صحافة دولية

معركة "الشفاء": كيف خسر نتنياهو وبايدن رهانهما على "بنتاغون حماس"؟

سخرية واسعة من رواية الاحتلال حول استخدام المقاومة للمشافي في غزة- الاناضول
استعرض مقال في موقع "الإنترسبت" الأمريكي للكاتب جيريمي سكاهيل مزاعم الاحتلال حول مستشفى الشفاء التي "تعتبر محاولة لصرف الانتباه عن الحقائق الشاملة التي لا جدال فيها حول حرب إسرائيل ضد غزة".

وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إنه مع تجاوز عدد الضحايا في غزة 13 ألف فلسطيني، من بينهم أكثر من 5500 طفل، فقد سعت آلة الدعاية التابعة للقوات الإسرائيلية إلى استخدام مستشفى الشفاء كعرض رئيسي لها لتبرير ما لا يمكن تبريره.

وأضاف: "من الواضح أن الاستراتيجية الإسرائيلية تركز على الاعتقاد بأنه إذا تمكنت من إقناع العالم بأن حماس استخدمت المستشفى كقاعدة للعمليات العسكرية، فإن كل القصف الشامل - الهجمات على مخيمات اللاجئين والمدارس والمستشفيات - سيكون له أثر رجعي على أنه مجرد جهد حربي ضد عدو إرهابي".

وذكر الكاتب، أن "كلا من إسرائيل والبيت الأبيض، بما في ذلك الرئيس جو بايدن شخصيا، راهنوا بمصداقيتهم على الادعاء بوجود دليل دامغ أسفل مستشفى الشفاء".

وتابع: "صرحت الولايات المتحدة بأنها لم تعتمد حصريا على مزاعم إسرائيل لدعم ادعاءاتها، وبغض النظر عن حقيقة أن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل لديهما سجل حافل طالما أن قطاع غزة يكذب بشأن الجرائم المزعومة التي يرتكبها خصومهما، فإن السؤال الرئيسي ليس ما إذا كان هناك نفق أو غرف تحت الشفاء، ولكن ما إذا تم حفرها أم لا وتستخدمها حماس لغرض عسكري أو قتالي واضح، كما تزعم الولايات المتحدة وإسرائيل".

وأوضح، سكاهيل، أن "التركيز على هذه الرواية مؤشر على أن إسرائيل تريد أن تجعلها مسألةً مركزية في ردها على منتقدي حملتها العشوائية التي أدت إلى قتل آلاف المدنيين وتدمير منازلهم في غزة، وقد سعت إسرائيل إلى جعل مستشفى الشفاء بمثابة اختبار لروايتها الخاصة بالحرب الجارية، واتهمت إسرائيل الصحفيين والأمم المتحدة والأطباء والممرضات بأنهم جزء من مؤامرة لإخفاء استخدام حماس للمستشفى كمركز قيادة عسكري عن العالم. حتى اللحظة الراهنة، لم تسر هذه الحملة الدعائية على ما يرام".

وتابع: "بعد ادعاء البنتاغون في البداية أن مستشفى الشفاء كان فعليا تابعا لحماس وهي رواية دعمتها إدارة بايدن، فقد أصدرت القوات الإسرائيلية مجموعة من الأدلة المزعومة، التي كانت تتألف بشكل أو بآخر من عدد قليل من البنادق الآلية، بعضها موضوع خلف جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي وسترة قتالية عليها شعار حماس، كما عرضت القوات الإسرائيلية للجمهور نموذج فيديو ثلاثي الأبعاد يُزعم أنه يصور مخبأ متقدما للقيادة والسيطرة تحت الأرض تستخدمه حماس، لذا يمكن القول إن أول محاولة إسرائيلية للترويج لتلك الدعاية باءت بالفشل".



وأوضح الكاتب أن العديد من الجهود الأخرى لإنتاج مقاطع فيديو لما زعمت إسرائيل أنه دليل على وجود قاعدة كبيرة لحماس في المستشفيات قوبلت بوابل من الاستهزاءات والشكوك واسعة النطاق، بما في ذلك من وسائل الإعلام الغربية التي تعتبر تاريخيا التأكيدات العسكرية الإسرائيلية حول عملياتها ضد الفلسطينيين بمثابة حقيقة. 

لقد تعرضت مقاطع الفيديو الخاصة بالقوات الإسرائيلية للاستهزاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتمت مقارنتها بفيديو جيرالدو ريفيرا الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة والذي بُث على الهواء مباشرة في سنة 1986 ووعد فيه بالكشف عن الأسرار المخفية في قبو آل كابوني تحت الأرض.

