اقتصاد عربي

المغرب أول مستورد لتمور تونس.. هل تؤثر الأزمة الدبلوماسية؟

يُعتبر المغرب أول مستورد للتمور التونسية- جيتي

أعاد رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش إثارة الأزمة مع تونس، حيث إنه اعتبر استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، خلال استضافة بلاده للقمة اليابانية الأفريقية "تيكاد 8" نهاية الشهر الماضي، "سقطة دبلوماسية".


وفي أول تعليق رسمي على الأزمة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، دعا رئيس الحكومة المغربية تونس إلى الحفاظ على استقلالية قرارها، مشدداً في المقابل على أن بلاده لا تقبل بالمواقف الازدواجية، ما يثير المخاوف على مستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين.


وقال أخنوش خلال ترؤسه للجلسة الافتتاحية للدورة الرابعة لجامعة "الشباب الأحرار" (التنظيم الشبابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده أخنوش) مساء يوم الجمعة الماضي بمدينة أكادير، جنوب المغرب: "التونسيون إخوة لنا ونشترك معهم في كثير من الأمور وهم أشقاؤنا ولنا عندهم أهل كما لهم عندنا أهل.. نتمنى لبلادهم أن تحافظ على استقلاليتها"، موضحاً أن "المغرب لن ينسى من وقف معه في قضيته الوطنية ومن يلعب على الحبلين".


واعتبر أخنوش أن "المقدسات الوطنية خط أحمر"، لافتاً إلى أن ما وقع بخصوص استقبال زعيم جبهة "البوليساريو" و"من تشويش على ملف الوحدة الترابية للمملكة، لا يزيدنا إلا إصراراً على النجاح وعلى التمسك بالدفاع عن مغربية الصحراء والوحدة الترابية".


ورأى أن "التحركات المفضوحة لا تؤثر في عدالة قضية الصحراء على صعيد المنتديات الدولية، لاسيما في ظل المواقف التي تساند عدالة قضية الصحراء، من لدن دول شقيقة وصديقة للمغرب"، مؤكداً أن الأولوية الحالية للمملكة هي تقوية الجبهة الداخلية ورص الصفوف.


ويأتي ذلك، في وقت تدخل فيه الأزمة الدبلوماسية بين البلدين أسبوعها الثالث دون أن تظهر في الأفق تطورات تسهم في حلحلة المأزق الدبلوماسي الناتج عن استقبال الرئيس التونسي لزعيم "البوليساريو".


وخلال انعقاد المؤتمر الوزاري لجامعة الدول العربية المنعقد الثلاثاء الماضي بالقاهرة، نفي المغرب تسوية أزمته غير المسبوقة مع تونس، على خلفية استقبال سعيد لغالي، بمناسبة قمة "تيكاد" اليابانية الأفريقية التي احتضنتها تونس يومي 27 و28 أغسطس/ آب الماضي، على عكس ما صرّح به الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بخصوص إنهاء الخلاف بين البلدين.


وكانت الخارجية المغربية، في 26 أغسطس/ آب الماضي، طلبت استدعاء سفيرها في العاصمة التونسية جراء "عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة المملكة المغربية ومصالحها العليا"، التي كان آخرها استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة "البوليساريو".


وقالت الخارجية المغربية، في بيان: "بعد عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة للمملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن تصرف تونس في إطار (تيكاد) يؤكد هذا النهج بوضوح".


ولفتت إلى أن "تونس عملت على معاكسة رأي اليابان، بخرق مسار التحضير للمنتدى والقواعد الموضوعة لذلك، وقررت بشكل أحادي دعوة الكيان الانفصالي"، معتبرة أن "الاستقبال الذي خصصه رئيس تونس لقائد الانفصاليين فعل خطير غير مسبوق، ويؤذي كثيراً مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية".


في المقابل، أعلنت الخارجية التونسية، في بيان لها، أنها "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء، التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير، إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع".


ووصفت التصريحات المغربية بأنها "تحامل غير مسبوق"، قبل أن تخلص إلى استدعاء سفيرها، لتدفع بذلك الأزمة إلى حافة القطيعة الدبلوماسية، ولا سيما بالنظر إلى البيان المغربي الذي اعتبر استقبال زعيم "بوليساريو" في تونس "موقفاً معادياً لعلاقات الأخوّة التي جمعت دائماً البلدين".

التعاون الاقتصادي


يعد المغرب الشريك الاقتصادي الثالث لتونس على المستوى المغاربي والعربي؛ ووقع البلدان "اتفاق التبادل الحر" في تونس منذ 16 آذار/ مارس عام 1999، حيث تشير بيانات مغربية لعام 2021 حول حجم التبادل التجاري بين المغرب وتونس، إلى أن واردات المغرب من تونس بلغت 2.28 مليار درهم (215.7 مليون دولار)، مقابل صادرات تقدر بنحو 1.3 مليار درهم (123 مليون دولار).

