ملفات وتقارير

"ستموت بموت المريض".. الأطباء في العراق يصبحون ضحايا

غادر 20 ألف طبيب العراق قبل وبعد عام 2003- جيتي

حادثتا قتل طالتا طبيبين في العاصمة العراقية بغداد، لم يكن بينهما أقل من شهر، حيث كانت آخرها التي أحدثت ضجة في البلد الذي يعاني من السلاح المنفلت، هو قتل طبيب الأطفال خالد زهير نعمة من قبل مسلحين في الأسبوع الأول من شهر شباط الجاري.

الأدلة الجنائية، وفق وثيقة صادرة عن نقابة الأطباء، أكدت أن "الحادث اغتيال واضح جدا"، حيث وقعت الجريمة في وضح النهار، من خلال إطلاق النار على الطبيب الذي يعمل في مستشفى حماية الطفل في مدينة الطب في شارع المغرب شرق العاصمة.

ويبدو أن بيانات نقابة الأطباء التي تشعر من خلالها بـ"القلق" على مقتل كوادرها أو تعرضهم للخطف والتهديد لا ترقى إلى وضع حد لاستهداف الطواقم الطبية من قبل أصحاب السلاح.

اظهار أخبار متعلقة


العام الماضي، قامت نقابة صيادلة محافظة ديالى العراقية بتعليق عمل الصيدليات لفترة زمنية احتجاجا على مقتل الطبيب المعروف أحمد المدفعي، ونددت بـ"العمل الإجرامي" الذي يستهدف الكوادر الطبية.

وعلى الرغم من إلقاء القبض على غالبية منفذي اغتيالات الأطباء من قبل وزارة الداخلية، إلا أن الردع لم يترجم على أرض الواقع.

87 بالمئة من الأطباء تعرضوا للعنف

وأفاد تقرير بريطاني حديث بأن نسبة 87% من أطباء بغداد تعرضوا لأعمال عنف خلال النصف الأول من العام 2022، وكشفت غالبية هؤلاء الأطباء أن العنف قد ازداد منذ بداية تفشي وباء كورونا، حيث أشاروا إلى أن ثلاثة أرباع الهجمات جرت على يد المرضى وأفراد عائلاتهم.

وأشار التقرير إلى أنه في العراق، يعتبر من الأمور الاعتيادية أن يتلقى المريض الدعم من قِبَل الأصدقاء وأفراد عائلته، وفي بعض الأحيان يأتون حتى من قِبَل مجموعات تصل إلى 15 شخصا يدخلون إلى داخل المستشفى.

وأضاف تقرير "الغارديان" أن عدم قدرة الطبيب على علاج مريض يشعر بالتوتر أو يعتقد أن هناك خطأً طبيا قد يؤدي إلى تحول الأجواء المتوترة إلى أعمال عنف.

ونقل التقرير عن أستاذ علم الوبائيات في جامعة المستنصرية، رياض لفتة، قوله: "عندما يتوجه المرضى إلى المستشفى وهم متوترون وقلقون، يواجه الأطباء صعوبة في التعامل معهم، حيث يتسبب التوتر في غضب المرضى وتصاعد الاعتداءات".


وأشار التقرير إلى أن "التراخي الأمني" يعني أن هذه الاعتداءات يمكن أن تشمل استخدام الأسلحة في بلد يمتلك نحو 20% من المدنيين فيه سلاحا ناريا.

وقال لفتة إن "الناس قلقون ومسلحون، وهناك مشكلات في نظام الرعاية الصحية، وكل هذه العوامل تساهم في تصعيد العنف".

"تهجير ممنهج"

العاملون في مجال حقوق الإنسان، يرون أن هذه الاستهدافات ليست في غالبيتها ناجمة عن "غضب" أو رد فعل، بل إنها تدخل ضمن سياق استهداف العقول، بغرض ضرب الكفاءات في البلد الذي يعاني من الهجرة بشكل مستمر.

في السياق، يقول الناشط في حقوق الإنسان، أنس العزاوي، إن قتل الأطباء يدخل ضمن مخطط يهدف لتفريغ البلاد من الملاكات العملية والفنية.

وذكر لـ"عربي21"، أن عمليات الاستهداف التي تشمل الأساتذة الجامعيين أيضا، لا تتم بدافع طائفي أو مذهبي، إنما تطال الاغتيالات كافة المكونات في العراق بلا استثناء.


وحذر من أن استهداف الأطباء والكوادر يهدد بإغلاق المستشفيات نظرا لنقص الملاكات ذات الكفاءة.

وفي نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، اندلعت اشتباكات مسلحة بين جماعتين مسلحتين في  محيط مستشفى الناصرية التركي وسط محافظة ذي قار.

ويعود سبب الحادثة إلى أن أفرادا مسلحين حاولوا اقتحام المستشفى لكن طاقم الحماية قاموا بمنعهم، ما أسفر عن سجال واعتداء بالضرب تطور لاحقا إلى نزاع مسلح.

ورأى العزاوي أن جزءا من الحل يكمن في ضبط السلاح المنفلت بيد الدولة وإنزال عقوبات قاسية بحق الجناة، إضافة إلى تعزيز الثقافة بين الأوساط الشعبية والعشائرية.

وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن نحو 400 من الكوادر الطبية العراقية تعرضوا للقتل والإصابة، إضافة إلى هجرة ما لا يقل عن 20 ألف طبيب قبل وبعد إسقاط حكم النظام السابق برئاسة صدام حسين عام 2003، إثر الاضطرابات والحروب التي شهدتها البلاد، وعلى رأسها العنف.

"العقوبة العشائرية" 


في المجتمع العراقي الذي تغلب عليه العشائرية، فإن دور القبيلة أو العشيرة أساسي في أي ظاهرة ويكون لها أثر، سواء كان إيجابيا أو العكس.

لكن تظهر حالات الاستهداف أن العشيرة تلعب دورا "ابتزازيا" في هذا الجانب، كون المسألة تدخل في إطار قانون العشيرة بدلا من القضاء الرسمي.

وتترواح قيمة "العقوبة العشائرية" ما بين 50 مليونا و145 مليون دينار عراقي، علما بأن الممتنع عن الدفع قد يُهدر دمه أو يخسر عمله.


هذا الدور يعد ابتزازا للأطباء من قبل بعض أهالي المرضى، الذين يتوفون بعد العمليات الجراحية أو في حال تعرضهم لمضاعفات مرضية خلال العلاج، وفقا للمرصد العراقي لحقوق الأطباء.

وسط هذه الاستهدافات، تتوالى الدعوات إلى تفعيل الدور الحكومي من أجل حماية الكوادر الطبية، داعين إلى تخصيص لجان حماية، واعتبار وزير الصحة مسؤولا مباشرا عن هذا الملف الذي بات يهدد القطاع الصحي في العراق.