صحافة دولية

صحفيون في "CNN" يخرجون عن صمتهم.. هاجموا تحيز الشبكة للاحتلال

حاولت الشبكة التقليل من آثار العدوان الإسرائيلي ومن عدد الشهداء الفلسطينيين- جيتي
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده كريس ماغريل قال ‏فيه إن الموظفين العاملين في شبكة "CNN" الأمريكية ‏احتجوا على ميل الشبكة لإسرائيل وقالوا إنه تحيز يصل إلى ‏حد "سوء الممارسة الصحافية". ‏

ونقلت الصحيفة عن عاملين في داخل المؤسسة الصحافية ‏قولهم إن الضغط من رؤساء الشبكة أدى إلى مجموعة من ‏التقارير الساذجة التي لا يمكن تصديقها وتجاهل المنظور ‏الفلسطيني. وتواجه "CNN" ردة فعل من موظفيها بسبب ‏استعدادها لاجترار الدعاية الإسرائيلية وفرض الرقابة على ‏المناظير الفلسطينية المتعلقة بالحرب. ‏

ويقول الصحافيون في غرف الأخبار بالولايات المتحدة ‏ومكاتب الشبكة بالخارج إن البث تشوه بسبب القرارات ‏وعمليات الموافقة على التقارير والتي أدت لتغطية متحيزة ‏ضد مجازر حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر والرد ‏الإسرائيلي الإنتقامي ضد غزة.‏



‏ وقال موظف في الشبكة "غالبية التقارير ومنذ بداية الحرب ‏لم تهتم بدقة التقارير الأولى، وتشوهت بسبب التحيز ‏المؤسساتي داخل الشبكة تجاه إسرائيل" و "في النهاية ‏فتغطية "CNN" لحرب إسرائيل- غزة تصل إلى سوء ‏ممارسة صحافية". و بحسب شهادات موظفين عاملين في غرف الأخبار وعشرات ‏المذكرات وحصلت عليها صحيفة "الغارديان"، فقد كان ‏البث اليومي للأخبار مشروطا بالتوجيهات من مقرات "CNN" في أتلانتا والتي وضعت معايير مشددة للتغطية. ‏وشملت منعا للاستشهاد بحماس أو أي منظور فلسطيني آخر. ‏فيما تم التعامل مع بيانات الحكومة الإسرائيلية بدون مساءلة. ‏

وفرض على قصة تتعلق بالنزاع الحصول على موافقة من ‏مكتب "CNN" في القدس قبل بثها. وقال صحافيون في ‏الشبكة إن نبرة التغطية حددها المحرر المسؤول والمدير ‏التنفيذي مارك تومبسون والذي تولى منصبه قبل يومين من ‏هجمات تشرين الأول/أكتوبر. ‏



وعبر البعض عن استعداد تومبسون لمواجهة الضغوط ‏الخارجية ومحاولة التأثير على التغطية، في ضوء تاريخه ‏مع "BBC" حيث عرف عنه إذعانه للضغوط الإسرائيلية ‏في أكثر من مرة، بما في ذلك عزل أهم الصحافيين من ‏مكتب "BBC" في القدس عام 2005.‏

‏ ويقول العاملون في داخل الشبكة إن هذا انتهي بتركيز "CNN" في الأسابيع الأولى من الحرب على معاناة ‏الإسرائيليين وملاحقة حماس وأنفاقها وتناسي معاناة ‏الفلسطينيين وتدمير غزة. ووصف أحد الصحافيين ‏‏"الانقسام" داخل الشبكة بشان التغطية والتي تذكر بعمليات ‏التطبيل التي تبعت هجمات 9/11. وقال الصحافيون "حدثت ‏خلافات ومعارضة وبحث أشخاص عن الخروج". وقال ‏صحافي في مكتب آخر إنهم واجهوا معارضة " تشاجر ‏الموظفون البارزون والذين لا يتفقون مع الوضع القائم مع ‏المدراء الذين أصدروا الأوامر وتساءلوا عن الطريقة التي ‏يمكنهم تقديم القصة وسط هذه القيود". وقال "دفع الكثيرون ‏باتجاه مزيد من المحتوى عن غزة وبثه، وفي الوقت الذي ‏تخرج هذه التقارير من القدس وإلى صفحة التلفزيون فإنها ‏تتعرض لتغيير واضح، من المقدمة إلى اللغة غير الدقيقة ‏إلى تجاهل القصص الضرورية- والتأكد من أن كل تقرير ‏مهما كان شاجبا، يحلل إسرائيل من المسؤولية". ‏

