ملفات وتقارير

"الأزرق".. مخيم للسوريين في قلب الصحراء

مخيم الأزرق قادر على استيعاب 2000 لاجئ يوميا (أرشيفية) - رويترز
48 يوما قضتها عائلة أبي إبراهيم خلف الساتر الترابي الذي يفصل حدود المملكة الأردنية عن سوريا شرقا، قبل أن تسمح لهم السلطات بالدخول إلى الأراضي الأردنية والمكوث في مخيم الأزرق الصحراوي ليبدأ فصل جديد من المعاناة.
 
يقبع المخيم في قلب الصحراء الأردنية على بعد 100 كيلومتر شرق العاصمة الأردنية عمان بالقرب من الحدود السعودية، افتتحته السلطات الأردنية عام 2014، بكلفة 45 مليون دولار تكفلت بها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة؛ بهدف "تخفيف الضغط" عن مخيم الزعتري للاجئين الذي يضم 80 ألف لاجئ.
 
تحيط السلطات الأردنية المخيم بإجراءات خاصة مشددة بخصوص دخول الغرباء للمخيم ووسائل الإعلام التي شحت تقاريرها حول الظروف المعيشية داخل المخيم بعد أن صبت اهتمامها على مخيم الزعتري.

ظروف معيشية قاسية

يروي اللاجئ أبو إبراهيم، لـ "عربي21"، فصولا من المعاناة  و"الظروف القاسية" التي يعيشها هو وأسرته المكونة من خمسة أفراد في المخيم، حيث يضطر إلى مشاركة ست عائلات في دورة المياه، ما يجبره أحيانا للوقوف بصف طويل حتى يحين دوره، كما يجد مشقة في شراء احتياجاته من المواد الغذائية من "المول" الوحيد الذي يبعد أكثر أن من عشرة كيلومترات عن "كرفانات" اللاجئين دون وجود وسائل تنقل.
 
ولا يوجد في المخيم الذي يقطنه الآن 26 ألف لاجئ كهرباء، ما زاد معاناة قاطنيه في الصيف والشتاء، حيث ترتفع درجة الحرارة إلى 45 مئوية صيفا، وتنخفض إلى درجة التجمد شتاء بسبب البيئة الصحراوية.
 
ولا يعتبر الحصول على مياه الشرب بالأمر السهل في المخيم؛ اذ يشترك اللاجئون بصنابير مياه مشتركة، غالبا ما تشهد ازدحامات كبيرة، ويضطر لاجئون للاستيقاظ فجرا " لحجز دور على تلك الصنابير".
 
أبو إبراهيم الذي هرب من مدينة درعا التي تتعرض بشكل مستمر لقصف من قوات النظام، سلك طريقا طويلة تنقل خلالها بسبع وسائط نقل في ظروف صعبة حتى وصل الساتر الترابي، ليقضي وقتا طويلا يفترش هو وعائلته الأرض متدثرا بغطاء خفيف تشاركه فيه الفئران والعقارب قبل أن يسمح له بالدخول وتنقله السلطات الأردنية لمخيم الأزرق.
 
لا يخفي اللاجئ رغبته في مغادرة المخيم والعيش خارج أسواره، إلا أن الخروج من المخيم شبه مستحيل بسبب اعتماد إدارة المخيم لنظام "الإجازة" للمغادرة وهي محددة بمدة زمنية معينة قلما يحصل عليها اللاجئون.
 
السلطات الأردنية اتخذت قرارا منذ أشهر بنقل أي لاجئ جديد إلى مخيم الأزرق عوضا عن مخيم الزعتري بعد أن "أتخم" وتحول إلى مدينة، إلا أن مخيم الأزرق لا يتمتع بالمزايا التي حصل عليها مخيم الزعتري من حيث الخدمات والأسواق والدعم المالي، وحتى الاهتمام الإعلامي.
 
لا كهرباء في المخيم

وقال مسؤول الإعلام في المجلس النرويجي أمجد يامين، لـ "عربي21"، إن "المخيم لم يبن على أساس وجود كهرباء، وكانت الفكرة أن يضاء المخيم من خلال ألواح شمسية؛ تجنبا للتكلفة العالية لفاتورة الكهرباء التي وصلت إلى نصف مليون دولار باليوم الواحد في مخيم الزعتري".
 
وأقر يامن "بصعوبة الحياة بدون كهرباء في الأزرق"، إلا أنه يُحمّل ذلك لضعف التمويل المقدم من الجهات المانحة، مؤكدا أن "المنظمات الإغاثية الدولية قدرت احتياجاتها من الأموال لتقديم الخدمة سنويا بـ2 مليار دولار، لكنها لم تحصل إلا على 500 مليون بما هو أقل من 30% لسد الاحتياجات".
 
إدارة المخيم تعتبره مصدر جذب للاجئين

و على عكس انتقادات اللاجئين، ترى إدارة المخيم أنه "يعتبر مصدر جذب للاجئين بسبب التنظيم الجيد ومساحته الممتدة على 14 كيلو متر؛ حيث يشمل على ما يقارب تسعة آلاف وحدة سكنية ومستشفى ومدرستين وملاعب ومكتبة".
 
و حسب مدير المخيم العقيد عاطف العموش، فإن "أغلب قاطني الأزرق هم من الشباب الذين يشكلون ما نسبته 54% من مجوع سكان المخيم، و يجري الإعداد لإنشاء سوق تجاري في المخيم يحتوي على 100 محل تجاري".
 
