كتاب عربي 21

ملف المصالحة.. المسكوت عنه والممكن

1300x600
يُطرح حديث على أحايين متفرقة عن بشريات اتفاق للمصالحة بين أكبر طرفي المعادلة بمصر، وفي كل مرة ينتهي الحديث دون وجود أي تغيير يذكر. 

في هذه الأيام تحديدا ارتفع الصوت لتعدد مصادر الحديث، منها ما خرج من الأستاذ يوسف ندا، والآخر من الشيخ الغنوشي وغيرهما، وترافقت مع تلك الدعوات الخارجية الرامية لتغيير الوضع، مبادرة داخلية من قِبل د. عبد المنعم أبو الفتوح، ما يطرح تساؤلا عن إمكانية تغيير المواقف بعد التصلب السابق الذي استمر لعامين كاملين.

رغم الانقسام الحالي والتباين الشديد الموجود بالمجتمع، إلا أن الطرفين وصلا لحالة كبيرة من الإعياء والإجهاد بسبب اتساع مساحة العنف، وارتفاع كلفة المواجهة اقتصاديا وبشريا، وغير خاف أن الطرف المعارض للسلطة أكثر ألما بمراحل، هذا الألم جعل الظاهر من ردود أفعال كل فريق -متضرر بالفعل ولا يعتاش من الأزمة- يهاجم الفكرة عند طرحها ابتداء دون الخوض في تفاصيلها، إلا أنه يطرح رضاه بها في حالة واحدة.  

فعند فريق الدكتور مرسي، تكون مقبولا بها بعد عودته، وعند فريق السلطة تُقبل بعد اعتراف الإخوان بمسار يونيو، والنظر في الطرحين يثبت أن كل طرح لا يتحدث عن عملية تسوية، بل عن انتصار يتبعه إعطاء مساحات يتفضل بها على الطرف الآخر، كأنه استطاع الوصول لتلك الدرجة من الثبات التي تتيح له "الإملاء"، لكن الثابت أن لا أحد يقدر على الزعم بأنه ينجح في مساره أو أنه قام بتركيع الآخر، بل غاية ما تم عدم السماح للخصم بالاستقرار، لا التصفية أو الإفناء، والعجيب اعتبار ذلك نجاحا.

المسكوت عنه في ملف المصالحة أن الجميع أُرهق، وينتظر الفرصة التي ينتصر فيها انتصارا ولو كان معنويا، ليقبل به المصالحة ويحفظ به ماء وجهه، بعد خطاب بلغ أقصى مدى في الحشد والشحن، ولا أدل على ذلك من استدعاء النظام لبعض القيادات المفرج عنها، أو تواصله المباشر مع المسجونين لديه لإحداث انفراجة في الوضع القائم، لما يتكبده من خسائر نظير التظاهرات اليومية، والإنفاق الأمني الذي بلغ حدودا غير مسبوقة، وكذلك حالة التململ من الأوضاع الاقتصادية التي تصب في صالح الإخوان لا ريب، وبالمقابل ما يتم طرحه من قيادات تحالف دعم الشرعية عن عودة د. مرسي ولو لساعة واحدة، يدعو فيها لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما يمثل في حقيقته انتصارا معنويا لا غير.

لا يبدو أن هناك أملا -ولو مؤقتا- في هدوء الشارع أو البطش الأمني، إن لم يحدث أي تغير في المسارات الحالية.

أحجار العثرات في ملف المصالحة عديدة، منها الخطاب العنيف الذي صاحب الأزمة أولا، الأمر الذي يجعل التراجع صعبا أمام الأنصار، ومنها التورط المباشر في القتل والاغتصاب والسجن من قبل السلطة، والعمليات التي تقابل عنفها، فصار بين الجميع دم، ومنها وهو الأهم غياب وجود طرح يمكن البناء عليه والانطلاق منه نحو إنهاء الأزمة، إلا أن تلك النقطة مرتبطة بوجود الإرادة، ورغم عدم ظهور أمارات وجودها، إلا أن الإيجاد ممكن وعوامل التحفيز قد تساهم بصنعها، إذا قام المعنيون بتذليل السبيل إليها.

في جانب الرؤية على وجه التحديد، طرح د. عبد المنعم أبو الفتوح تصورا لإيجاد حل لإنهاء الأزمة، وختم كلامه بالدعوة لنقدها وتعديلها، وبغض الطرف عن قيام أطراف بنقده هو لا المبادرة، فالمطلوب صقل ما طرح وتطويره بما يناسب الحد الأدنى مما يمكن الوصول إليه، وهي في الحقيقة تحمل أسسا يمكن البناء عليها، كما أنها قد تحمل جوانب ضعف يمكن الاستغناء عنها أو تقويتها، أو طرح البدائل لبعض البنود.

ربما كان الوضع الحالي في ظل الحشد والشحن غير مهيأ لحدوث تغيير في مسارات الصراع، لكن طرح التصورات يصلح كأحد عوامل تغيير المسار، خاصة بعد بلوغه هذه المرحلة من القسوة والعنف والإنهاك، يحتاج المطارد والمعتقل للأمان، كما يحتاج له سجّانه ومطارده، ويحتاج المهدَّد بالقتل أن يزيح عن رأسه صورته، كما يحتاج مهدِّده أن لا يرى نفسه كزملائه الذين تمت تصفيتهم.

إن التسوية السياسية بحد ذاتها ليست غاية يُبحث عنها، بل القصد إنهاء الانقسام بالمجتمع، ومراعاة حرمة الدماء والأعراض والحريات، وتأتي التسوية السياسية لتكون خاتمة وخادمة للاستقرار الاجتماعي.