وتحدث موظفو "CNN" عن الصحافيين ممن لديهم خبرة ‏في النزاع وتغطية المنطقة وكيف أنهم تجنبوا القيام بمهام ‏صحافية لمعرفتهم أنهم لن يستطيعوا نشر القصة بالكامل. ‏وتكهن آخرون أن الإدارة أبقتهم بعيدا عن التغطية ومن ‏‏"الواضح أن لا علاقة لهم بالحرب يقومون بتغطيتها ومن ‏لهم علاقة لا يغطونها" حسب شخص من الداخل. ‏

ووصف تومسون في أول لقاء مع المحررين وبعد يومين من ‏الهجمات مهمة الشبكة وقال فيه إن تغطية "CNN" مستمرة ‏و "عظيمة". وقال إنه يريد من المشاهدين معرفة حماس وما ‏هي أهدافها وماذا تريد تحقيقه من الهجمات. وفي ذلك الوقت ‏شعر فيه الحاضرون أن هذا هدف مقدر، لكنهم اكتشفوا مع ‏مرور الوقت ما يتوقعه تومبسون منهم. ‏

وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر وصلت توجيهات عبر البريد ‏الإلكتروني للمحررين، وسط مقتل 2,700 طفلا فلسطينيا ‏وتحضير إسرائيل للغزو. وطلبت الملاحظة من المحررين ‏الاهتمام بتوجيه مفاده أن "CNN" ستواصل بث التقارير ‏عن الثمن الإنساني للحرب وسياقها ولكن "علينا تذكير ‏مشاهدينا وبشكل دائم بالسبب المباشر للنزاع الحالي، وهو ‏الهجوم والقتل الجماعي واختطاف المدنيين".‏



‏ ويقول الموظفون إن المذكرة عززت من مبرر إسرائيل في ‏الهجوم على غزة، وهي هجمات حماس، وأن أي سياق ‏تاريخي لا يرحب به. وقال موظف "كيف سيقرأ محررونا ‏هذا غير أنه توجيه مهما فعل الإسرائيليون، وحماس هي ‏المسؤولة في النهاية؟ وأي فعل من إسرائيل- مثل إسقاط ‏القنابل الضخمة تمحو شوارع بأكملها وتبيد عائلات كاملة- ‏فالسرد هو أنهم مسؤولون عن هذا" أي أهل غزة. ‏

وطلبت نفس المذكرة أن يشفع أي اقتباس من وزارة الصحة ‏في غزة بشأن أعداد الضحايا بالتي "تسيطر عليها حماس" ‏مما يشكك بمصداقية الأرقام، رغم اعتماد منظمة الصحة ‏العالمية عليها وغيرها من المنظمات الدولية. ووضع ‏تومبسون أسس الرقابة والتغطية لحرب غزة. وهي التي ‏يشرف عليها "الثالوث" في أتلانتا ويتكون من معايير ‏الأخبار والممارسة والقانون وفحص صحة المعلومات. ‏

وأصدر ديفيد ليندزي، مدير معايير الأخبار والممارسة ‏توجيها في تشرين الثاني/نوفمبر منع فيه أي ذكر لبيانات ‏حماس لأنها "نارية ودعاية". وقال إنها تحتوي على نفس ‏الكلام ولا تستحق الاهتمام الإخباري و "علينا الحذر وعدم ‏منحهم منصة". وقال إن بيان حماس ليس مهما من الناحية ‏التحريرية ويمكن استخدامه مع سياق أوسع وحزمة ومحتوى ‏رقمي "دعونا نتجنب نشرها على أنها اقتباس لوحده". ‏وبالمقارنة يقول موظف إن "CNN" بثت تصريحات نارية ‏وتحريضية من مسؤولين إسرائيليين وداعميهم بدون اشتراط ‏سياق أو إرفاقها بمحتوى توضيحي. ‏

ولاحظوا أن مؤسسات صحافية بثت تصريحات حماس، بما ‏في ذلك المتحدث باسم الحركة غازي حمد الذي قطعت "BBC" حديثه عندما طلبت منه التعليق على القتلى ‏الإسرائيليين.‏

‏ وقال موظف إن المراسلين يجدون صعوبة في تمرير مقابلة ‏حماس عبر ثالوث "CNN".