محاولات لتحسين ظروف الحياة

وتؤكد دراسة أجرتها منظمة "كير" العالمية داخل مخيم الأزرق أن نسبة الشباب والأطفال داخل المخيم مرتفعة جدا، ويمتلك قسم كبير من الشباب مهارات في زراعة والتجارة والنجارة تؤهلهم للعمل داخل المخيم بأعمال تطوعية دورية مقابل مبالغ رمزية، وخلصت الدراسة أن "أولئك الشباب بحاجة ماسة إلى بناء حياة أفضل لأنفسهم".
 
بدوره، قال مدير مشروع مخيم الأزرق جميل دبابنة، لـ "عربي21"، إن " المخيم يعتبر من ناحية المساحة الأكبر على مستوى الأردن والعالم، فهو مترامي الأطراف ومقسم إلى أربعة قرى، منها قريتان مؤهلتان تستوعب الواحدة منهما 15 ألف لاجئ".
 
وقال دبابنة إن "الدراسة التي أجرتها منظمة (كير) مؤخرا في المخيم كانت تهدف لمعرفة الإمكانية لإيجاد حياة و دور اقتصادي للناس في هذا المكان الذي لا يوجد فيه أي نوع من النشاطات الاقتصادية، على عكس مخيم الزعتري تماما، وذلك لأسباب فرضها الوضع القائم، منها انعدام التيار الكهربائي".
 
ووصف الدبابنة الظروف المعيشية في المخيم بـ"القاسية"، مقارنة بكثير من الأماكن، ولا تسمح هذه الظروف للاجئين بالتوسع في حياتهم اليومية رغم توفر موارد محدودة من الطعام والمياه والتعليم والصحة.
 
ألا أن الدبابنة أكد "وجود فرص عمل داخل المخيم بشكل محدود"، مبينا أن "منظمة كير تقوم بتسجيل الراغبين بالعمل التطوعي مقابل مكافآت مالية، حيث تقوم بتقسيم اللاجئين من هم فوق سن الثامنة عشرة إلى قسمين: العمالة الماهرة و غير الماهرة العمالة، وتشمل الماهرة المدرسين والمهندسين والأطباء والتقنيين ومحترفي البناء، أما غير الماهرة فيعملون في تنظيف المخيم أو التحميل والتنزيل وأعمال لا تتطلب مهارة عالية، وتلقت المنظمة أكثر من 6 آلاف طلب من كلا الجنسين للعمل في المخيم".
 
أكثر تنظيما من الزعتري

بدورها، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن "البنية التحتية والتنظيم في مخيم الأزرق أفضل منها في مخيم الزعتري من حيث تصريف المياه والطرقات و طبيعة الكرافانات".
 
وقال الناطق الإعلامي باسم المفوضية بالأردن محمد الحواري، لـ"عربي21"، إن "المفوضية بصدد إنجاز مشروع ضخم لمد الكهرباء للمخيم بتكلفة كبيرة في السنة القادمة، ومن المتوقع أن تصل الكهرباء للمخيم في بداية شهر نيسان/ أبريل من 2016، بينما يجري حاليا إضاءة قرية كاملة في المخيم من خلال شركة أيكيا السويدية للأثاث التي تبرعت بإضاءات تعمل على الطاقة الشمسية تعمل لغاية ست ساعات؛ لإضاءة الطرقات ليلا؛ لتسهل تنقل اللاجئين".
 
اما بخصوص الأسواق وعدم توفرها، فأكد الحواري أن "السوق الموجودة بالداخل تعمل بناء على بطاقات خاصة من برنامج الأغذية العالمي؛ لتغطية جزء من مشتريات اللاجئين واحتياجاتهم الشهرية للطبخ والأكل"، مشيرا إلى أن المفوضية "أنشأت سوقين تجاريين في كل قرية يشملان محلات ودكاكين، حيث شارفت الترتيبات والتصاريح للعمل بهما على النهاية، ومن المتوقع أن يتم تفعيل الأسواق بالشكل الصحيح قريبا، وتتميز هذه الأسواق بأنها منظمة أكثر مما هو الحال في الزعتري الذي يحمل الكثير من العشوائية"، بحسب تعبيره. 

ويميز مخيم الأزرق حسب الحواري "تنظيم المساكن داخله، إذ توجد أماكن خاصة لغير المتزوجين بعيدة عن مناطق العائلات، كما يتم تصنيف الكرفانات والحارات من حيث الأماكن التي جاء منها اللاجئون، فعلى سبيل المثال يسكن أهالي مدينة حمص معا، وتحاول المفوضية تجميع الأقارب في مكان واحد، بحيث يشعرون بالراحة في هذه الظروف الصعبة".
 
أما حول نقص دورات المياه، فتقول المفوضية إنها "خصصت لكل ستة مساكن أربع دورات مياه مشتركة، اثنتان نسائيتان، ومثلهما للرجال، مع توفر صرف صحي يحول دون انتشار الأمراض، ومن أبرزها الكبد الوبائي".
 
ويقدر المختصون أن مخيم الأزرق قادر على استيعاب 2000 لاجئ يوميا، حيث تعتبر الأردن من أكثر الدول المجاورة لسوريا استقبالا للاجئين لطول حدودهما المشتركة التي تصل إلى 378 كم.