قضايا وآراء

"منظمات المعبد" ما بين الاعتداء على الأقصى وربط العدوان على غزة ببناء "المعبد" المزعوم

يغلق الاحتلال المسجد الأقصى أمام الفلسطينيين- الأناضول
شهدت السنوات الماضية تصاعدا في اعتداءات الاحتلال على القدس والمسجد الأقصى، وتعمل أذرع الاحتلال المتطرفة على تعزيز وجودها في المسجد، بالتوازي مع خفض قدرة العنصر البشري الإسلامي على عمارة الأقصى، عبر جملة من الاعتداءات والقيود، والتي استمرت مع الحكومة اليمينية الحالية، وتصاعد نفوذ "منظمات المعبد" في المستويين السياسي والأمني الإسرائيلي.

وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية قراءة المخاطر التي يتعرض لها الأقصى، واشتبكت مع ما يجري فيه، من خلال العمليات الفردية والدعوات المتكررة للرباط داخله، وصولا إلى معركتي "سيف القدس" و"طوفان الأقصى"؛ التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى إعداد هذا المقال، في اشتباك مباشر من قبل المقاومة الفلسطينية المسلحة مع ما يتعرض له المسجد من مخاطر؛ لم تعد تهدد مكوناته البشرية فقط، بل تهدد وجوده بشكل كامل.

وفي مقابل المبادرة الفلسطينية تجاه ما يتعرض له الأقصى، فإن أذرع الاحتلال المتطرفة تحاول أن تفرض رؤيتها ومخططاتها، وأن تستفيد من العدوان على القطاع لتحقيق المزيد من المكاسب، إن من حيث استمرار الاقتحامات وما يترافق معها من أداءٍ للصلوات اليهوديّة العلنية وغيرها، أو من حيث فرض الارتباط ما بين العدوان على القطاع وبناء "المعبد" المزعوم، وتأبين عدد من جنود الاحتلال الذين قتلوا في غزة، بمراسم دينيّة داخل الأقصى، وغيرها من القضايا المتصلة والتي نستعرضها في هذه المادة.

أذرع الاحتلال المتطرفة تحاول أن تفرض رؤيتها ومخططاتها، وأن تستفيد من العدوان على القطاع لتحقيق المزيد من المكاسب، إن من حيث استمرار الاقتحامات وما يترافق معها من أداءٍ للصلوات اليهوديّة العلنية وغيرها، أو من حيث فرض الارتباط ما بين العدوان على القطاع وبناء "المعبد" المزعوم، وتأبين عدد من جنود الاحتلال الذين قتلوا في غزة، بمراسم دينيّة داخل الأقصى

الأقصى في قلب العدوان على الفلسطينيين ومقدساتهم

بدأت معركة "طوفان الأقصى" على إثر انتهاء الأعياد اليهوديّة، التي شهدت جملة من الاعتداءات بحق المسجد الأقصى، ومنذ بداية العدوان على القطاع فرضت قوات الاحتلال إجراءاتٍ أمنية مشددة في أزقة البلدة القديمة وأمام أبوابها، وفي الطرق التي تؤدي إليها، في محاولة لمنع الفلسطينيين من الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلوات الخمس. ويستمر منع قوات الاحتلال للرجال ممن تقل أعمارهم عن 60 عاما من الدخول إلى الأقصى، ولا تسمح إلا لكبار السن القاطنين في البلدة القديمة، بينما تمنع الشبان والمقدسيين من المناطق الأخرى في القدس المحتلة، وهو ما ينسحب على يوم الجمعة، الذي تراجع أعداد المصلين فيه من عشرات الآلاف، إلى أقل من 4500 في بعض الجُمع.

