورة الإلتزام بالإتفاق لأنّ خرقه لن يتسبب في زيادة الضغط على أمن الغذاء العالمي فحسب، وإنما سيضر بجميع الأطراف المنخرطة فيه، ويقوّض مصداقية تركيا، ويزيد من الضغوط على روسيا. وبموازاة ذلك، تسعى أنقرة للحفاظ على المصلحة المشتركة لجميع الأطراف قائمة.

 



في المؤتمر الصحفي السنوي الذي يشارك فيه الرئيس الروسي في موسكو، قال بوتين في نهاية العام 2020 إنّ الرئيس التركي أردوغان "رجل يلتزم بتعهداته"، مضيفاً "أحيانا نختلف في رؤيتنا للأمور، ولكن أردوغان رجل يلتزم بتعهداته، وإذا كان الأمر متعلقا بمصلحة دولته، فإنه يقوم بما يتوجب القيام به إلى أبعد حد، هذه صفة يمكن توقعها، وهذا مهم لفهم الشخص الذي يجلس مقابلك". 

ولهذا السبب بالتحديد، يمكن فهم لماذا يحرص الرئيس التركي دوماً في القضايا الصعبة والحساسة على طلب لقاء شخصي. ضمن هذا السياق، يمكن فهم زيارة أردوغان الأخيرة إلى سوتشي ولقاء الرئيس الروسي بوتين. خلال مشاركتي معه في برنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر ذكر نائب وزير الاقتصاد الأوكراني تاراس كاتشا أنّ بلاده حصلت على ضمانات شخصية من الرئيس أردوغان وأنّ هذا الأمر كافٍ بالنسبة إليهم. 

أردوغان يريد الحصول على ضمانات شخصية من الرئيس بوتين بضرورة الإلتزام بالإتفاق لأنّ خرقه لن يتسبب في زيادة الضغط على أمن الغذاء العالمي فحسب، وإنما سيضر بجميع الأطراف المنخرطة فيه، ويقوّض مصداقية تركيا، ويزيد من الضغوط على روسيا. وبموازاة ذلك، تسعى أنقرة للحفاظ على المصلحة المشتركة لجميع الأطراف قائمة. قد يكون ذلك من ممكناً على المدى القصير، لكن حصول أي تحوّل درامي في مسار الحرب الدائرة في أوكرانيا قد يغير من المعطيّات، ولعل ذلك هو السبب في كون مدّة الاتفاق الأوّلية محدودة وتبلغ 4 أشهر فقط، قابلة للتمديد. 

وفي ظل غياب الضمانات القهرية، تعد هذه الفترة بمثابة اختبار للعوامل الثلاثة التي بُني عليها الاتفاق وهي المصلحة، ووجود حد أدنى من حسن النيّة، والضمانات الشخصية. سيتعرض الاتفاق لتحديات كثيرة خاصةّ انّ الحرب لا تزال قائمة والأطراف المتحاربة ليست على إستعداد للتراجع عن أهدافها. فضلاً عن ذلك، فانّ غياب الحماس الأمريكي والأوروبي وعدم الرغبة في الإعتراف بجهد تركيا الدبلوماسي علاوةً على أهمّية الاتفاق من شأنه أن يزعزع ثقة الكثير من الأطراف فيه.

لذلك، تبقى مسؤولية نجاح هذا الاتفاق واستمراريته مرهونة بالدرجة الأولى بمدى رغبة أطرافه في الوفاء بعهودهم وتطبيق التزاماتهم والحفاظ عليه. وتأمل تركيا في حال نجاح الاختبار، وتطبيق الاتفاق على أكمل وجه خلال الفترة الأولى المحددة له، في أن يكون بمثابة مفتاح للتوصل ربما لاتفاقات أخرى بين الأطراف المتحاربة، خاصة أنّ استمرار التوازن السلبي من الناحية العسكرية سيملي على الطرفين بالضرورة الاستعانة بأطراف ثالثة لإيجاد مخرج للأزمة الحالية.