سياسة عربية

هل قامت الشعوب العربية بما يكفي تجاه غزة؟.. "العدوان مستمر والصمت جريمة"

تظاهرات واسعة شهدتها الدول العربية بداية العدوان على غرة- الأناضول
مر 90 على العدوان، وما زال شلال الدماء في غزة يتدفق بقوة، إذ بدا الاحتلال أكثر توحشا من ذي قبل مع اطمئنانه باستمرار الدعم الغربي والتغطية على مجازره.

وكانت المشاهد القادمة من غزة صادمة لدرجة كبيرة، هذا فضلا عن الدمار الهائل الذي عم القطاع، وهو ما دفع الجماهير منذ الأيام الأولى للخروج بتظاهرات حاشدة طافت أرجاء المعمورة.

وشهد شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حراكا شعبيا واسعا في الدول العربية خصوصا، حيث طافت التظاهرات شوارع العواصم والمدن من المحيط إلى خليج، وبدا كأنه طوفان للشعوب يسير مع طوفان الأقصى العملية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.

ويبدو من مسار الحرب في القطاع أن الاحتلال بات لا يقيم وزنا لأي خطوط حمراء سبق أن تخوف منها، خصوصا أن المواقف الرسمية العربية تراوحت بين الصمت والإدانة والدعوات لوقف الحرب، وتلك اللغة لا يبدو أن نتنياهو يفهمها خصوصا أنه ماض بخطط التهجير والحرب الشاملة على سكان غزة.


واجبنا المزيد
لكن بعد ثلاثة أشهر من الحرب وجمود وضعف الموقف العربي الذي عجز عن إيقاف العدوان أو حتى إدخال المساعدات، بدا الحراك الشعبي أقل حضورا على الرغم من استمراره في العواصم الغربية.

وازداد العدوان توحشا مؤخرا حيث بات يرتكب عشرات المجازر يوميا كما وسع من نطاق عمليته البرية لتشمل مناطق جنوب القطاع، وسط صمت رسمي ربي، تخرقه بعض التصريحات.

وحول ذلك يقول الباحث والكاتب السياسي نظير الكندوري، "إن الشعوب العربية تفاعلت بشكل كبير مع بداية معركة طوفان الأقصى، وبالقدر الذي سمحت به الأنظمة العربية، من تظاهرات واحتجاجات ومقاطعة وغيرها من الأساليب الاحتجاجية".

وأضاف في حديث لـ "عربي21”, "أن هذا التفاعل بدأ بالتضاؤل تدريجيًا، ليس لتقصير تلك الشعوب، بحسب وجهة نظري، إنما بسبب ما قامت به الأنظمة العربية من تضيّق على شعوبها، خشية تحوّل تلك الفعاليات الشعبية، إلى احتجاجات ضد الأنظمة الساكتة على جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة".

وتابع، "وصل بنا الحال، أن بدأنا نتساءل، لماذا تفاعل الشعوب العربية مع ما يحدث في غزة هو أقل من نظيره الذي يحدث عند شعوب أوروبية وأمريكية. لكن فاتنا أن نقارن بين ما تمتلكه الشعوب الغربية حقوق تتعلق بحق التعبير وحرية أبداء الرأي السياسي واحترام حق الأنسان بعدم اضطهاده بسبب مواقفه السياسية، بينما تفتقر الشعوب العربية لكل تلك الحقوق. فروقات هائلة بين الشعوب العربية والغربية في هذا المجال".

وتساءل الكندوري، "ومع ما تقدم، هل تكتفي الشعوب العربية بما قدمت، وتستكين وتراقب بصمت ما يحدث من جرائم في غزة، بحجة أنهم معذورين لأن أنظمتها المستبدة لن تسمح لها بالتعبير عن مواقفها الحقيقية؟".

وأكد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن الشعوب العربية باتت مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتحرك لنصرة غزة.

كما قارن آخرون بالحراك الشعبي في أوروبا والولايات المتحدة وبين التظاهرات في الدول العربية، داعين لممارسة أقصى درجات الضغط على الحكومات العربية للخروج بموقف حقيقي يوقف نزيف الدماء في غزة.








المقاطعة
منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبالتزامن مع بدء العدوان على غزة، وبدأ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الدعوة لمقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال.

وشملت المقاطعة كبريات الشركات العالمية الداعمة للاحتلال على غرار "ستاربكس" و"ماكدونالدز" و"بابا جونز".. وغيرها؛ بسبب تقديمها دعما لجيش الاحتلال الإسرائيلي سواء ماديا أو معنويا.

وسريعا بدا أثر المقاطعة حيث وتكبّدت شركة "ستاربكس" ما وُصف بـ"الخسارة الهائلة" في القيمة السوقية، حيث بلغت 11 مليار دولار، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 9.4 في المئة، مما دق ناقوس الخطر داخل كافة أروقة شركة متاجر القهوة، الأولى عالميا.

كما اعترفت شركة مطاعم "ماكدونالدز" الأمريكية للوجبات السريعة بتأثر أعمالها بسبب المقاطعة الواسعة؛ إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ودعم السلسلة فضلا عن دعم الإدارة الأمريكية للحرب.