ويُشير استمرار حصار الأقصى من قبل أذرع الاحتلال الأمنية إلى فرض المزيد من التضييق على المكون البشري الإسلامي داخله، وتحقيق عددٍ من الأهداف المركزية، أبرزها فرض المزيد من التحكم بالمسجد، وتقليل حجم الوجود الإسلامي في المسجد وكثافته، إذ يشكل هذا الوجود عقبة كأداء أمام مشاريع التقسيم المختلفة التي تريدها أذرع الاحتلال المتطرفة. وبحسب متابعين، فإن الاحتلال يحاول أن يغير موقع الأقصى في البيئة الإسلامية المحيطة، من كونه المسجد الجامع لكل فلسطينيّ قادرٍ على الوصول إلى المسجد، إلى مسجد البلدة القديمة فقط، ما يسهل عليه الاستفراد بالمسجد، ما يجري في قطاع غزة من فظائع ومجازر.

استمرار الاقتحامات ومزيد من التحريض

لم تكن الإجراءات العقابية هي الرد الوحيد على "طوفان الأقصى" في القدس المحتلة، فقد أصرت أذرع الاحتلال على استمرار اقتحامات الأقصى. ففي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد يومٍ واحدٍ فقط من العملية، شارك نحو 75 مستوطنا في اقتحام الأقصى بحماية قوات الاحتلال، وتلاحقت اقتحامات الأقصى منذ ذلك بشكلٍ شبه يوميّ.

ومنذ "طوفان الأقصى" حلّ عيدٌ عبري واحد، وهو عيد "الحانوكاه/الأنوار" اليهودي، وبحسب مصادر مقدسية فقد بلغ عدد مقتحمي الأقصى في هذا العيد نحو 1332 مستوطنا، ما بين 10 كانون الأول/ ديسمبر 2023 و14 كانون الأول/ ديسمبر 2023، ودنس المستوطنون ساحات الأقصى الشرقية، عبر إضاءة شموع "الحانوكاه" داخل الأقصى في يومين متتالين، وهو ما يُعد أبرز طقوس العيد. وكانت سابقا قوات الاحتلال تمنع المتطرفين من القيام بها، بينما استطاعوا في هذا العام أداءها بحماية عناصر الاحتلال الأمنية. ومنذ بداية العدوان أعادت أذرع الاحتلال المتطرفة استخدام بداية الشهر العبري لرفع أعداد مقتحمي الأقصى، وإطلاق اقتحامات مركزية، وآخر هذه الدعوات في 8 كانون الثاني/ يناير 2024.

صور "المعبد" في أزقة غزة وأحيائها

على الرغم من إعلان المستويين السياسي والعسكري في دولة الاحتلال المتكرر عن أهداف العدوان على قطاع غزة، والتي تتركز في القضاء على المقاومة، وإنهاء قدراتها الصاروخية وغيرها، إلا أن منظمات الاحتلال المتطرفة عملت على تحقيق غايات أخرى، إذ ركزت على ربط ما يجري في القطاع من توغلٍ بريّ، ومجازر وحشية مع فكرة بناء "المعبد" المزعوم، لتصدير فكرة مركزية بأن ما يجري في غزة جزءٌ مما تقوم به في الأقصى، وأن انتصار جيش الاحتلال سيمسح لهم بالمضي قدما في مخططاتهم. وقد حفلت الأشهر الماضية بنماذج عديدة، وفي النقاط الآتية أبرزها:

على الرغم من إعلان المستويين السياسي والعسكري في دولة الاحتلال المتكرر عن أهداف العدوان على قطاع غزة، والتي تتركز في القضاء على المقاومة، وإنهاء قدراتها الصاروخية وغيرها، إلا أن منظمات الاحتلال المتطرفة عملت على تحقيق غايات أخرى، إذ ركزت على ربط ما يجري في القطاع من توغلٍ بريّ، ومجازر وحشية مع فكرة بناء "المعبد" المزعوم، لتصدير فكرة مركزية بأن ما يجري في غزة جزءٌ مما تقوم به في الأقصى، وأن انتصار جيش الاحتلال سيمسح لهم بالمضي قدما في مخططاتهم

- في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 نشرت "منظمات المعبد" تصميما يُظهر صورة لدبابات الاحتلال على أحد شواطئ غزة، وكأنها تسير قُدما نحو مجسم "المعبد"، وكتب عليها "قريبا في جبل المعبد".