وتعد التمور من أبرز واردات المغرب من تونس، حيث استوردت الرباط 33 ألف طن من التمور التونسية في عام 2019، ليكون بذلك أكثر بلد استيرادا للتمور من تونس، متفوقا على إسبانيا (تسعة آلاف و500 طن)، والجزائر.


ورغم تراجع واردات المغرب من التمور التونسية إلى نحو 20 ألف طن من التمور التونسية في العام الماضي بتأثير أزمة كورونا، إلا أنه حافظ على تصدره قائمة البلدان الأكثر استيرادا للتمور التونسية.
وتبلغ صادرات تونس من التمور سنوياً بين 120 و130 ألف طن، حيث تبيعها لـ73 دولة.


ومنذ توقيع اتفاقية أغادير لإنشاء منطقة تجارة حرة بين المغرب وتونس والأردن ومصر، أصبح المغرب المستورد المغاربي الرائد للمنتجات التونسية.


وتغطي صادرات المغرب إلى تونس، نحو 50 بالمئة من واردات المملكة من هذا البلد؛ حيث استفادت تونس إلى حد كبير من اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب.

مواجهة الإغراق


وما فتئ المغرب يطبق رسوما إضافية على بعض المنتوجات الأجنبية، لحماية السوق المحلية، منها الرسوم الإضافية على الدفاتر التونسية التي تسببت في أزمة مع الجار المغاربي، الأمر الذي دفع تونس إلى اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، بعدما فرضت المملكة الرسوم الإضافية في أيار/ مايو 2018، لمدة أربعة أشهر، بسبب ما اعتبرته الرباط آنذاك "رسما لمكافحة الإغراق على واردات الدفاتر من تونس".


وفي كانون الثاني/ يناير 2019، قررت الحكومة المغربية، تمديد فرض رسوم إضافية على الدفاتر المدرسية التونسية، لخمس سنوات إضافية، لمواجهة ما أسمته "عمليات إغراق" السوق المحلية.
ونص قرار التمديد، الذي نشر في الجريدة الرسمية، على إقرار رسوم مضادة للإغراق على الدفاتر التونسية؛ يستمر العمل بها حتى كانون الثاني/ يناير 2024.


منذ أكثر من خمس سنوات لم تعقد أي دورة جديدة للجنة العليا المشتركة المغربية التونسية.
ففي يوليو/ تموز 2017، احتضنت الرباط الدورة 19 للجنة العليا المشتركة المغربية التونسية، ترأسها رئيس الحكومة المغربية آنذاك سعد الدين العثماني، ونظيره التونسي يوسف الشاهد.


وقال العثماني آنذاك، إنه "رغم الأسس المتينة للاتفاقيات التي تؤطر التعاون الثنائي، خاصة على المستوى الاقتصادي، فإن المبادلات التجارية لا تزال دون المستوى المطلوب ودون تطلعات الشعبين".

 

اقرأ أيضا: ما مستقبل اتحاد المغرب العربي بعد أزمة تونس والرباط؟

بالمقابل، دعا الشاهد في ندوة صحافية أعقبت الاجتماع آنذاك، إلى "ضرورة مضاعفة الجهود من أجل تذليل الصعوبات الجمركية والتجارية في بعض قطاعات التعاون، والتي تحول دون توسيع حجم المبادلات التجارية".

وخلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة في تموز 2017، تم التوقيع على 10 اتفاقيات، شملت تنفيذ برنامج للتعاون في مجال التشغيل، ومذكرة تفاهم بين المركز المغربي لإنعاش الصادرات ومركز النهوض بالصادرات التونسية، وبرتوكول تعاون بين الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية.


تنافس اقتصادي


رغم التعاون الاقتصادي بين الدولتين العضوين في اتحاد المغرب العربي، فإن تونس والمغرب تتنافسان في قطاعات اقتصادية متعددة، منها إنتاج الفوسفات، ويملك البلدان احتياطيات مهمة من هذه المادة.
وإذا كانت تونس تراجع إنتاجها من الفوسفات، بعدما كانت رابع أكبر منتج له في العالم سنة 2010، فإن المغرب يعتبر المصدر الأول لهذه المادة.


ويتنافس البلدان أيضا على جذب النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية، التي يتحكم فيها أساسا ارتباط المعاملات التجارية للبلدين بفرنسا، المستعمر السابق لهما، وبالاتحاد الأوروبي بشكل عام، باعتباره الشريك الاستراتيجي للبلدين.