صحافة دولية

ECO: أموال المانحين بمصر تذهب للعسكر.. ولا حل إلا بخروج الجيش من الاقتصاد

"إيكونوميست": يجب على مصر البدء بنزع العسكرة عن الاقتصاد، وإلا فعليها أن تتوقع تقلص المنح والهبات- جيتي
قالت مجلة "إيكونوميست"، إن أموال المانحين في مصر تذهب إلى جيوب الرجال الذين يرتدون الزي العسكري (أو الذين خلعوه مؤخرا)، ولا حل لإنقاذ الاقتصاد المصري إلا بخروج الجيش من كافة القطاعات.

ودعت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21"، صندوق النقد الدولي إلى إجبار الحكومة المصرية على الالتزام بتعهداتها. وقالت: "يجب على مصر البدء بنزع العسكرة عن الاقتصاد، وإلا فعليها أن تتوقع تقلص المنح والهبات".

وفي ما يلي النص الكامل للتقرير:

إلى القائمة المذهلة من الأطلال في مختلف أنحاء مصر يمكنكم الآن إضافة اقتصادها. خسر الجنيه المصري نصف قيمته على مدى العام الماضي، وكان أسوأ العملات أداء في العالم على الإطلاق. في الخامس من يناير / كانون الثاني، خفضت الحكومة قيمة الجنيه للمرة الثالثة خلال أقل من عام. ما يقرب من نصف واردات الدولة تذهب لخدمة الديون، والتي تشكل حوالي 90 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. رسمياً، وصلت نسبة التضخم إلى 21 بالمائة، وأسعار الغذاء ترتفع بمعدل أسرع من ذلك. إلا أن الأرقام الرسمية لم تواكب الانهيار الاقتصادي في مصر، ولذلك من المؤكد أن الواقع أسوأ بكثير مما هو معلن.
 
ولقد جلب ذلك البؤس والتعاسة للشعب المصري، حيث يعيش حوالي ثلث السكان على أقل من دولارين في اليوم. أما الثلث الثالث فيقف على حافة الانضمام إليهم. لقد خُذلوا من قبل مسؤولين يضعون مصالحهم الشخصية فوق مصالح مواطنيهم.




لم تبدأ أزمة مصر الاقتصادية اليوم، بل هي تختمر منذ وقت طويل، ولقد سببتها جزئياً قوى خارجة عن سيطرة الدولة. لقد أضر الغزو الروسي لأوكرانيا كثيراً بمصر، نظراً لأنها أكبر مستورد للقمح في العالم، ولطالما كانت روسيا وأوكرانيا في العادة أكبر مزوديها بالقمح. وجراء ارتفاع أسعار القمح بات مكلفاً جداً على الحكومة توفير رغيف الخبز الرخيص المدعوم بكثافة، والذي يتوقع المصريون توفره (لدرجة أنهم يمكن أن ينطلقوا في أعمال شغب لو لم يعد متوفراً). كما ضربت الحرب السياحة والتي كانت قبل الجائحة تولد حوالي 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ارتفاع أسعار الحبوب وانقطاع السائحين الروس راكما معاً الضغوط على احتياطيات مصر من العملات الأجنبية وعلى الجنيه. تخلى المستثمرون الأجانب عن السندات المصرية، ويجد المصريون الآن صعوبة فائقة في الحصول على العملة الصعبة.
 
إلا أن مشكلة البلاد الأساسية تكمن في القبضة المحكمة التي تمارسها الدولة على الاقتصاد، وبشكل خاص الجيش. والغريب أن الإحصائيين الرسميين يترددون في توفير قياس لذلك. قالت الحكومة إن الجيش يتحكم فقط بما يتراوح بين واحد ونصف بالمائة واثنين بالمائة من الناتج. إلا أن المدى الحقيقي لنفوذه، بشكل مباشر وغير مباشر، أعظم من ذلك بكثير. وفي ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي (الذي كان قبل ذلك يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة) توسع ذلك كثيراً.
 
تشتمل امبراطورية الجيش الآن على كل شيء من محطات التزود بالوقود إلى المياه المعدنية وإلى الزيتون. بل وضع الجيش يده على سوق زراعة السمك واستولى على قطاع صناعة السيارات. أما الأجهزة الأمنية فاشترت حصصاً كبيرة في قطاع وسائل الإعلام المصري. أنشأ الجيش مصنعاً جديداً وضخماً للإسمنت، مما تسبب في فائض في الإنتاج نجم عنه سحق مؤسسات القطاع الخاص. وهكذا، في قطاع تلو الآخر، يضغط الجيش على المنافسين أو يرعبهم إلى أن يخرجهم، ويردع مشاريع الاستثمار الخاصة. لا يمكن لشركة عادية أن تنافس جهازاً لا يدفع الضرائب ولا الرسوم الجمركية، بل ويمكنه أن يلقي بمنافسيه في السجن. بالنسبة لعموم المصريين، سحق الجيش للمنافسين يعني نموا أبطأ وأسعاراً أعلى وفرصاً أقل.  



ينبغي على صندوق النقد الدولي أن يأخذ ذلك بالاعتبار عندما تأتي مصر تطرق بابه للمرة الرابعة خلال ست سنين متوسلة التدخل لإنقاذها. إنها الآن أكبر دولة مدينة لدى صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين. في الماضي وافق نظام السيسي على إجراء إصلاحات مقابل ما يحصل عليه من مال من صندوق النقد الدولي. وبموجب اتفاق قرض بمبلغ 12 مليار دولار أبرم في 2016، خفض النظام قيمة العملة وقلص الدعم على المواد الأساسية. إلا أن السيسي أخفق بجلاء في الوفاء بتعهداته بأن يقلل من تدخل الدولة في الاقتصاد.
 
وبموجب آخر صفقة لها مع صندوق النقد الدولي أبرمت في ديسمبر / كانون الأول، تعهدت الحكومة مرة أخرى بسحب الدولة والقوات المسلحة من القطاعات "غير الاستراتيجية". إلا أن الرجال الذين يرتدون الزي العسكري (أو الذين خلعوه مؤخراً)، والذين يهيمنون على نظام الحكم، ليسوا متحمسين لذلك. فالكثيرون منهم استفادوا استفادة جمة من الكسب الريعي. وعلى أية حال، في بلد له تاريخ من الانقلابات، قلة هم الذين يجرؤون على تحدي الامتيازات التي يتمتع بها الجيش.
 
يستمر المانحون في إنقاذ مصر لأنهم يخشون من أن تنهار لو لم يبادروا بإنقاذها. فهي البلد الأكبر في الشرق الأوسط من حيث الكثافة السكانية وهي حليف مهم للغرب. وقد يؤدي الانهيار إلى انطلاق قوافل اللاجئين عبر البحر المتوسط. هذه المخاوف ليست غير عقلانية. إلا أن دعم نظام يفضي رفضه للإصلاح إلى جعل مصر بالتدريج أفقر ثم أفقر وشعبها بالتدريج أشد غضباً، لا يعتبر وصفة للاستقرار على المدى البعيد. يشعر حلفاء مصر في الخليج بالإحباط، ولذا فهم اليوم أقل سخاء من ذي قبل. ينبغي على صندوق النقد الدولي الآن أن يجبر الحكومة على الالتزام بتعهداتها. يجب على مصر البدء بنزع العسكرة عن الاقتصاد، وإلا فعليها أن تتوقع تقلص المنح والهبات.