- في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2023 نشرت مصادر فلسطينية صورا لجنود الاحتلال في القطاع، وهم يرتدون خوذات عسكرية طُبع عليها صورة "المبعد".

في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2023 أعلنت واحدة من "منظمات المعبد" أنها فتحت باب التبرعات، بهدف خياطة رقع قماشية تحمل صورة "المعبد" المزعوم، لتوزيعها على جنود الاحتلال في غزة.

- في 1 كانون الثاني/ يناير 2024 نشرت مصادر عبرية صورة لجندي في غزة، كتب عبارة "سُيُبنى المعبد"، خطها على مئذنة أحد مساجد قطاع غزة بعد تدميرها.

- في 17 كانون الثاني/ يناير 2024 نشر يهوشع لبيلير، وهو رئيس قسم التعليم في منظمة "بيدينو"، المنضوية ضمن ما يسمى جماعات "المعبد"، صورة في غزة مرتديا البزة العسكرية، وهو يرفع ورقة كتب عليها بالعربية "من دمار غزة نبني معبدنا". وأشارت مصادر فلسطينية إلى أن لبيلير يقاتل مع جيش العدو منذ بداية العدوان على القطاع، إضافة إلى كونه واحدا من أبرز مقتحمي المسجد الأقصى.

- في 29 كانون الثاني/ يناير 2024 نشرت مصادر عبرية صورة لجندي إسرائيلي وقد رسم صورة متخيلة لـ"المعبد"، داخل أحد المنازل الفلسطينية المُدمرة في خانيونس جنوبي قطاع غزة.

وإلى جانب ما سبق، تحفل وسائل التواصل الاجتماعي لدى العدو بكمٍ كبير من التحريض على الفلسطينيين، ومن بينها نشر عددٍ من الجنود صورا تُظهر تعلق الفلسطينيين في غزة بالمسجد الأقصى، وانتشار صورة ومجسمات المسجد الأقصى في القطاع بكثرة، إذ لا يخلو منزل في غزة من صورة للأقصى بمعالمه المختلفة، وتضمنت هذه المنشورات تحريضا على الفلسطينيين، وأن هذه الصور أظهرت "طبيعة المعركة" بحقيقتها، في إشارة إلى شرارة معركة "طوفان الأقصى"، في مواجهة مطامع الاحتلال ومخططاته.

قتلوا في غزة، ونُعُوا في الأقصى

لتحقيق المزيد من الترابط الذي أسلفنا الإشارة إليه، عملت المنظمات المتطرفة على نعي العديد من جنود الاحتلال في الأقصى، وقد بدأ هذا الاعتداء منذ بداية العدوان على القطاع. ففي 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 دعت "منظمات المـعـبد" أنصارها إلى اقتحام المسجد الأقصى في اليوم التالي، بهدف إقامة "الصلوات والنحيب"، نصرة لجيش الاحتـلال في عدوانه على القطاع، وأعلنت هذه المنظمات أن هذه الطقوس ستُقام في ساحات الأقصى الشرقية عند العاشرة صباحا، على أن تضم شخصيات عامة وحاخامات.

وإلى جانب هذه "الطقوس" العامة، تكررت الدعوة لتأبين جنود بعينهم، وبعضهم ممن يواظب على اقتحام الأقصى، والاعتداء عليه، ففي 8 كانون الثاني/ يناير 2024 دعت المنظمات المتطرفة أنصارها إلى اقتحام الأقصى في بداية الشهر العبري الجديد، لتأبين ضابط الاحتياط هرئيل شرفيط الذي قُتل في قطاع غزة. وأشارت مصادر فلسطينية إلى أن الضابط ظهر في مقطع فيديو قبل عدة أسابيع من داخل القطاع، وهو يزرع شجرة ويهديها إلى المستوطنين الذين أحرقوا عائلة دوابشة عام 2015. ونعت "منظمات المعبد" القتيل، قائلة إنه كان يقتحم المسجد الأقصى باستمرار ويشجع على ذلك.