وتجدر الإشارة إلى أن طاقم مستشفى الشفاء، بالإضافة إلى طبيب أوروبي عمل هناك لسنوات، ينفون بشدة أن حماس تستخدم المستشفى لأي غرض عسكري. 

وقد نشرت إسرائيل يوم الأحد مقطعي فيديو جديدين، زعمت أنهما يوثقان نفقا محصنا بطول 55 مترا يقع أسفل مستشفى الشفاء بعشرة أمتار. 

وتنتهي لقطات الكاميرا، التي من المفترض أنه تم تصويرها باستخدام مركبة يتم توجيهها عن بعد، بما قالت إسرائيل إنه باب مقاوم للانفجار مزود بفتحة إطلاق نار تسمح لحماس بمهاجمة القوات الإسرائيلية إذا سعت إلى اختراق مركز القيادة والتحكم المزعوم لحماس. 

وأَضاف الكاتب أنه ليس سرا أن غزة تضم أنفاقا واسعة النطاق تحت الأرض، وعلى مدى العقدين الماضيين، نفذت إسرائيل مرارا وتكرارا عمليات تهدف إلى تدمير أجزاء من شبكات الأنفاق تحت الأرض، وكثيرا ما تفاخرت بنجاحاتها في القيام بذلك. 

وكانت الأنفاق الممتدة من جنوب غزة إلى مصر بمثابة خطوط تهريب لسنوات عديدة، وادعت إسرائيل أن هدفها الأساسي هو نقل الأسلحة، في حين صورها مراقبون آخرون على أنها شريان حياة لتهريب المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات إلى سكان غزة المحاصرين.

إسرائيل هي  من بنت أنفاق مستشفى الشفاء
أشار سكاهيل، إلى أنه من المعروف أيضا أن هناك في الواقع أنفاقا وغرفا تحت مستشفى الشفاء ونحن نعلم ذلك لأن إسرائيل تعترف بأنها بنتها في أوائل الثمانينيات.

ووفقا لتقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد صُممت المرافق تحت الأرض من قبل المهندسين المعماريين في تل أبيب، غيرشون زيبور وبنجامين إيدلسون، وكانت البنية التحتية تحت الأرض جزءًا من جهود التحديث والتوسيع في مستشفى الشفاء بتكليف من وزارة الأشغال العامة الإسرائيلية. 

وجاء في تقرير لصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن "الإدارة المدنية الإسرائيلية في المناطق شيدت المبنى رقم 2 لمجمع المستشفى، الذي يحتوي على قبو إسمنتي كبير يضم مغسلة المستشفى والخدمات الإدارية المختلفة". وبحسب ما ورد فإنه تم الانتهاء من الغرفة والأنفاق الموجودة أسفل الشفاء في سنة 1983. 

‌وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك لمضيفة شبكة "سي إن إن" كريستيان أمانبور: "كما تعلمون، كنا ندير هذا الموقع منذ عقود مضت، لذا منذ عقود، أو عقود عديدة، أو ربما أربعة عقود مضت، ساعدناهم على بناء هذه المخابئ من أجل توفير مساحة أكبر لتشغيل المستشفى داخلها ضمن المساحة المحدودة للغاية لهذا المجمع".

وأردف سكاهيل أن العديد من المستشفيات الحديثة، وخاصة في مناطق الحرب، لديها بنية تحتية تحت الأرض، بما في ذلك المستشفيات الإسرائيلية. 

وباستثناء التقارير السابقة عن رصد أعضاء حماس داخل المستشفى، فستحتاج إسرائيل إلى تقديم أدلة أكثر إقناعًا لدعم ادعاءاتها بأن الموقع كان ذا أهمية عسكرية وعملياتية هائلة خلال هذه الحرب بالتحديد.

الدعاية مقابل القانون الدولي
وأكد الكاتب أنه بينما تشن إسرائيل حربها الدعائية على مستشفى الشفاء فإنها في الوقت نفسه تفرض حصارا على منشأة طبية أخرى، وهي المستشفى الإندونيسي الذي أصبح الآن المنشأة الطبية الوحيدة المتبقية في شمال غزة. 

وقتلت نيران المدفعية الإسرائيلية ما لا يقل عن 12 شخصا في المستشفى، واتهمت وزيرة الخارجية الإندونيسية، ريتنو مارسودي، إسرائيل بانتهاك القانون الدولي بقولها: "يجب على جميع الدول، وخاصة تلك التي لها علاقات وثيقة مع إسرائيل، استخدام كل نفوذها وإمكانياتها لحثّ إسرائيل على وقف فظائعها".