وقالت مصادر في الشبكة إن ‏مقابلات مع حماس لم تجر منذ تشرين الأول/أكتوبر إلا أنهم ‏نفوا أي منع لمقابلة قادتها. إلا أن أقسام الأخبار في "CNN" طلب منها عدم نشر فيديو سجلته الحركة إلا بعد حصوله ‏على موافقة الثالوث. وتم تأكيد الموقف في توجيه أرسل في ‏‏23 تشرين الأول/أكتوبر ومنع نشر تسجيلات حماس ‏للإفراج عن نوريت كوبر ويوشيفيد ليفشيتز وقرار كوبر ‏مصافحة أحد عناصر حماس. حيث جاء في التوجيه أن ‏الإشارة للمصافحة يجب أن تكون سطحية وفي سياق ‏قرارها.‏

‏ وإلى جانب قرارات مقرات أتلانتا، فلدى "CNN" سياسة ‏تشترط مرور أي تقرير يتعلق بالنزاع على مكتبها في ‏القدس، ومع بداية الحرب أنشأت عملية أسمتها "عيون ثانية" ‏لتسريع عمليات تمرير التقارير. وكشف موقع "إنترسيبت" ‏عن مذكرة أرسلها مدير مكتب القدس، ديفيد غرين أخبر فيها ‏الموظفين بضرورة تجنب الكلمات التي تشي بالتحيز نظرا ‏للتحزب في استقبال تقارير الشبكة في أمريكا. وعلق بعض ‏الموظفين إنه لا شيء خطأ في التحذير نظرا لحساسية ‏الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي ومحاولة الأحزاب ‏والجماعات المؤيدة لإسرائيل التأثير على التغطية، لكن ‏البعض اعتبر أن الإجراء المقصود منه الحفاظ على المعايير ‏أصبح وسيلة للرقابة وتجنب الجدل. وكنتيجة لسياسة "العيون ‏الثانية" هي تمرير التصريحات الإسرائيلية والموافقة عليها ‏بدون تمحيص أما التصريحات الفلسطينية – وليس حماس- ‏فقد تم تأخيرها وربما لم تبث أبدا. وأشار الموظفون لتدخل ‏غرين شخصيا لتغيير عنوان تقرير خوفا من إغضاب ‏الجماعات المؤيدة لإسرائيل، فالعنوان الأصلي " لا تقترب ‏إسرائيل من تدمير حماس" إلى "ثلاثة أشهر، إسرائيل تدخل ‏مرحلة جديدة، هل ما زالت تريد تدمير حماس؟" مع أن ‏العنوان الأول عكس ما ورد في الصحافة الدولية ‏والإسرائيلية. ‏

ويخشى بعض موظفي "CNN" من تحول الشبكة إلى ‏رقيب بديل عن الحكومة الإسرائيلية.



وقال أحد الصحافيين ‏‏"أنتهى النظام بأفراد يحررون أي وكل التقارير التي تحمل ‏تحيزا مؤيدا لإسرائيل وباستخدام صيغة المجهول لتحليل ‏إسرائيل من المسؤولية والتقليل من أهمية القتلى الفلسطينيين ‏والهجمات الإسرائيلية". وتحدث الصحافيون عن تقارير ‏مهمة ل"CNN" عن الحرب ولكنها لا تبث إلا في النسخ ‏الدولية، أما النسخة الموجهة للمشاهد الأمريكي فعادة ما ‏تهمش أو تطغى عليها المقابلات الطويلة مع المسؤولين ‏الإسرائيليين أو المؤيدين لهم والذين يفتح المجال لقول ما ‏يريدون وبدون تدخل من المذيعين، بل ويشارك هؤلاء أحيانا ‏بتعليقات مؤيدة. وبالمقارنة لا يفتح المجال أمام المؤيدين ‏لإسرائيل، بل ويتم امتحانهم والتدقيق في أقوالهم. وأشار ‏أحدهم لمقابلة مع رامي إغرا، المسؤول في الاستخبارات ‏الإسرائيلية الذي قابله أندرسون كوبر، وزعم أن كل سكان ‏غزة هم من الجنود المقاتلين.