ولم يكن شرفيط المقتحم الوحيد ممن قتلوا في القطاع، ففي 23 كانون الثاني/ يناير 2024 أعلنت "منظمات المعبد" عن مقتل أحد أنصارها وهو الجندي إسرائيل سكول، وقد قُتل سكول برفقة عددٍ كبير من جنود العدو في كمين مخيم المغازي، وأشارت المنظمات المتطرفة إلى أن الجندي وعائلته من أبرز مقتحمي الأقصى، وأنهم من الفاعلين في منظمة "بيدينو" المتطرفة. وفي 30 كانون الثاني/ يناير 2024 شاركت عائلته في اقتحام المسجد الأقصى، وقاموا بتأبينه خلال الاقتحام، وقد صرحت والدته بأن "هذه الحرب من أجل المعبد".

هل ستُفتح جبهة جديدة مع قدوم شهر رمضان؟
مع استمرار إجراءات الاحتلال الرامية إلى تقليل أعداد المصلين في المسجد، فمن المتوقع أن يشهد هذا الشهر تصاعدا في المواجهات في القدس المحتلة، خاصة أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ومن خلفه المنظمات المتطرفة تسعى إلى استمرار الإجراءات المشددة أمام أبواب الأقصى، في محاولة لفرضها طيلة العام، ما يجعل شهر رمضان محطة تفجرٍ قادمة

يُعدّ شهر رمضان المبارك أبرز المواسم التي يشهد فيها المسجد الأقصى حضورا إسلاميا كثيفا، يصل في ليالي القدر إلى أكثر من ربع مليون مصلٍ، ومع استمرار إجراءات الاحتلال الرامية إلى تقليل أعداد المصلين في المسجد، فمن المتوقع أن يشهد هذا الشهر تصاعدا في المواجهات في القدس المحتلة، خاصة أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ومن خلفه المنظمات المتطرفة تسعى إلى استمرار الإجراءات المشددة أمام أبواب الأقصى، في محاولة لفرضها طيلة العام، ما يجعل شهر رمضان محطة تفجرٍ قادمة.

ومما يدلل على انطلاق الاستعدادات منذ الآن، ففي أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي كشفت مصادر عبرية عن اجتماع ضم قيادات في شرطة الاحتلال وجيشه، لبحث "دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان" والتجهيزات لذلك. وبحسب المصادر العبرية فقد أوصت شرطة الاحتلال بمنع دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى القدس والأقصى، وشهد الاجتماع تباينا ما بين موقف وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير وموقف جيش الاحتلال، إذ طرح الأخير بأن منع الفلسطينيين من الضفة من الدخول سيزيد التوترات في القدس والضفة الغربية المحتلتين. وتأتي هذه المعطيات في ظل استمرار الحصار الذي تفرضه أذرع الاحتلال على المسجد الأقصى، بالتزامن مع استمرار العدوان على القطاع.

وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت فإن المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال تتابع مناقشاتها بشأن السياسة الإسرائيلية في رمضان، وما إذا كانت ستتم الموافقة على "تقديم تسهيلات للفلسطينيين خلاله". وبحسب المصادر العبرية فإن قضية دخول المصلين من الضفة الغربية إلى الأقصى، وعددهم، أبرز القضايا التي يتم البحث فيها، مع تصاعد مؤشرات "انفجار" الأوضاع في القدس والضفة الغربية المحتلتين.

المصادر:
- علي إبراهيم، "عربي21"، 23/10/2023.
- صفحة القدس البوصلة على تليجرام.
- نشرة القدس في أسبوع، مؤسسة القدس الدولية:
- وكالة الأناضول.