وقال الرئيس التنفيذي للسلسلة، كريس كمبينسكي؛ إن عددا من الأسواق في الشرق الأوسط، وخارجه "تأثرت بشكل ملموس" بسبب حرب إسرائيل، إضافة إلى ما قاله إنها "معلومات مضللة" حول العلامة التجارية، بشأن دعمها للاحتلال.

الإضراب العام 
ولم تكتف الشعوب بالإدانات الحكومية الخجولة، والتظاهرات فقط، بل انطلقت حملة للمشاركة في الإضراب الشامل، الذي دعا إليه ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي  حول العالم، مطلع الشهر الماضي، ك، دعما لقطاع غزة المحاصر، وللمطالبة بوقف العدوان وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

وتصدّر وسم #الإضراب_الشامل و strikeforgaza# مواقع التواصل الإجتماعي في عدد من الدول العربية كما أنه حظي بمشاركة واسعة من ناشطين في دول مختلفة حول العالم.

وبالفعل لاقت الدعوات العالمية للمشاركة في الإضراب الشامل؛ نصرة لأهالي قطاع غزة وللمطالبة بوقف إطلاق النار، صدى واسعا على الصعد كافة في كل من لبنان والأردن وتركيا ودول أخرى.

وأغلقت الشركات والمصانع والمحال أبوابها في عدة بلدان.

وفي إجابته عن سؤال حول إمكانيات الشعوب للوقوف عمليا مع غزة، قال الكندوري، "إنه لا يوجد عذر للشعوب العربية على سكوتها، أو غض نظرها عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وتقف متفرجة على كل ذلك".

وأكد، "أن بإمكان الشعوب العربية فعل المزيد من الضغوط على أنظمتها حتى تجبرها على اتخاذ إجراءات أكثر قوة لنصرة غزة وأهلها، مثل الإضرابات والعصيان المدني والمقاطعة الشعبية وغيرها من الفعاليات الشعبية".

أثر الحراك على الشعوب
وشددت السلطات الأمنية في عدة دول عربية من إجراءاتها مع كل مجزرة جديدة يرتكبها الاحتلال في غزة، خشية تصعيد الشارع، كما تعرض العديد من المتظاهرين للاعتقال.

وبنظر الكثيرين فإن العدوان غزة سيؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدول العربية التي تعاني شعوبها من الديكتاتورية وشبه انعدام للنشاط الديمقراطي المؤثر على قرارات الأنظمة الحاكمة.
 
وأكد الكندوري، "أن على الشعوب العربية أن تعلم، أن حراكها في هذا الوقت، لنصرة غزة والشعب الفلسطيني، لا يعود بالنفع والفائدة للشعب الفلسطيني فقط، إنما ستنعكس تلك الفائدة على الشعوب العربية نفسها، لأنها شعوب هي الأخرى تعيش تحت أنظمة مستبدة سياسيًا ومنذ عشرات السنين، وما يحدث في غزة جرائم، لا تزيد كثيرًا عما يحدث في بلد عربي أخر، والأمثلة على ذلك كثيرة".


مفاصلة وشيكة
اتسم موقف الحكومات العربية بالضعف تجاه الأحداث في غزة، ولم يرق إلى مستوى المجازر التي ترتكب في القطاع يوميا، حيث لم تستطع الدول العربية مجتمعة إدخال مساعدات لغزة، إلا بوساطة من الرئيس الأمريكي جو بايدن.

كما لم تقطع الدول المطبعة علاقتها الدبلوماسية بالاحتلال على غرار دول بوليفيا أو كولومبيا وغيرهما من الدول التي اتخذت مواقف صارمة تجاه ما يحدث في غزة.

يؤكد الكندوري في معرض حديث لـ "عربي21”, "في قراءة مستقبلية لتداعيات معركة طوفان الأقصى، وما تلاها من صور لصمود الشعب الفلسطيني في غزة تجاه كل المؤامرات التي تحاك ضده، نرى أنه لابد وسيترك أثرا عظيما في الشعوب العربية".

ويضيق، "سيمثل صمود غزة أمام الشعوب العربية، حقيقة لا جدال فيها، هي أن (الحرية لا تُمنح دون ثمن)، إنما تُنتزع انتزاعًا، والحرية ثمنها إراقة الدماء، وإذا أرادت الشعوب العربية التحرر من نير الاستبداد الذي تعيشه، والفوز بحريتها وانتزاع كرامتها، فعليها المضي بنفس الطريق الذي مضى به الشعب الفلسطيني ومقاومته الشريفة".

وختم الكندوري، "أن الشعوب العربية ليست بأقل من شعب فلسطين حبًا للحرية والتحرر والاستقلال، ولديها الاستعداد للتضحية لأجل ذلك بالغالي والنفيس. ففي الوقت الذي يقاتل الفلسطيني محتلا يريد انتزاع أرضه منه، نجد أن العربي لابد له من الوقوف بوجه الأنظمة التي تحتله بالوكالة عن دول كبرى، لا فرق كبيرا بين الحالتين".