وقال "غير المقاتلين بين سكان ‏قطاع غزة مصطلح غير موجود لأنهم صوتوا لحماس، ‏وكما لاحظنا في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، معظم ‏سكان القطاع هم من حماس". ولم يعترض كوبر على ‏التصريحات، مع أن عدد القتلى بين المدنيين وصل مع بث ‏المقابلة إلى 13,000 شخصا. وأشار موظف إلى جيك تابر، ‏المذيع الذي قال إنه يقف مع طرف واحد. ورغم حديثه عن ‏الضحايا الفلسطينيين إلا أنه كان يدافع وبوضوح عن ‏ممارسات إسرائيل. وتساءل "بماذا كانت تفكر حماس وما ‏تفعله إسرائيل في الرد على هذا؟" أي هجمات تشرين ‏الأول/أكتوبر. ومثال آخر، وهي سارة سنايدر التي تفاعلت ‏مع تقرير لم تثبت صحته بشأن قتل حماس للأطفال في 7 ‏تشرين الأول/أكتوبر. وقالت "لدينا في الحقيقة أخبار تثير ‏القلق من إسرائيل" وبعد أربعة أيام من الهجمات.

و"أكد ‏المتحدث باسم رئيس الوزراء العثور على أطفال قطعت ‏رؤوسهم في كفار عزة، جنوب إسرائيل، وبعد هجوم حماس ‏نهاية الأسبوع، وتم تأكيد هذا من مكتب رئيس الوزراء". ‏وقالت "هذا دمار لا يمكن وصفه". ثم تساءلت مع مراسلة ‏"CNN" في القدس حداس غولد حيث قالت إن هناك ‏استحالة لعقد سلام مع حماس. لترد غولد، "كيف يمكنك ‏التعامل مع ناس يرتكبون هذه الفظائع للأطفال والأجنة". لكن ‏المشكلة أن "CNN" لم يكن لديها أشرطة فيديو ولا أي ‏أحد. وقال الموظفون "المشكلة هي أن نسخة الحكومة ‏الإسرائيلية عن الأحداث قبلت كما هي وبطريقة عاطفية ‏وبتمحيص قليل من مذيعة يفترض حيادها". ويقول ‏الموظفون إنه كان على "CNN" التعامل مع القصة بحذر ‏نظرا للسجل الإسرائيلي الطويل بالمبالغة. وتعاملت سكاي ‏نيوز مع القصة بشك، وقد بدأت بصحافية إسرائيلية قالت إن ‏الجيش أخبرها عن 40 طفل قطعت رؤوسهم، ثم استخدم ‏الجيش القصة لتشبيه حماس بتنظيم الدولة. لكن "CNN"وجدت أن القصة تستحق البث وبدون تميحص وبناء على ‏الرواية الإسرائيلية. ولم تبث "CNN" التراجع الإسرائيلي ‏عن القصة لكن الضرر حصل.‏

‏ وقال بعض الصحافيين إن بعض المراسلين حاولوا تحدي ‏القيود، مثل جمانة كرادشة ذات الخبرة الطويلة في تغطية ‏الشرق الأوسط "رفضت جمانة في الحقيقة وحاولت إلقاء ‏ضوء على الضحايا الفلسطينيين في هذه الحرب وحققت ‏بعض النجاح. وأعدت قصصا مهمة وبوجه إنساني على كل ‏هذا ونظرت لأفعال إسرائيل ونواياها، وأعتقد أن هذا لم يكن ‏سهلا ولم تحصل قصصها على الظهور الذي تستحقه". ‏وتحدث صحافيون عن المعايير المزدوجة الصارخة، وقال ‏أحدهم "من المقبول أن ترافق الجيش الإسرائيلي وترسل ‏تقارير برقابة منه ولكن ليس مسموحا الحديث مع منظمة ‏فازت بأغلبية ساحقة. وقال "لقد قابلنا معمر القذافي وأسامة ‏بن لادن، فما الذي اختلف الآن".‏