مقالات مختارة

محنة الصحفيين المصريين

1300x600
كمن يطلق الرصاص على رجله تبدو السلطات المصرية، والإصابة مباشرة في كعب القدم.. في الصحفيين ونقابتهم، وهم من وقفوا في غالبيتهم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

على امتداد خمسة وسبعين عاما منذ نشأة نقابة الصحفيين المصريين، لم يتجرأ حاكم مصري واحد أن يقتحم مقرها، لا في عهد عبد الناصر ولا السادات ولا مبارك ولا عهد مرسي الخاطف الذي خُطف. حدثت مع كل واحد منهم أزمات كبيرة أو صغيرة، ولكن ما هو أطول من شعرة معاوية لم يقطع أبدا إلى أن جاء هذا العهد، فلم يتردد في قطعها مع أن معشر الإعلاميين كانوا، في مجملهم، في طليعة المصفقين له والمطبلين.

كانوا ليس فقط خط دفاعه المتقدم، بل وكذلك منصة إطلاق صواريخه على كل من يجهر بشكل أو بآخر بكلمة ضده.

كئيب أكثر من أي عام مضى يمر اليوم العالمي للصحفيين على زملاء المهنة في مصر، بعد أن استبيحت نقابتهم من قبل قوات الأمن، واعتقل زميلان لهم من داخلها، لم تكتف السلطات باتهامهما بحيازة أسلحة وقنابل حارقة، بل كذلك بمحاولة قلب نظام الحكم. أي حكم هذا الذي يمكن أن يقلبه شخصان متحصنان بمبنى لحماية نفسيهما من الاعتقال؟!

لا فائدة هنا في استحضار ما يقوله معارضو السيسي، فهم "ما صدقوا" كما يقول المصريون، لكن من المفيد ربما استعراض بعض ما قاله "سدنة" هذا الحكم، و"حاملو مباخره" طوال هذه السنوات الأخيرة.

كلهم تقريبا أدانوا بقوة ما جرى للنقابة، ولكن، في الغالب من زاوية الغيور على النظام وسمعته أكثر من الغيرة على المهنة والحريات في البلد.

تقول لميس الحديدي إحدى هؤلاء: "لماذا نعطي العالم كل الذرائع والذخيرة لضربنا كل يوم؟!! ولماذا نفسح المجال لكي يضربوا هذا النظام وهذا الرجل (أي السيسي) كل يوم؟!!"، إلى أن تخلص إلى أن "مصر تفتقد للعقل والرشد السياسي، وتدفع ثمن أخطاء الأجهزة الحكومية، وهناك أشخاص من داخل نظام السيسي يقومون بزراعة الألغام في طريق الرئيس".

أما عماد الدين حسين، وهو رئيس تحرير جريدة "الشروق" اليومية، فيرى أن وزارة الداخلية "دخلت في صراع مفتوح وصدام مجاني مع كل الصحفيين، بمن فيهم عدد كبير من المواطنين المؤيدين للشرطة وللحكومة، وللرئيس عبد الفتاح السيسي"، معتبرا أنه "لو أنفق الإخوان المسلمون وأعداء الحكومة المليارات للإضرار بسمعة الحكومة والشرطة، لما نجحوا في الإضرار بها بقدر ما فعلت وزارة الداخلية نفسها" في حادثة النقابة.

النقيب يحيى كلاش، أراد أن يظهر أن قلبه ليس على السيسي بقدر ما هو على مصر، التي باتت اليوم في "وضع بمنتهى الخطورة، وأكبر من أن يتصوره العقلاء (...) فقد دخلت نفقا مظلما لم يسبق لها أن دخلته في أسوأ العصور التي مرت بهذا البلد، وحتى حبيب العادلي لم يكن ليجرؤ على القيام بما قامت به وزارة الداخلية الآن".

لكن النقيب وجماعته، ومن سبقه في قيادة النقابة مثل ضياء رشوان، ليسوا بمعزل عن إيصال الأمور إلى هذا الدرك. عندما سكت هؤلاء على مقتل ثلاثة عشر صحفيا منذ الانقلاب، ولم يحركوا ساكنا لإطلاق سراح زهاء التسعين من زملائهم المعتقلين، ولم يقدموا أنفسهم للرأي العام الداخلي والخارجي سوى أنهم في صورة "هتيفة" يصفقون لكلام رئيسهم في المؤتمرات الصحافية، على غرار ما حصل في برلين مع أنغيلا ميركل، وسط دهشة زملائهم الألمان.. عندما يحصل كل ذلك، فأي هيبة بقيت لنقابة يفترض أنها لا تستمد حرمتها من القوانين فقط بل من قوة وكرامة واستقلالية المنضوين تحت لوائها.

ما يزيد في مرارة ما تعرضت له نقابة الصحفيين التي دخلت في اعتصام مفتوح وتعقد الأربعاء اجتماعا لتدارس الوضع أنها تحاصر حاليا ليس فقط من قبل رجال أمن، بل كذلك "بعشرات البلطجية وأرباب السوابق الذين قاموا بالتظاهر وسب الصحافيين بشكل علني، تحت حراسة قوات الأمن الموجودة حول المقر"، وفق ما قاله كارم محمود رئيس لجنة التشريع في نقابة الصحافيين.

فيما قال النقيب نفسه إنه "لا يمكن أن نسمح لأصحاب السوابق أو لأي واحدة من خريجات السجون أن تحمل صورة الرئيس السيسي وترقص بها أمام النقابة، ونعتبر ذلك انتصارا سياسيا".. فيما أظهرت صور أن بعض هؤلاء كان يلوح للمعتصمين بحذائه!!

يلخص لنا أحد الصحفيين المصريين المرموقين المشهد، فيقول إن "احتضان النقابة للمظاهرات الغاضبة منتصف نيسان/ أبريل على ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، هو السبب الرئيس لهذا الاقتحام غير المسبوق للنقابة، أما الدرس الأهم لذلك، فهو أن السلطة قسمت القوى السيسية لتقضي عليها الواحد تلو الآخر، والآن جاء الدور على الصحفيين، وبالتالي أكلت يوم أكل الثور الأبيض".

مع كل ذلك، فالمطلوب التضامن مع هؤلاء، إذ لا وقت للملاومة، فما بالك بالشماتة؟.. هي كده باختصار!!

(عن صحيفة القدس العربي اللندنية، 4 تموز/ يوليو 2016)