وبين سكاهيل، أن القانون الدولي الإنساني واضح في أنه في حالة وجود أي شك حول ما إذا كان المستشفى يُستخدم كطرف في نزاع "لارتكاب عمل ضار بالعدو" فإنه يظل موقعًا محميًا.

وحتى لو كان هناك دليل واضح على إساءة استخدام وضع الحماية الخاص بالمستشفى، فهناك  مجموعة من القواعد التي تحكم أي عمل عسكري ضد المستشفى - وسيظل المرضى المدنيون أفرادا محميين.

ونقل الكاتب عن عادل حق، الباحث لدى القاضي جون أو نيومان في كلية روتجرز للحقوق، أنه "حتى لو فقد المبنى حمايته الخاصة، فإن جميع الأشخاص الموجودين بداخله يحتفظون بحمايتهم، وأي شيء يمكن للقوة المهاجمة أن تفعله للسماح باستمرار المهام الإنسانية لذلك المستشفى، فهي ملزمة بالقيام به، حتى لو كان هناك مقاتل متحصن في مكتب ما في مكان ما في المبنى".

واتهم العاملون في مستشفى الشفاء، إسرائيل بشكل مباشر بالتسبب في وفاة مدنيين في المستشفى، بما في ذلك العديد من الرضع في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة حيث أصبحت حضاناتهم عديمة الفائدة بعد انقطاع التيار الكهربائي بشدة نتيجة للحصار الإسرائيلي. 

وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، قام فريق إنساني تابع للأمم المتحدة بقيادة منظمة الصحة العالمية بزيارة مستشفى الشفاء.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن طاقمها في الوفد وصف المستشفى بأنه "منطقة الموت"، حيث كانت "آثار القصف وإطلاق النار واضحة. وشاهد الفريق مقبرة جماعية عند مدخل المستشفى  تضم أكثر من 80 شخصًا دفنوا هناك".

من جانبها، نشرت إسرائيل أيضًا ما تقول إنها لقطات كاميرات المراقبة من داخل مستشفى الشفاء التي تم تسجيلها في أعقاب غارة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي تدعي أن الفيديو يصور مقاتلين مسلحين يدخلون المستشفى ومعهم رهينتان دوليتان، أحدهما تايلاندي والآخر نيبالي. 

وتظهر اللقطات أحد الرهائن المزعومين مصابًا على نقالة، وعلى افتراض أن هذه اللقطات حقيقية وأن مقاتلي حماس المسلحين أحضروا رهينة مصابة لتلقي العلاج، فما الذي تعتقد إسرائيل أنه كان ينبغي على طاقم المستشفى فعله في هذه الحالة؟ يقع على عاتق الأطباء التزام أخلاقي بمعالجة جميع الجرحى، وليس من وظيفتهم العمل كشرطة أو عملاء استخبارات.

من جانبها صرحت وزارة الصحة في غزة بعد نشر الفيديوهات بأنه "نظرًا لما أفاد به الاحتلال الإسرائيلي فإن هذا يؤكد أن مستشفيات وزارة الصحة تقدم خدماتها الطبية لكل من يستحقها، بغض النظر عن جنسه وعرقه". 

وأضافت الوزارة أنها لم تتمكن من التحقق من مقاطع الفيديو. 

وصرح عزت الرشق، المتحدث باسم حماس، بأن حماس اعترفت في وقت سابق بأنها عالجت أسرى جرحى في مستشفى الشفاء في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأضاف: "لقد أصدرنا صورًا لكل ذلك والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يتصرف وكأنه اكتشف شيئًا لا يصدق". 

ويرى الكاتب أن على عاتق الحكومة الإسرائيلية ورعاتها في إدارة بايدن مسؤولية إثبات الادعاءات الشاملة حول استخدام حماس المزعوم لمستشفى الشفاء ويجب أن تكون هذه الأدلة قوية بما يكفي لتثبت بشكل لا يقبل الجدل أن كل المعاناة والوفيات التي تعرض لها المرضى والأطباء والممرضون في مستشفى الشفاء كانت مبررة بموجب القانون، فضلًا عن المبادئ الأساسية للتناسب والأخلاق. 

وأضاف، أنه لا يمكن فهم مثل هذا الاستنتاج عند وضعه في سياق معاناة المدنيين الناجمة عن الحصار الإسرائيلي للمستشفى. 

وخلص الكاتب إلى أنه إذا ثبت أن إسرائيل ارتكبت عمليات احتيال في حملتها المتواصلة لتصوير أهم مستشفى في غزة على أنه قاعدة عسكرية سرية تابعة لحماس فيتعين على العالم أن يحاسب المسؤولين الإسرائيليين وإدارة بايدن على حد سواء، على الترويج لهذه الدعاية الخطيرة والمميتة.